شائعات خطف الأطفال تحولت إلى هاجس يطارد المواطنين فى بعض المحافظات المصرية، مخلفاً نتائج خطيرة لا تتوقف عند ذعر الأمهات والآباء على أبنائهم من عصابات وهمية قد تطاردهم وتعرضهم للاختفاء فى غمضة عين، ولا عند أن غياب أو اختفاء طفل تحول إلى مصدر للرعب، وإنما وصلت فى بعض المناطق إلى وسيلة للانتقام اعتماداً على سرعة تصديق الناس لها، فيما لا تفرق الشائعات بين كبير أو صغير، ولا جاهل ومتعلم، مهما بلغت بالشائعة من خيال جامح، يتضمن ديوكاً زرقاء بستة أصابع، وكنوز مدفونة، ومحتالين يشقون البطون فى جنح الليل، ونساء ترتدين السواد وتسرقن الأطفال مثل "الكحل من العين".
فهل عاد المجتمع المصرى إلى قرون للوراء ليغرق فى الأساطير، وأهوال الجان والعفاريت، ليصبح شعار المرحلة "يا خفى الألطاف.. نجنا مما نخاف"؟
فى سوهاج الشائعة تطارد الكبار والصغار:
وفى محافظة سوهاج سيطرت حالة من القلق والفزع على قرى ومراكز المحافظة وتحولت عصابات خطف الأطفال إلى شماعة الرعب التى يعلق عليها الأهالى خبر اختفاء أى شخص بصرف النظر عن عمره، فقد تحولت بلاغات اختفاء 8 أشخاص من منتصف مارس الماضى وحتى منتصف أبريل إلى دليل كافٍ لتأكيد الشائعة فى أذهان السكان. وزاد من وقع الشائعة عدم تمكن الأجهزة الأمنية بمديرية أمن سوهاج من معرفة سبب أو مكان اختفائهم.
وعلى الرغم من تمسك الأهالى بفكرة أن العصابات متخصصة فى خطف الأطفال، فإن الأشخاص الذين أبلغ عن اختفائهم لا يوجد بينهم سوى ثلاثة أطفال فى سن الرابعة عشرة، والخامسة عشرة، وطفل عمره عامان اختفى مع والدته، بينما الخمسة الآخرين فتتراوح أعمارهم ما بين 22 و30 عاماً وأحدهم "متخلف عقلياً" إلا أن الأهالى تجاهلوا هذه الحقائق وتفرغوا لنسج الحكايات التى لا ينقصها الخيال حول أن عصابة هى المسئولة عن اختفائهم.
فى قرية "الشيخ مكرم" سيدة محتالة تفتح بطون الأطفال ليلاً
خرجت الشائعة من قرية "الشيخ مكرم" حيث سرت بين الأهالى شائعة تفيد قيام سيدة بزيارة أحد المنازل بالقرية مدعية أنها على خلاف مع زوجها وصل إلى حد أن رمى عليها يمين الطلاق، وأن الليل قد اقترب وأنها لا تستطيع الذهاب إلى أهلها بمحافظة قنا فى هذا الوقت، وأنها طلبت المبيت حتى الصباح، فما كان من صاحب المنزل إلا أن رحب بالضيفة للمبيت "وسط الأولاد" وبحلول الصباح اكتشفت الأم أن أولادها الثلاثة غارقين فى دمائهم وجميع أحشائهم الداخلية غير موجودة وأن السيدة ذهبت أدراج الرياح ولا أثر لها فى المنزل، وانطلقت الشائعة من القرية إلى القرى المجاورة وصولاً إلى مدن المحافظة، حتى بات الناس يقسمون بأنها جرت على الرغم من أنه "لا عين رأت، ولا أذن سمعت" الواقعة.
وفى مركز "دار السلام" شيخان يذبحان الناس بحثاً عن الكنز المدفون
الإشاعة الثانية فى سوهاج كان مصدرها مركز "دار السلام"، و"ساقلتة" حيث يتناقل الأهالى فيما بينهم أن هناك شيخين أحدهما سودانى، والآخر مغربى يبحثان عن الكنوز الأثرية فى باطن الأرض، وهو ما يعرف فى الصعيد بـ"الأقية".
وللأقية عن أهل الصعيد حكاية أثيرة، حيث يقال إن هناك ذهباً كثيراً مدفوناً فى باطن الأرض، ومن يستطيع الكشف عن من يأتى على مسيرة شهر يحصل على نصيبه منه، وفى الماضى لم يكن من الممكن فتح هذا الكنز إلا عن طريق ذبح ديك أحمر له ستة أصابع فى كل قدم، وبعد ذبحه فى المكان المطلوب تفتح "الأقية" وتطورت الأسطورة ليتحول الديك الأحمر إلى ذبح إنسان كقربان لفتح الكنز والآن أصبح البديل عن ذلك الديك هو ذبح شخص كقربان لفتح ذلك الكنز، وهكذا مضى أهالى القرى الشيخان يذبحان أبناء القرية للبحث عن الكنز الدموى المدفون فى باطن الأرض.
والشائعة تطارد المتسولات وتقطع "عيشهن"
ومن بين الشائعات التى انتشرت بين أهالى القرى والنجوع، أن مجموعة من السيدات تحترفن التسول من المنازل، تقمن باختطاف الأطفال على حين غفلة من الأهالى، وبيعهم لتجار الأعضاء بناءً على اتفاق مسبق وبمقابل مالى، الشائعة يبدو أنها "قطعت رزق" المتسولين فى محافظة سوهاج، لدرجة أن "و. ش" وتكسب عيشها من التسول منذ نعومة أظفارها تقول، إنها لم تمر فى حياتها بأزمة مالية مثل تلك التى تمر بها الآن، بسبب انتشار شائعة خطف الأطفال، بل أن أصحاب المنازل يعتدون عليها بالسب والضرب ليبعدوا "شرورها" عن بيوتهم.
وراحت أيام "العفريت" لتحل محلها "الست الحلبية" التى تذبح الأطفال
الغريب أن هذه الشائعات العجيبة لا تقتصر على بسطاء القرى والنجوع، وإنما باتت تقضى مضاجع المتعلمين أيضاً، حيث يقول فوزى عبد الدايم، مدرس أنه لم يعد يأمن على أولاده لدرجة اصطحابهم للمدرسة كل صباح وتحذيرهم من الخروج من المدرسة أو تناول أى أطعمة أو حلوى يقدمها لهم أحد، حتى يعود ويستلمهم بنفسه فى نهاية اليوم الدراسى، ويضيف أنه منع أبناءه من الذهاب للدروس الخصوصية خارج المنزل، مفضلاً استضافة المدرس فى منزله حتى يكون أبناؤه أمام عينيه، ويقول "لا أريد أن يتعرض أبنائى للخطف أو الذبح وبيع أعضائهم".
ويقول محمد عمر مدرس مادة علم الاجتماع بالمرحلة الثانوية، إن الشائعات ملأت عقول وقلوب الأهالى لدرجة أن أولياء الأمور أصبحوا يخيفون أبناءهم بـ"الست الحلبية" التى تخطف الأطفال وتذبحهم بدلاً من إخافتهم بالعفاريت.
فى الغربية: علقة ساخنة للعصابة بسبب 180 جنيهاً
ففى محافظة الغربية تحولت الشائعة فى قرية "الأمبوطين" مركز السنطة إلى وسيلة استخدمها أحد المواطنين للانتقام من مجموعة أشخاص من قريتين مجاورتين، هما "شبرا البحرية" و"شبرابيل" بسبب خلاف على 180 جنيهاً ثمن استئجار دراجة بخارية، حيث قام صاحب الدراجة البخارية باستدراج المستأجر ومعه آخرين إلى داخل مقهى بقرية "الأمبوطين" وأطلق شائعة بأنه تمكن من القبض على عصابة خطف الأطفال، مما دفع أهالى القرية للاندفاع نحو المقهى وانهالوا عليهم ضرباً مبرحاً نتج عنه إصابة 6 أشخاص بإصابات خطيرة، ثم نقل المصابين لمستشفى الجامعة، والقى القبض على الجناة وتقرر حبسهم 4 أيام على ذمة القضية.
ومصدر أمنى: لا دليل على وجود العصابة
من جهته صرح مصدر أمنى، أن حالات الاختفاء بالمحافظات "عادية" وأن عدد الحالات التى رصدت فى عام 2008 بمحافظة سوهاج على سبيل المثال وصلت إلى 28 حالة عاد منهم 19 وجارى تكثيف الجهود لكشف غموض اختفاء الحالات التسعة الأخرى، وأضاف أنه لا يوجد دليل حتى الآن على أن حالات الاختطاف وراءها تجارة أعضاء، سواء بمحافظة سوهاج أو فى غيرها.
فهل عاد المجتمع المصرى قروناً إلى الوراء ليغرق فى هوة الأساطير، وأهوال الجان والعفاريت، ليصبح شعار المرحلة "يا خفى الألطاف.. نجنا مما نخاف؟".
من المسئول عن أسطورة "عصابات خطف الأطفال" التى أعادت المصريين لعصور "يا خفى الألطاف.. نجنا مما نخاف"؟
السبت، 18 أبريل 2009 08:59 م
عصابة لم يرها أحد ولكنها ترهب الجميع
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة