◄يعجز عن الانتقام لـ«مغنية».. وينقل حروبه إلى مصر والبحرين واليمن
الأساطير لا تشيد على فراغ, ولا تتخلق من تصريحات عنترية. والبطولات لا تكتب على فواتير يسددها الآخرون نيابة عن البطل.. ومشكلة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله المولود فى أغسطس عام 1960بالقرب من مدينة صور بالجنوب اللبنانى أنه مثل عشرات غيره من الشخصيات العربية، رؤساء وغير رؤساء، أرادوا ركوب موجة قهر الذل الإسرائيلى الذى يحياه العرب من المحيط إلى الخليج، مجانا تقريبا، أو على حساب آخرين.
صدام حسين فعل ذلك وفشل، بالأحرى انكشف بعد غزوه للكويت. حافظ الأسد كان بالذكاء السياسى الذى أدرك معه أنه لا يستطيع أن يكون عبدالناصر آخر، يحرك الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج.
مع مرور الزمن، أدرك الرؤساء العرب ببراجماتيتهم السياسية أن دور البطولة القومية كُلفته عالية، وأكبر من طاقاتهم كأشخاص وقيادات، وكفوا عن اعتلاء المنابر والوقوف أمام الميكرفونات فى الميادين العامة لتحريك الشعوب ضد إسرائيل. تركوا ممارسة هذه الهواية المدمرة إلى زعماء ميليشيا محليين، يخوضون حروبا بالوكالة، ويدبرون عمليات اغتيال سياسية، ويهيجون ويحرضون عبر أبواق دعائية خاصة.
تساقط هؤلاء (معظمهم فلسطينيون) واحدا تلو الآخر فى عمليات انتقامية، وخلت منهم الساحة تماما بفعل ظروف إقليمية ودولية صارمة.
الوحيد الذى مازال يتقمص دور البطولة القومية، سماحة السيد.. يظن أنه تربع على أسطورته الخاصة، وأن عليه أن يمضى فى طريقه إلى النهاية. ليس داخل حدود وطنه: لبنان، بل داخل حدود أوطان أخرى مجاورة. يفعل ذلك فى دول مثل مصر والبحرين واليمن.
وللمفارقة، لا تمتد ممارساته البطولية إلى أراضى الحلفاء المحتلة، هناك فى الجولان أو فى جنوب لبنان. هو حتى لا يجرؤ خياله على أن يشطح فى التفكير لشن عمليات من على الحدود مع الأردن أو عن طريق البحر من ناحية سواحل لبنان.
لكن لماذا يختار نصرالله أماكن بعينها دون أخرى ليمارس منها فعل المقاومة؟
السياسة، ولا شىء غيرها هى ما تحركه, وليست المقاومة.. بالمفهوم السياسى، يظن نصرالله أن لديه فائض قوة خرج بها من حرب يوليو تموز 2006 على إسرائيل، تتيح له بعد تقييد حركته فى لبنان إلى الحد الدنى (الصفر) بموجب التفاهمات والقرارات الصادرة فى أعقاب الحرب الملزمة لسوريا وإيران وله هو شخصيا كقائد ميليشيا، أن يتمدد فى دول الجوار بدلا من حالة البطالة السياسية التى يعانى منها داخل مخبئه فى صور, وخوفا من أن تصدأ صورته الأسطورية فى الأذهان.
فائض انتصار نصرالله فى حرب تموز، لم يترجم حتى الآن إلى الانتقام من عملية اغتيال عماد مغنية فى فبراير 2008 فى العاصمة السورية دمشق رغم وعيد وتهديد نصرالله بالرد على العملية فى الزمان والمكان المناسبين.
استئساده على أى أحد غير إسرائيل يتبدى أكثر فى الداخل اللبنانى الهش، وعلى نحو ما جرى فى واقعة مطار بيروت ورفضه إزالة كاميرات المراقبة التى نصبها فيه وما أعقب ذلك من تأزم للموقف كاد يعيد شبح الحرب الأهلية إلى لبنان إثر اعتصام الآلاف من أتباعه فى أكبر ميادين بيروت لأشهر عدة.
أما فى اليمن، حيث تمرد الحوثيون فى صعدة, وبحسب تأكيدات الرئيس على عبد الله صالح فإن الحوثيين (وهم طائفة من الشيعة) حصلوا على دعم حزب الله فى مواجهة صراعهم مع النظام فى صنعاء: نقل خبرات فى صنع القنابل والألغام والذخائر، ونقل بعض عناصر الحوثيين للتدريب فى جنوب لبنان.
طالته الاتهامات كذلك مؤخرا بدعم شيعة البحرين ضد نظام الحكم هناك. ولم تُجد محاولاته نفى الاتهامات عن نفسه باستبدال عداوته لإسرائيل ببعض الأنظمة العربية.
هذا هو بيت القصيد فيما يجرى الآن، خاصة مع اعتراف نصرالله يوم الجمعة الماضية بأن الشبكة التى ألقت مصر القبض عليها وتجرى مع أفرادها التحقيقات الآن يتزعمها عضو حزب الله سامى شهاب..
نصرالله 2006 الذى لاقى تعاطفا فى الشارع العربى للصمود تحت القصف الإسرائيلى لأكثر من شهر غير نسخة نصرالله 2009 الذى رفض إطلاق طلقة واحدة على إسرائيل فى عدوانها على غزة، وعندما انطلقت قذيفة فلسطينية من جنوبه سارع بالتنصل منها، والآن هو يجرب مغامراته الصغيرة فى الدول العربية.
نصر الله 2009، مع شيعته فى أى مكان. وضد من يتخيل أنهم أعداؤهم فى كل مكان.