أكدت صحيفة فورين بوليسى، وجود حالة من الغضب العارم التى تجتاح رجال الدين المسلمين فى الشرق الأوسط جراء حالات الفتوى الزائدة، ويقول الكاتب نيل ماكفرير، الذى كان يعمل بالقاهرة طوال خمس سنوات رئيساً لمكتب صحيفة نيويورك تايمز، أنه كلما ذكرت كلمة فتوى للأصدقاء من الغرب فإنهم عادة ما يضعونها على قدم المساواة مع حكم الإعدام، وهذا غالباً ينبع من الفتوى الشهيرة عام 1989 لآية الله روح الله الخمينى فى إيران، والتى تقضى بإيجازه قتل الكاتب سلمان رشدى بسبب روايته آيات شيطانية، والتى اتهم من خلالها بإساءة الإسلام.
يروى ماكفرير قصة أحد أصدقائه المصريين المصور، محمد الدخاخنى، الذى لجأ لطلب الفتوى من أحد الشيوح حول ما إذا كان ركوب سيارة واحدة مع زميلة له أثناء رحلتهما إلى مكة من شأنه أن يبطل حجه أم لا؟، والمفارقة أن رجل دين سعودى قال له وبشكل لا لبس فيه، أن ركوب سيارة مع امرأة هو أمر غير مباح، ولكنه لجأ لرجل دين آخر قدم له نصائح مختلفة نوعاً ما، ومن ثم قام وزميلته المراسلة الصحفية في نهاية المطاف بالمشاركة في سيارة واحدة إلى مكة المكرمة.
ويرى الكاتب، أن ما فعله محمد زميله هو ما يسمى بتسوق الفتوى أو تصيدها من علماء الدين الذين يقرون للمتوسل ما يريده، وهذه المرونة تؤكد البلاء من وراء عدم وجود هيكل رسمى له وحده حق الفتوى فى الإسلام.
أوردت الصحيفة، أن انتشار الفتاوى هو توفير قدر أكبر من الوضوح، فالمسلمون يستطيعون أن يعتمدوا على شيخ المسجد المحلى أو شخصية يحترمونها لتفسير وتكييف النصوص الدينية على الواقع، وغالباً ما تكون النتيجة مربكة، حيث يطلق العديد من رجال الدين فتاوى دون التدريب على ذلك، ومن دون عقاب، وكثيراً ما تكون تلك الفتاوى متناقضة الاستنتاجات.
ويذكر الكاتب ماكفرير، أن عدداً من الفتاوى التى صدرت الآن تثير تساؤلاً حول شرعيتها،"التى أحياناً ما تكون واهية دينياً لتبرير جميع طرق الفوضى" فالفتاوى الصادرة عن لجان رسمية أو كبار القادة السياسيين من رجال الدين يمكن أن تحمل وزناً من القانون، ولكن معظمها غير ملزم، ويسمح للدول أو الأفراد على انتقاء واختيار ما يشاءون.
ويوضح الكاتب، أنه استنتج من خلال التقارير التى جمعها أثناء تواجده فى الشرق الأوسط، أن معظم الأحكام الدينية أو الفتاوى التي صادفها تنحصر بين فئتين رئيسيتين، الفئة الأولى تختص بالأمور الاجتماعية، حيث تصدر الآلاف من المبادئ التوجيهية يومياً لمساعدة الناس على التصرف فى أمور الحياة، وتغطى هذه المسائل التى لا تعد ولا تحصى النظافة واللباس والجنس.
أما الفئة الثانية، فهى تتركز على الفتاوى السياسية، فغالبية مواطنى الشرق الأوسط اتجهوا إلى شخصيات دينية لمعرفة وجهة نظرهم حول عملية التغيير السياسى.
ويضيف الكاتب قائلاً: هناك صخب من الأحكام فى كل من هاتين الفئتين العريضتين، والتى كالعادة أجلبت كثيراً من الارتباك، ويشير الكاتب إلى سحب بعض الفتاوى التى أثارت الكثير من الغضب فى الأوساط الاجتماعية، ويدلل على ذلك بفتوى إرضاع الكبير.
ويختم الكاتب، أن ظاهرة الفتاوى تؤكد مشكلة رئيسية فى محاولة إثارة أى إصلاح أو تغيير فى الشرق الأوسط، فهناك الكثير من الأصوات المتنافسة، وكلها تدعى الشرعية والتنافس على السلطة. وهذه الأصوات النشاز تعرقل عملية الاستفراد بالحكم الدينى التى يمكن من خلالها التخلص من التناقضات، مثلما حدث بشأن إمكانية مشاركة المرأة فى الانتخابات.
ويقول المنتقدون، إن الكثير من الفتاوى تهدف إلى مصلحة ما وليس إلى تميم غرض دينى، مثل الرغبة فى دفع سياسة معينة، فالحقيقة أن بعض الحكومات تضع كبار رجال الدين على كشف المرتبات حتى لا يلقوا ظلالاً من الشك على ما يصدر عنهم، ومن الصعب على أحد أن يفصل بين الفتاوى التى تهدف لغرض دينى عن غيرها التى صيغت لتحقيق أهداف سياسية.
يرى الكاتب ماكفرير، أنه حتى الفتاوى الأكثر رجعية تشير إلى حقيقة بسيطة، وهى أن التأثيرات الجديدة موجودة، وتعالج علناً. وبطبيعة الحال، وجد أنه من المحبط أن الجمهور بدلاً من أن يقبل سريعاً على التغيير السياسى، اتجه إلى علماء الدين للتشاور حول ما إذا كانت المشاركة فى الانتخابات هى فكرة جيدة أم لا، ولكن مجرد كون عدد أكبر من الناس يطرحون مجموعة أسئلة من هذا القبيل هو فى حد ذاته علامة على حدوث تقدم، فمما لا شك فيه هو أن تصاعد موجة من الفتاوى ينبع من التصارع الكثيف بين التقليد والحداثة فى أنحاء العالم الإسلامى.
