خالد صلاح

اكتب اسم مفتى مصر أو شيخ الأزهر واعرضهما فى ساحات مساجد شبرا وإمبابة أو اكتب اسم عمرو خالد وخالد الجندى واطرحهما على طلاب جامعة الأزهر والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية..

الرموز السياسية والوطنية.. قضية أمن قومى

الجمعة، 17 أبريل 2009 12:04 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا أريدك أن تصنف كلماتى هنا باعتبارها من فئة (الشجن الرومانسى المقطوع الصلة عن السياسة والواقع)، أقسم لك أننى أؤمن بفقه الواقع، وأتقن فى حدود خبراتى المحدودة بعض معادلات السياسة، لكننى فى الوقت نفسه أعتبر أن إحدى أزمات مصر، واقعيا وسياسيا، أن هذا البلد يعانى أزمة قومية هائلة عنوانها الأساسى (غياب الرموز السياسية والوطنية محل الإجماع من كل القوى والفئات فى البلد).

امسك ورقة وقلما واكتب فى قائمة واحدة أسماء عشر شخصيات برلمانية أو حزبية أو حكومية أو فنية أو اقتصادية من رجال قطاع الأعمال العام أو من القطاع الخاص، تكون جميعها محل إجماع وتقدير عام باعتبارها رموزا وطنية مصرية لا يختلف عليها أحد، أو معصومة من الشكوك أو الهجمات أو الضربات تحت الحزام.

فكر كما شاء لك الهوى أن تفكر، وتجول بعينيك كثيرا فى الصور المنشورة على الصفحات الأولى للجرائد، أو التى تضىء شاشات المحطات التليفزيونية يوميا، انظر داخل قاعة البرلمان أو على طاولة اجتماعات مجلس الوزراء أو فى المؤتمرات العامة للأحزاب المصرية الكبرى، واكتب بثقة وضمير خالص لوجه الله عشرة أسماء فقط تصلح لأن نطلق عليها جميعا (رموزًا وطنية مصرية مخلصة).

أبشرك آسفا بالفشل مقدماً، ولك أن تجرب وتتحدى هذه النتيجة، وكن على ثقة بأننى سأضع هذه القائمة هنا على صدر هذه الصفحة إن حملت عشرة أسماء فقط محل إجماع وطنى من مختلف الفئات والطوائف والأحزاب والقوى والمواطنين فى مصر، ستخفق حتما واسمح لى أن أقدم لك السبب فى ذلك.

نحن يا أخى مرضى بهدم الرموز، مدمنو تكسير عظام القامات والهامات، نحن يا أخى قلوبنا ترقد على بركان من الشتات والفوضى وغياب القيم الحاكمة التى تمثل أساسا لكل المجتمعات الحرة، نحن ضحايا النيران الصديقة والمعادية معا، نحن أسرى (هولوكوست) الإقصاء والتخوين والتكفير وتجريح النفوس والذمم والضمائر، قل لى أنت من ذا الذى لم تنل منه سهام البطش الهمجى لكسر الرقاب فى مصر، من ذا الذى ينتمى إلى السلطة ولم يتعرض للتخوين من المعارضة، ومن ذا الذى ينتمى للمعارضة ولم تطعنه السلطة فى الشرف أو فى العرض، فى لقمة العيش والمستقبل.

اكتب أنت بالخط العريض أن الأستاذ محمد حسنين هيكل هو الرمز الوطنى البارز فى مصر ثم اعرض اسمه على أعضاء الأمانة العامة للحزب الوطنى، أو على مجلس تحرير جريدة روزاليوسف، أو على صالة تحرير قطاع الأخبار فى التليفزيون المصرى، قبل أن تطلق الحكم حاسما وجامعا ومانعا على هذا الرمز.

واكتب أيضا بالخط العريض اسم زكريا عبدالعزيز رئيس نادى القضاة السابق، ثم اعرض اسمه على أعضاء مجلس إدارة نادى القضاة الحالى أو على الفائزين فى التجديد الثلثى لنادى قضاة الإسكندرية، أو اكتب اسم أيمن نور واعرضه على مجلس إدارة نقابة المحامين أو نقابة الصحفيين أو الهيئة العليا لحزب الوفد، وتأكد أنك لن تصل إلى نتيجة ترضيك.

اعكس المعادلة إن شئت واكتب اسم الرئيس محمد حسنى مبارك (باستثناء كونه رمزا سياسيا وتنفيذيا لجهاز الدولة) واعرضه على شباب 6 أبريل أو مجلس تحرير جريدة الدستور أو أعضاء الأمانة المركزية لحزب التجمع، أو حتى مجالس التحرير فى الصحف القومية، أو الجمعية العمومية لاتحاد الكتاب، وتأكد أنك لن تصل إلى نتيجة موحدة، اكتب اسم مفتى مصر أو شيخ الأزهر واعرضهما فى ساحات مساجد السيدة زينب وشبرا وإمبابة يوم الجمعة، أو اكتب اسم عمرو خالد وخالد الجندى واطرحهما على طلاب جامعة الأزهر والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، لا أحد هنا أو هناك سيجمع على اسم واحد يختصر فى القلوب قيمة وطنية جامعة فوق الاختلاف وفوق الأحقاد وفوق الانحيازات السياسية والعقائدية التى نختلف عليها جميعاً.

ستكون أنت ساذجا، فى ظنى، إن ظننت أن هذا طرح ساذج ورومانسى ولا محل له على أرض الواقع، وأعتذر لك مقدما، ستقول: وكيف يتفق الخصوم فى الفكر أو تجتمع الكلمة على رجل فى ساحة السياسة، أو تأتلف القلوب وراء المتنافسين فى المعارك الانتخابية؟

لكننى أقول لك، إن الخصوم فى الفكر قد تجمعهم الغاية الوطنية الموحدة، وإن المتنافسين فى الانتخابات قد تجمعهم المصلحة العامة لناخبيهم حتى إن اختلفت البرامج والوسائل فى تطبيق هذه الغايات، وإن الخصوم فى السياسة قد يجمعهم احترام الرأى الآخر، وتقدير وجهات نظر المختلفين، وهذه كلها فضائل لا يعرفها مجتمعنا اليوم، وقيم تحرمنا من أن نتبادل فيما بيننا الفكر بالفكر والكلمة بالكلمة على أرضية وطنية جامعة، فخصومنا فى السياسة هم أعداء وخونة ومأجورون وعملاء، وخصومنا فى الفكر هم كفار وشاردون عن الصواب ومحرفون للكلم عن مواضعه، وخصومنا فى الانتخابات هم متآمرون منافقون يستغلون المناصب لمصالحهم العامة، هكذا نتراشق دوما فى كل الساحات، وهكذا نتصارع فى كل الميادين إلى الحد الذى لم نجتمع فيه على قيمة أو قامة حتى إن اختلفنا معها فى قليل من الفكر أو فى كثير من السياسة.

الإنجليز أطاحوا بتشرشل من السلطة رغم أنه خرج زعيماً منتصراً من الحرب العالمية الثانية، وظل تشرشل رمزاً إلى الأبد، وديجول تقاعد لأن الفرنسيين لم يمنحوه الثقة فى استفتاء، ورغم ذلك ظل رمزا لفرنسا الحديثة، والأمريكيون اختلفوا على جون كيندى وقتله آثمون من بينهم، ثم بقى هو أيضا رمزا إلى الأبد، والهنود اغتالوا غاندى ثم قدسوه وقدسه العالم من بعد رحيله، أما نحن فلا رموز لدينا إلا وقطعنا جذورها من العمق، وأطحنا بها إلى ساحات التراشق والتخوين والمؤامرات، حتى صرنا أمة بلا قيمة أو قامة من حولنا، نتحلق فى جماعات مشتتة حول آلهة من «العجوة» ندافع عنها كما فعلت قريش مع أصنامها دون أن تجمع الأمة على قبلة وطنية جامعة.

حتى البرادعى وأحمد زويل ونجيب محفوظ، اختلفت حولهم القلوب لأن هذه القلوب لم تتعلم كيف تحترم الآخرين رغم الاختلاف، وكيف تمنح القامات الرفيعة مقامها فى الوجدان حتى إن تعارضت الرؤى أو تقاطعت بعض الأفكار، غابت ضمائرنا عن التقييم فغابت الرموز فى المجتمع، وتكسرت القامات على أسنة رماح التراشق والتخوين والتآمر.

قل لى أنت على اسم رجل أعمال واحد يعتبره أى من شبابنا مثلا أعلى له فى الطموح والإنجاز؟ كيف يعتبره رمزاً أو مثلاً والخيال الشعبى لا ينقطع عن اعتبار كل رجل أعمال لصا كبيرا، وكل مستثمر اقتصادى عميلا للسلطة وذيلا لها وممولا لاستبدادها السياسى؟

أو دلنى على أى وزير فى السلطة أو رئيس حزب يحظى باحترام (كقيمة ورمز) بين مؤيديه ومعارضيه على حد سواء؟ وكيف يتحول إلى رمز وهو إما وصل إلى المنصب بالتزلف، (كما تقول المعارضة)، أو وصل إلى قيادة المعارضة بالعمالة للخارج واحتراف التضليل (كما تقول الحكومة).

هكذا نطلق النار على أصابعنا وأطرافنا وقلوبنا أحيانا، حين نفقد الخيط الرفيع بين الاختلاف والعداوة، وبين النقاش بالفكر والتراشق بالحجارة والتكفير، والنتيجة أنه لا رموز لدينا يستمع إليها المختلفون والمؤيدون على حد سواء، لا رأى آخر فى بلادنا، فقط رأى الصنم الأكبر فى الجماعات الوثنية الصغيرة من حولنا، وهذا الحال أخطر علينا من العدو عند الجبهة الشرقية ما بعد رفح، وأخطر علينا من حروب حوض وادى النيل ومن قرار اعتقال البشير ومن اختراقات حسن نصر الله، لأنه لا أحد يسمعه الناس فيثقون فى كلماته، لا أحد يتحدى الآلهة الوثنية فى الجماعات الصغيرة، ومن ثم فإننا سنعيش بحالين إما نهبا للتفكك إن حانت لحظة الخلاف الحاسم (وهى قريبة بلا شك)، أو أننا سنعيش إلى الأبد تحت جنازير مدرعات الأمن المركزى، فالأمة التى لا يكون فيها المختلفون فى الرأى والفكر والعقائد محل احترام عام، ورموزا يعبرون عن بلادنا من زوايا مختلفة ومن مواقع متعددة، هى أمة بلا شك لا يمكن لها أن تحيا إلا بالقنابل المسيلة للدموع.
وسامحنى.. على بعض القسوة!





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة