فقهاء السلطان حرّموا سفر البشير.. واعتبروا أعداءه كفارا.. ولقبوا الرئيس مبارك بأمير المؤمنين.. وقالوا إن معارضيه آثمون..

أعداء الرئيس أعداء الله

الخميس، 02 أبريل 2009 10:21 م
أعداء الرئيس أعداء الله
كتب محمد الدسوقى رشدى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄الشيخ شلتوت أفتى لعبد الناصر بأن الصلح مع إسرائيل حرام.. والشيخان عبدالحليم والشعراوى أفتيا للسادات بأنه حلال.. والشيخ طنطاوى وصف معارضى مبارك بالآثمين

للباحثين عن الإبرة وسط كوم القش، وسائل مختلفة تبدأ بالنبش، وقد تنتهى بالحرق ،إصرارا على الفوز بالإبرة نفسها.

فى المنطقة العربية أنظمة حكم تبحث أيضا، ولكن عن الإبرة الخاصة بها، تلك التى تشبك الحاكم فى كرسى السلطة دون أن تنخلع إلا بفعل فاعل، قد يكون سماويا، أو ممن يجيدون التصويب من مسافات بعيدة، أنظمة حكم كلنا يعلم تاريخها، ويحفظ عن ظهر قلب مسلسل صعودها وبقائها القسرى على كرسى السلطة، ونحفظ أيضا تاريخها فى البحث عن «الشرعية» وسط أكوام الكره والرفض الشعبى، والتزوير والتلاعب الرسمى، والضغط والتعذيب والتهديد الشفهى والجسدى.

«الشرعية».. إبرة الأنظمة العربية التى تبحث عنها بشتى الطرق، بداية من صندوق الانتخاب، ونهاية بتأويل صفحات الكتاب وتطريز وتطوير عمم الفقهاء، بحيث تصبح مواكبة لتطور رغبات الحاكم فى تمديد فترة بقائه على رأس السلطة.

فى المنطقة العربية أنظمة حكم، تعانى من نقص حاد فى هرمون الشرعية، يهدد باضطرابات سياسية وجلطات انقلابية، وضغط شعبى قد يتسبب فى سكتة دماغية للنظام بالكامل، ورحيل بلا رجعة عن كرسى الحكم، سواء كان جمهوريا أو ملكيا أو من ده على ده.

ولكل نظام أطباؤه الباحثون عن دواء يرفع نسبة هذا الهرمون فى مؤسسات النظام الحاكم، لكى يمنحه شرعية البقاء، والأطباء أنواع، بعضهم ماهر فى عصر القوانين وتحليل الدساتير، لاستخراج مايلزم للإبقاء على الرئيس فترة قادمة منها، أو منح الملك سلطات أوسع، وبعضهم بارع فى التعامل مع السلاح لاستخلاص شرعية الخوف من صدور الناس، وبعضهم الآخر ماهر جدا فى استخدام الميكروفونات والأقلام، لتلفيق شرعية شعبية تخدع الرأى العام، وتساهم فى تمديد عمر النظام بالفهلوة..

ولكن يبقى أصحاب العمم أو اللحى هم الأكثر أهمية والأكثر قدرة على علاج الداء، هؤلاء البارعون فى استخدام لفظة «قال الله وقال الرسول»، الماهرون فى تأويلها وعكسها وقلبها لاستخلاص نوع من الشرعية، يمنح أنظمة الحكم حماية أبدية، فى ظل مجتمعات تخضع وتخنع أمام كل من يمتلك الشرعية الإلهية..

تلك التى يبحث عنها الحكام العرب بأيديهم وأسنانهم لضمان السيطرة على مجتمع معلوم عنه بالضرورة، ضعفه أمام عاطفته الدينية، ووداعته وانسياقه أمام كل من حمل لقب شيخ أو وضع فوق رأسه «عمة» مع اختلاف شكلها فى الجزائر عن مصر، عن بيروت، عن السعودية.

هكذا يستمد كل نظام حكم - سواء كان فى الخرطوم، أو القاهرة، أو الرياض ،أو دمشق، أو تونس، شرعية وجوده ومعاركه.. يسرقها من أسفل عمامة رجال الدين الذين ارتضوا لأنفسهم العمل لصالح القيادات السياسية على حساب العمل لله، ومثلما جاء الخليفة الأموى يزيد بن عبدالملك بفقهاء عصره، وسألهم هل يحاسب الله الخلفاء يوم القيامة على أفعالهم؟ فأفتاه أربعون منهم بأنه لا حساب على الخلفاء يوم القيامة، يأتى رؤساء وملوك الأنظمة العربية برجال مؤسساتهم الدينية ليستفتوهم، باحثين عن سند دينى لإسكات جموع الشعب الرافضة لسياساتهم، وأصبح السائد أنه كلما «يتزنق» زعيم أو حاكم عربى فى قرار ما على غير هوى الناس، أو قانون ما على غير هوى الدستور، أو معارض ما على غير هواه، يبحث له عن رجل دين يخرج على الناس بفتوى تصب فى مصلحة النظام، أو تنقذه من مأزق وضع نفسه فيه، وتجعل كل من هو عدو للرئيس عدوا لله، مثلما حدث مع الرئيس السودانى عمر البشير الذى ملأ الدنيا صراخا وهياجا ورقصا، بعد قرار المحكمة الجنائية بالقبض عليه على خلفية اتهامه بارتكاب مذابح فى دارفور، وأعلن تحديه للمحكمة وللمجتمع الدولى عامة، ثم وجد نفسه فى مأزق، حينما حان موعد السفر إلى القمة العربية بالدوحة، فى ظل تهديدات بتربص عدد من القوى الدولية للقبض عليه، فجاءت فتوى «هيئة علماء السودان»، لتنقل صراع البشير مع المحكمة الجنائية إلى مستوى آخر، لا ينفع معه أى إشارة شعبية، بعدم تأييد الرئيس فى موقفه ومساندته فى معركته مع القوى الامبريالية العظمى، كما وصفتها الفتوى التى أكدت على عدم جواز سفر البشير فى ظل الظروف الحالية التى يتربص فيها أعداء الله والوطن بسيادته، على اعتبار أن تعرض سيادته للخطر هو تعرض للأمة كلها إلى الخطر، ثم أكدت الفتوى الدينية بأن حضور القمة ليس فرض عين على الرئيس، ويمكن أن يكلف آخرين بالحضور عنه، وختمت هيئة علماء السودان فتواها بكلمة موجهه للرئيس البشير تقول: «لا يخفى عليكم أن الأعداء تتربص بكم وببلادكم وبدينكم، وهؤلاء القوم الكافرون لا عهد لهم ولا ميثاق، ولا قيم ولا أخلاق، وخوف الأمة لا عيب فيه، وأخذ الحذر من كيد الكافرين سنة ماضية، وتفويت الفرصة على الأعداء، والبقاء فى السودان، ومع شعبك غيظ للكافرين».

انتهت فتوى هيئة علماء السودان، بعد أن حولت المخالفين للرئيس البشير إلى كفار، صحيح أن البشير سافر للقاهرة وليبيا بشكل مفاجئ، ولكن تبقى الدول التى زارها على مقربة حدودية، وتتمتع ببعض الظروف التى تحول دون حدوث أى مكروه للرئيس السودانى المطلوب لدى المحكمة الجنائية، ولذلك فإن سفره إليها ليس حراما كما أكدت هيئة العلماء، أما السفر إلى الدوحة فهو، كما يراه رجاله، محفوف بالمخاطر فى ظل التواجد الأمريكى المكثف فى المنطقة، كما أشارت إلى ذلك اللجنة التى شكلتها الرئاسة السودانية، للبحث فى أمر السفر إلى قمة الدوحة من عدمه، ثم جاءت التطمينات القطرية لتقلب حرام البشير إلى حلال حينما سافر فجأة لحضور القمة فى الدوحة غير مهتم بالفتوى التى كان قد صادق عليها من قبل.. حاملاً وزر مخالفة فتوى أكبر هيئة دينية فى السودان، كانت قد أسرعت لتقديم خدماتها الدينية الجاهزة لإنقاذ السيد الرئيس من مأزق الخوف من القبض عليه خارج الأراضى السودانية.

استغلال البشير للدين وتوظيفه لفقهاء السودان لخدمة مصالحه، وتشويه صورة المختلفين معه، لم يتوقف عند أعدائه فى الجبهة الخارجية، فقد قامت «الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة»، ومعها هيئة علماء السودان، بتكفير المعارض والعدو الأول للرئيس البشير السيد حسن الترابى، ووصفته بأنه صاحب أقوال شاذة، وأفكار ضالة، يفترى بها على الله ورسوله، وعلى رئيس الأمة السودانية، وحينما بدأ الرئيس السودانى يعانى من النشاط الملحوظ للحزب الشيوعى السودانى ،فيما يخص قضية دارفور استخدم «هيئة علماء السودان» لتعطيل هذا النشاط عبر فتوى، حرمت الانضمام للحزب الشيوعى بسبب انحرافه عن مسار الإسلام الصحيح.

استغلال البشير للدين وتوظيفه لرجال الدين لإضفاء الشرعية على تحركاته، شىء لم ينفرد به الرئيس السودانى عن أقرانه من الرؤساء العرب، الذين احترفوا لعبة خلط الدين بالسياسة، للحصول على سنوات حكم أهدأ وأكثر راحة وأكثر امتدادا،
فبالدين يخضع لهم الناس، وبفتاوى التكفير والتخوين، يتخلصون من معارضيهم.

فتوى هيئة علماء السودان للبشير، لم تظهر فقط الوجه القبيح لكيفية خداع الناس، ولكنها أعادت فتح ملف «فقهاء السلطان»، ودورهم فى سيطرة ديكتاتورات الوطن العربى على مقاليد حكمه، ربما لا يجد المصطلح السابق ترحيبا فى الأوساط الدينية الرسمية، ولكنه وجد اعترافا علنيا من الدكتور يوسف القرضاوى فى المؤتمر السابق للاتحاد العالمى لعلماء المسلمين الذى عقد بالكويت عام 2007 ،وأقر فيه بوجود «علماء السلطة»، معتبرا أنهم أخطر على الأمة من أعدائها فى الخارج، مشيرا إلى وجود علاقات قوية تربط الكثير من رجال الدين بأجهزة أمنية ومخابراتية، نظرا لإدراك رجال الحكم والسياسة، لمكانة رجل الدين فى نفس المواطن المسلم.

شهادة القرضاوى فتحت عليه أبواب هجوم، جاء أغلبه من مشايخ المؤسسات الدينية الرسمية فى الدول العربية المختلفة، ولكنها فى نفس الوقت كانت شهادة ناقصة، ولم تشر إلى تأصل الاستغلال السياسى للدين فى التاريخ الإسلامى على أكتاف مشايخ وأئمة كبار، أشهرهم ابن تيمية الذى قال فى كتابه «السياسة الشرعية فى إصلاح الراعى والرعية»، إن ستين سنة من إمام جائر، أصلح من ليلة بلا سلطان، أو ما قاله الغزالى فى «المنقذ من الضلال»، بضرورة وجوب تفضيل الحاكم القاهر على حالة الفتنة.

وغيرها من التفاصيل التى يمتلىء بها التاريخ الإسلامى، مؤكدة على دور فقهاء السلطان فى إضفاء الشرعية على الوجود السياسى لأى نظام حكم مهما كانت عيوبه.

دور «فقهاء السلطان» السياسى كان أكثر مواكبة لتطورات الحياة من تطور وجهة نظرهم الفقهية الدينية، وفى بلد مثل مصر، يمكنك أن تلاحظ هذا التطور، وتتأكد من الدور القوى الذى يمارسه رجال الدين فى تدعيم النظام الحاكم، سواء كان ذلك فى عصر مبارك أو السادات أو حتى عبدالناصر، صحيح أن الاستغلال السياسى للدين فى عهد عبدالناصر لم يكن بنفس الفجاجة الموجود بها الآن، ربما لأن رجال الدين وقتها كانوا أكثر قوة من الآن، أو لأن عبدالناصر جاء بشرعية ثورة انتظرها الناس طويلا، وكاريزما تمناها المصريون فى أحلامهم، أو لأن الحلم القومى والوطنى طغى على الشعور الدينى وقتها، كل ذلك صحيح ولكنه لم يمنع وجود عدد من الفتاوى، ظهرت فى أواخر حكم عبدالناصر وتحديدا فى منتصف الستينيات، تسير على نهج تحويل أعداء الرئيس إلى أعداء وخصوم لله، حيث وقع 12 عالما أزهريا، من بينهم مفتى الديار المصرية وقتها، على بيان يصف جماعة الإخوان المسلمين بأنهم إخوان الشياطين ،لأنهم ينتهجون العنف، ويسعون لقلب نظام الحكم، وبما أن عصر جمال عبدالناصر كان عصر العداء مع اسرائيل، فقد كان طبيعيا أن تصدر فتوى لتضع الساعين للصلح مع إسرائيل على عكس رغبة الرئيس فى مكانة الكفار، حينما أفتى الإمام الأكبر للجامع الأزهر محمود شلتوت، بأن الصلح مع إسرائيل حرام، وهى الفتوى التى ستتغير إلى النقيض تماما، حينما يبدأ الرئيس السادات مساعيه لتوقيع اتفاقية السلام مع تل أبيب، حيث أصدر شيخ الأزهر عبدالحليم محمود، والشيخ الشعراوى وزير الأوقاف وقتها، فتوى تبارك اتفاقية السلام، وتؤكد أن الصلح مع إسرائيل حلال.. وبالتالى يصبح كل معارض لاتفاقية الرئيس آثما وعدوا لما حلله الله.

فى عصر السادات، تعالى صوت تلك الموجة قليلا ،على اعتبار أن مصر دخلت عصر الرئيس المؤمن، ومثلما استخدم السادات الدين لضرب فلول الشيوعية، وأتباع عبدالناصر عبر الجماعات الإسلامية، استخدم الدين أيضا للخروج من مأزق مظاهرات 18 و19 يناير عبر كلمات لشيخ الأزهر وقتها، أكدت على أن هذه الاحتجاجات من عمل الشيطان، وأن الاشتراك فى تلك المظاهرات خروج على الدين.. فأصبح كل مشارك فى المظاهرات وكل هاتف ضد السادات خارجا على الدين.

فى عصر الرئيس مبارك يسهل جدا أن ترى هذا التشابك والتعاون بين الدين والسياسة بعينك المجردة، بعدما كان الأمر لا يرى إلا عبر ميكروسكوب، ربما لأن رجال الدين فى هذا العصر خلعوا برقع الحياء، أو ربما لأن نظام الرئيس مبارك لا يملك ما كان لدى ناصر الذى امتلك شرعية 23 يوليو، والسادات الذى حكم بقوة 23 يوليو و6 أكتوبر معا، ولذلك لجأ للشرعية الدينية، لأنها أسهل وأسرع الطرق للسيطرة على شعب تزغزغ مشاعره أى «عمامة» حتى ولو كانت لا تحفظ سوى الفاتحة.
فى عصر الرئيس مبارك برع شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوى فى تحويل أعداء الرئيس إلى أعداء لله.. كفار أحيانا، وأثمين غالبا، فحينما نادت المعارضة المصرية بمقاطعة الاستفتاء على تعديل الدستور، نظرا لعدم دستورية الإجراءات وعدم وجود ما يضمن عدم تزوير إرادة الناس، خرج شيخ الأزهر ليفتى فى الناس، مؤكدا أن الداعين للمقاطعة وكل من لا يشارك فى الاستفتاء آثم وكاتم للشهادة، وللأزهر وشيخه باع طويل فى تطويع الدين لخدمة توجهات النظام، ليس فقط عبر فتاوى واضحة، ولكن من خلال بيانات أو آراء لرجال دين تابعين للسلطة ،أو حتى عبر خطبة الجمعة التى تسيطر على مضمونها وزارة الأوقاف، حتى إن أكثر من مسجدين كبيرين مثل الفتح والنور، هاجما بضراوة الدكتور سعد الدين إبراهيم ووصفوه بالخائن والفاسق ،ومعه أيمن نور وكل من يتعامل مع الدول الغربية ويسىء لمصر مثلما أكد بيان سابق للشبكة العربية لحقوق الإنسان.

شيخ الأزهر أيضا كان خير سند وداعم للرئيس مبارك، حينما أفتى بجلد الصحفيين المروجين للشائعات، عقب أزمة شائعة صحة الرئيس، وفى أزمة تصدير الغاز لإسرائيل لم تشأ دار الإفتاء أن تفوت الفرصة دون أن تقدم يد العون للنظام، كى تخرجه من هذا المأزق الخطير، حينما أصدرت بيانا يؤكد اختصاص الحكومة وأهل العلم وحدهم بالبت فى هذا الملف، حتى لا تصبح دار الإفتاء طرفا فى معركة المعارضة مع الدولة، وهو ما لم تفعله دار الإفتاء حينما خرجت منها فتوى تنص على تحريم الانتماء للجماعات الإسلامية، والإشارة على استحياء إلى الإخوان المسلمين.

ولأن نظام الحكم فى مصر حريص طول الوقت على تعديد وتنويع مصادر دعمه، وتجهيز كارت بديل إذا احترقت الكروت التى يدافع بها عن نفسه، كان طبيعيا جدا، وفى ظل عدم ثقة الناس فى المؤسسة الدينية الرسمية وموقفها السياسى، أن تصدر آراء وفتاوى من تيارات دينية أخرى سلفية أو غيرها، تدعم نظام الرئيس وتصف وبشكل أكثر وضوحا أعداءه بالكفر والخيانة والإثم، مثلما قال أحد مشايخ السلف فى مصر، محمد سعيد رسلان وفى عز مظاهرات كفاية والمعارضة فى وسط البلد الكلام التالى:
(لم يقل واحد من علماء أهل السنة - باختلاف طوائفها من حق وباطل - بجواز الخروج على الحاكم.. والخروج يشمل الكلمة، كما يشمل الكتابة، كما يشمل الخطبة بالتهييج، كما يشمل الثورات، كما يشمل الاعتصامات والمنشورات والمظاهرات، كل ذلك مخالف لاعتقاد أهل السنة، لم يقل به عالم من السلف ولا من الخلف).

وهكذا تحول المعارضون والمشاركون فى مظاهرات مصر إلى خارجين عن الدين، وعن المذهب السنى طبقا لكلام الشيخ رسلان، الذى جاء بعده الشيخ محمود عامر رئيس جمعية أنصار السنة المحمدية بدمنهور ليفتى فى الناس بأن الرئيس مبارك لابد أن يسبق اسمه لقب أمير المؤمنين، ثم أعلن تأييده لعملية التوريث داعيا من يرفضها إلى ضرورة العودة إلى رشده، ثم جاء الشيخ يوسف البدرى ليساهم فى اللعبة بفتوى تصف الداعين للإضراب بالغوغاء والدهماء، وحرم الإضراب ومطالبة الرئيس بالاستقالة.

الكنيسة أيضا كان لها دور فى تلك اللعبة عبر البيانات التى أصدرها البابا شنودة، والوثيقة التى صدرت عن المجمع المقدس لتؤيد الرئيس مبارك، وتطالب الشعب القبطى بانتخابه، بشكل يوحى لأى قبطى، أن أى مهاجم للرئيس ونظامه هو خارج عن الكنيسة بالضرورة.

كل هذا الدعم الدينى للنظام الحالى، جعل أهل المعارضة فى مصر، إما آثمون وإما خارجون عن الدين، وبالتالى فإن زعماء المعارضة فى مصر هم عتاة الكفار، لأنهم تجرأوا وهاجموا واحد من نسل النبى محمد كما كانت يفط الدعاية الانتخابية تقول فى وقت الانتخابات الرئاسية.

وإذا كان أعداء الرئيس فى مصر آثمين ومخالفين لتعاليم الدين، فأعداء الملك فى السعودية كفار ومجرمون يستحقون غضب الله وغضب الناس، مثلما أفتى الشيخ بن عثيمين قائلا: (من مات على غير إمام مات ميتة الجاهلية)، ردا على المعارض السعودى «سعد الفقيه»، الذى طالب أهل السعودية بضرورة الخروج على الملك والتظاهر ضده، ووصف مشايخ السعودية وقتها الداعين لتلك المظاهرات أو الإصلاحات السياسية بالخارجين عن دين محمد، وفى اليمن أيضا وبعد جولات من الصراع مع أهل الجنوب، لم يجد «على عبدالله صالح» سوى رجال الدين سواء كان الزندانى، أو الشيخ ناصر الشيبانى، ليخوضوا المعركة، ويجعلوا من أهل الجنوب آثمين ومخالفين لتعاليم الدين الإسلامى، عبر فتوى للشيبانى أكد فيها كفر العسكريين المحتجين على الرئيس، وطالب بضرورة قتلهم.

أما فى سوريا فلا حاجة لرجال الدين بتكفير المعارضة، لأن المعارضة هناك غير قادرة على الكلام أصلا، ولكن المفتى السورى الشيخ أحمد حسون، لم يدع الفرصة تمر من تحت يده دون أن يفتى فتوى جعلت من زعماء الوطن العربى الذين لم يشاركوا فى قمة دمشق آثمين حينما قال: (حضور القمة فى سوريا فرض عين على كل حاكم عربى، ومن يتخلف عن القمة من دون عذر صحى فهو آثم، ولا يجوز لأى حاكم أن يرسل من يمثله)!

أعداء الله فى الوطن العربى كثيرون طبقا للفتاوى الرسمية لرجال الدين المعتمدين من قبل الدولة، ومع ذلك لم يظهر طير من أبابيل ليحصدهم، ورجل الدين الرسمى فى الوطن العربى سرعان ما سيتحول إلى «خيال مآتة» ويترك الفرصة للشيوخ القادمين من خارج عباءة السلطة، ليصنعوا شعوبا على هواهم، إما متطرفة، أو ساكنة، أو يبقى الوضع كما هو عليه الآن.. مواطنون لا يستفتون شيوخهم الرسميين إلا فيما يخص مسائل العبادات، أما ما يخص المعاملات وأمور السياسة، فهو أمر مشكوك فى صدقه، وغير موثوق فى نوايا أصحابه الذين قرروا أن يلووا عنق الدين لخدمة الجالسين فوق كراسى الحكم.

وطن آثم نعيش فيه إذن.. طبقا لفتاوى كبار رجال الدين فى دولنا العربية، والناجون فقط من النار طبقا لهذه الفتاوى، هم رجال الحكم ومن يسيرون فى دوائرهم، الناجون فقط هم هؤلاء الصامتون السائرون فى ضل الحوائط والأسوار.. أما كل من لديه كلمة اعتراض.. كل من يراه الرئيس عدوا وخطرا على كرسى حكمه، فهو عدو لله ولرسوله..فانظر أين تقف أنت الآن، وسارع بطلب التوبة والغفران إن كنت واحدا من هؤلاء الذين هتفوا بسقوط النظام يوما ما، أو من هؤلاء الذين تمنوا وضع صورة أخرى على حوائط المؤسسات الحكومية، أو أعلى سبورة فصول الإبتدائى والإعدادى فى المدارس الحكومية.

الزعماء الآثمون طبقا لفتوى مفتى سوريا
المفتى السورى أحمد حسون أفتى بأن حضور قمة دمشق، فرض عين على الحكام العرب، ومن يتغيب عنها آثم ويتحمل وزر الغياب، وطبقا للفتوى السابقة، فإننا أمام زعماء آثمين خالفوا تعاليم الله.. يمكنك أن تضحك، ولكن يبقى السؤال: لماذا لم تتحرك الدول التى يرد أسماء زعمائها فى القائمة التالية، للرد على مفتى سوريا؟ خاصة أن الاتهام ليس هينا.. عموما قائمة الزعماء الآثمين تتكون من: الرئيس حسنى مبارك ، خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الرئيس العراقى جلال طالبانى، العاهل المغربى محمد السادس، سلطان عمان قابوس بن سعيد، ملك البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، العاهل الأردنى الملك عبدالله الثانى والرئيس اليمنى على عبدالله صالح.

أنواع المؤسسات الدينية
على حسب موقفهم من السلطة السياسية، يمكن أن نحدد أنواع المؤسسات الدينية بثلاثة أنواع. النوع الأول يتراجع تدريجيا لصالح النوع الثالث الذى يعيش فترة من الازدهار، متوقع أن تنتعش أكثر فى الفترة القادمة مع احتمالات باندماجه مع النوع الثانى فى فترة لاحقة، نظرا لحالة الضعف التى يعيشها النوع الثانى.. تعال نشوف الأنواع الثلاثة، لكى نفهم الكلام السابق.
-1 عمائم تابعة للسلطة
المقصود بهم رجال الدين التابعون للمؤسسات الدينية الرسمية، وبعض الجمعيات السلفية التى تعيش برعاية الدولة، مثل جمعية أنصار السنة المحمدية فى مصر، وهؤلاء يعتقدون أن الحاكم ولى الأمر الذى تجب طاعته, وبناء على ذلك، يتم توظيف مجهودها لخدمة السلطة السياسية، وفى كثير من الحالات يكون للسلطة اليد العليا فى تعيين رؤساء هذه المؤسسات.
-2 جماعات معارضة للسلطة
تنقسم إلى جماعات متطرفة، تتخذ التيار التكفيرى، وتؤمن بوجوب قيام الدولة الإسلامية، وجماعات أخرى تمارس العمل الدعوى بجانب العمل السياسى، وتسعى لفرض نفسها على الساحة السياسية عبر طرق سلمية.
-3 جماعات المسجد
هى تلك الجماعات التى يقتصر عملها على الشئون الدينية.. غير أن حدوث اصطدام من أى نوع بين هذه الجماعة وبين السلطة، يجعل من تعاونها مع النوع الثانى أمرا ممكن الحدوث.

التعريف العلمى والشعبى لفقهاء السلطان
الدكتور حسن حنفى يعرف فقهاء السلطان ، بأنهم هم الذين ينشئون خطاب التأليه الذى يُعظِّم السلطان، كامل الأوصاف. فلا فرق عندهم بين صفات الله.
الشيخ وجدى غنيم يقول عنهم: هناك من هو (شيخ) ومن هو (شخشخت ركبه).. والعمم إما (قِمم) وإما (رِمم) ،وهم رؤوس على تيوس، على هوى المتحكمين فينا.
أما نحن فلن نجد سوى التعريف الشعبى ،وهو كالآتى: فقيه السلطان هو «عمة» متحركة، وجمجمة متحجرة، هو التطور الطبيعى «للفقى» على قدر ما يحصل من طعام، يمنح أصحاب السهرة المزيد من حلو الكلام، وعلى قدر ما تمتلىء بطنه من الفتة، يصهلل ويمد فى الحروف ويلويها ويقلبها لكى يلهى الناس عما يضعه فى جيبه من خيرات أهل البيت.
هو ذلك النائم صاحب الخطبة ذات الخمس دقائق، حينما يحضرها الرئيس، والربع ساعة حينما يحضرها رئيس الوزراء، أو من ينوب عن الرئيس، هو الوحيد الذى يدعو لولى الأمر فى عادة انقطعت منذ زمن، وهو لا يمارس دور المأذون، إلا إذا تعلق الأمر بكبار رجال الدولة، هو بركة المؤتمرات والجلسات الرسمية، الذى إذا تكلم نام الحضور منه، وإذا سكت حمدوا الله، وإذا أطال أشاروا له بأن ينهى كلامه سريعا، هو الموجود منه كتييير بنفس المقاس، ونفس الطعم، ونفس الريحة.. هو حسن الباردوى فى فيلم الزوجة الثانية.. بس خلاص!






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة