يزور حسن نصرالله ويرفض القطيعة مع إيران ويتخذ من «الجزيرة منبرا» ويساند صحف المعارضة والمدونين والقضاة.. وكل من تكرهه الحكومة!!

المعارضة الذكية.. على طريقة هيكل!

الخميس، 16 أبريل 2009 09:09 م
المعارضة الذكية.. على طريقة هيكل! محمد حسنين هيكل
كتب محمد الدسوقى رشدى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄بعد مطالبة الإنتربول بالقبض على حسن نصرالله.. انتظروا بلاغات رسمية وإعلامية تتهم هيكل بالخيانة وإفشاء أسرار الدولة لحزب الله

رجل بهذا التاريخ وتلك الكفاءة.. لماذا لا يكون على رأس المجاورين للسلطة ينصح ويصحح ويستشار فيجيب بما هو فى صالح الناس والوطن، ويستغل علاقاته الوطيدة والمتشعبة بكل ركن ساخن وحيوى فى العالم فى أن يصنع لمصر لوبى ضغط قويا تستخدمه أوقات اللزوم؟.. قطعا الإجابة ليست عندى، ولكن يمكنك أن تجدها عند الناس اللى فوق، أو ربما تعود لمنتصف التسيعنيات وتعيد قراءة رسالة الأستاذ محمد حسنين هيكل لنقابة الصحفيين أثناء أزمة قانون الصحافة الشهيرة وتتوقف عند السطر الذى اختتمه بعبارة « السلطة شاخت على مقاعدها»، لتحصل بعدها على منتصف الإجابة عن السؤال الخاص بتعمد وإصرار النظام المصرى تجاهل كاتب كبير بخبرة وذكاء وكفاءة محمد حسنين هيكل، بل تخصيص بعض من رجاله لشن حملات موسمية تهدف للنيل من شخصه وتاريخه ومكانته فى عقول الناس وقلوبها.

اختلف كما شئت مع هيكل أو اتفق، ولكن لا تنكر أن نظاما مثل النظام الذى يحكم مصر حاليا بكل عيوبه وأزماته كان أحوج ما يكون إلى رجل مثل هيكل, عاصر عبد الناصر والسادات وصادق نصف زعماء العالم، فى ظل عجز واضح فى العقول التى اختارها لتشور عليه فلم يحصد من شورتها سوى الخيبة والندامة والكثير من سخرية المواطنين وغضبهم.
إذن.. خسر النظام هيكل، ربما رغبة فى التجديد والتغيير، وهى الرغبة التى لم تعد تنتاب النظام أبدا، وربما لأن قسوة هيكل فى كشف الحقائق لا تتماشى مع السياسات الجديدة التى كانت تريد وقتها المزيد من النعم والحاضر.

خسارة النظام لصحفى وكاتب بقامة هيكل وإن بدت فى سنواتها الأولى غير مؤثرة، بسبب حالة التحييد التى وضع هيكل نفسه ضمن إطارها بالبعد عن مناقشة كل ماهو داخلى بشكل صريح وعلنى، كان من الواضح للقريب قبل البعيد أنها لن تستمر كثيرا بسبب بعض المناوشات التى كانت تأتى على مراحل مختلفة وأزمنة متباعدة، مثلما حدث فى عام 1995 ووقف هيكل فى معرض الكتاب ليكشف كذب النظام، مؤكدا أن نسبة النمو الاقتصادى فى مصر تتدنى ولا ترتفع، ويفضح حقيقة تمركز ثروة مصر فى أيدى 300 فرد مقربين من السلطة، ويشرح للحضور مدى التشوه الحاصل فى الممارسة السياسية داخل الحياة المصرية بناء على أرقام عدد المعتقلين واستراتيجية القتل والإعدام التى استخدمتها الدولة لمواجهة الإرهاب.

سكن هيكل بعد ذلك لفترة طويلة تعرض خلالها لحملات تشويه منظمة من صحف الحكومة ورجالها، ثم عاد من سكونه سنة 2004 حينما صرح فى حديثه مع «روبرت فيسك» فى صحيفة «الإندبندنت» البريطانية قائلا: (رئيسنا مبارك يعيش فى عالم خيالى فى شرم الشيخ دعونا نواجه الواقع. هذا الرجل لم يتكيف أبداً مع السياسة) وهى الكلمات التى فتحت النار على هيكل مجددا بشكل أكثر قسوة من ذى قبل، مما دفع خبرات الرجل أن تحركه ليتخذ لتحركاته ضد السلطة استراتيجية أخرى أكثر استفزازا وأكثر قوة، ولكنها أبعد ما تكون عن فهم أولئك الذين جندتهم الدولة لمحاربته كلما حاول أن يفتح فمه ليتكلم.

صحيح أن هناك فئة كبيرة تنظر لموقف هيكل وصمته على أنه نوع من التخاذل لا يجدر بشخص مثله أن يتخذه فى ظل الوضع الراهن للدولة، صحيح أن الكثيرين انتظروا من هيكل تحركات أكثر علنية ومباشرة فى مواجهة ما شهده البلد فى السنوات الخمس الماضية، وصحيح أيضا أن البعض اتهم هيكل بمهادنة السلطة ودعمها بصمته.. ولكن لحظة تأمل واحدة لتحركات هيكل فى الفترة الماضية يمكنك أن تكتشف بعدها أن ما يفعله قد يكون الأكثر استفزازا وكشفا للنظام وأخطائه من أفعال الآخرين، وفى الوقت نفسه يناسب تماما سنه ومكانته كمرجعية فكرية وصحفية وسياسية.

لقاء هيكل منذ أيام مع السيد حسن نصرالله الأمين العام فى بيروت لمدة خمس ساعات متواصلة، وفى الوقت الذى وصلت فيه موجة العداء بين النظام المصرى وحزب الله إلى الذروة، واحدة من هذه التحركات التى يتبعها هيكل مؤخرا، بشكل يوحى بتعمده مساندة كل ماهو ضد السلطة فى مصر أو كل ما يسبب لها صداعا ووجعا وحرجا، وبناء على تلك الزيارة انتظر حملة عشوائية ضد هيكل قد تصل إلى حد اتهامه بالخيانة ونقل أسرار مصر لصالح حزب الله، ولا تستبعد ذلك أبدا لأن ماهو أكثر سذاجة وكوميدية قد حدث صباح السبت الماضى حينما أسرع أحد المحامين محبى الشهرة وطالب الإنتربول بالقبض على حسن نصر الله؟!

الأمين العام لحزب الله كان ذكيا حينما ألح فى دعوته للقاء هيكل، الذى كان يزور بيروت لقضاء واجب عزاء، مستثمرا قامة الرجل ومكانته فى مصر، وهيكل كان أيضا ذكيا كعادته حينما قبل الدعوة وخرج من اللقاء ليعلن أنه تناقش مع نصرالله فى كل شىء، ثم خرج بعدها نصرالله على الهواء مباشرة ليوجه خطابا هادئا على غير عادته للإدارة المصرية، موضحا حقيقة التنظيم الذى تم القبض عليه بتهمة الترويج للشيعة وإنشاء منابر لحزب الله فى القاهرة، يمكنك أن تكون خبيثا وتسعى للربط بين حالة الهدوء التى انتابت خطاب نصرالله فى هذه المرة وزيارة هيكل التى سبقت الخطاب بيومين، رغم أن هيكل نفى أن يكون قد تطرق للحديث مع نصرالله حول تلك الأزمة، وهو نفى غير مقنع لأنه من الصعب جدا أن تصدق أن متعصبا أهلاويا لا يحب أبوتريكة.

دعم هيكل لنصر الله وحزب الله يتكرر كلما اشتد الهجوم على حزب الله فى مصر، وماحدث فى بيروت الأسبوع الماضى لم يكن المرة الأولى، ففى 2008 وفى عز الهجمة المصرية العربية على حزب الله وتحميله تبعات مايحدث فى لبنان من اضطرابات، خرجت تصريحات واثقة من هيكل أثناء لقائه بعدد من رجال نادى قضاة مصر وبعض الشخصيات العامة تقول: (أعتقد أننا ظلمنا ناسًا كثيرة فى العالم العربى، وظلمنا بشدة السيد حسن نصرالله ولا أعلم سر الهجوم عليه، فهو قد تصرف كلبنانى وليس كعميل، وحزب الله دخل معركة حياتية هائلة فى ظل جو من التوتر، ولولا كثيرون فى مقدمتهم حزب الله لتعرض الكيان اللبنانى للانهيار والانفلات)، وفى اللقاء نفسه حذر هيكل من المساس بحزب الله وسلاحه قائلا: (أعتقد أنها مسألة مهمة جداً أن يُحافظ على حزب الله، وأن مجلس الوزراء أخطأ بقراره الإعلان عن شبكة اتصالات حزب الله).

هذا اللقاء الذى جمع هيكل مع أعضاء تيار الاستقلال بنادى قضاة مصر كان فى حد ذاته أحد تحركات هيكل المناوئة للنظام، فلقد كان لقاء داعما لقضاة الاستقلال وموقفهم ضد السلطة، فى الوقت الذى كانت الدولة كلها تشن حملة ضارية على تيار الاستقلال متهمة إياه بتخريب منصة القضاء، ومن قبل ذلك اتخذ هيكل موقفا مؤيدا لشباب المدونات وحركات الإنترنت الاحتجاجية داعما نشاطهم، فى نفس زمن تعرضهم لهجمة شرسة من أجهزة الأمن وأجهزة الإعلام الرسمية.

استراتيجية هيكل الجديدة فى مواجهة النظام بصمت لم تتوقف عند هذا الحد، لأنها بدت واضحة جدا فى رعايته المستمرة للصحف المستقلة والمعارضة، بداية من استقباله المستمر لرؤساء تحرير الدستور والعربى والمصرى اليوم، وخصهم بمحاضراته ونصائحه ومخطوطاته النادرة وأخباره الممررة التى يشتعل مضمونها بكل ما هو كاشف ومستفز للنظام، ونهاية بتشجيع العديد من كبار الكتاب بالتعاون مع هذه الصحف، وتقديم الاستشارات اللازمة فى جميع الأوقات.

وإذا كان النظام ووسائل إعلامه قد اتخذوا قرارا شفويا رسميا بتجاهل هيكل وتاريخه، فإن هيكل قرر أن يرد هذه الصفعة بشكل أشد وأقوى حينما قرر أن يجعل من قناة «الجزيرة« منبرا لبرامجه وحواراته وتحليلاته، وهو على علم طبعا بما تشكله الجزيرة من رعب لكل ماهو حكومى مصرى، متحديا الأجهزة الرسمية والإعلانية التى جندت نفسها للهجوم على الجزيرة وتخوين كل مصرى يعمل بها.

وحينما علت موجة الهجوم على إيران، ولم يعد لصحف الدولة قبلة تشتمها وتسبها سوى طهران ورئيسها، خرج هيكل بشجاعة واتخذ موقفا مضادا ظهر جليا فى تصريحاته أثناء لقائه مع قضاة مصر، والذى قال فيه:( أنا لا أعرف لماذا ندخل فى عداء مع إيران؟ لا أجد سببًا لهذا على الإطلاق، إيران دولة مهمة جدًا فى المنطقة ولها مواقف فى قضايا مهمة جدًا، وبالرغم من أننى لا أقبل ولاية الفقيه، لكنى لا أتصور أن أنهى علاقتى بإيران بسبب ولاية الفقيه، أو أن يكون موقفنا متضامنًا مع إسرائيل ضد إيران! ومع هذا، إيران لا تزال بعيد جدًا عن امتلاك قنبلة نووية ولو استطاعت أن تصل خلال ثمانى أو عشر سنوات لتصنيع قنبلة يبقى حاجة عظيمة، وأنا لا أتصور أن أمن مصر يمكن أن تهدده قنبلة نووية ممكن أن تصنع فى إيران بعد عشر سنوات ولا تهدده 150 قنبلة موجودة فعليًا فى إسرائيل).

استراتيجية جديدة وهادئة اتبعها هيكل للرد على السلطة التى جندت لتشويه صورته جيوشا، وهى فى الوقت نفسه استراتيجية كاشفة لكل من اتهم هيكل بمهادنة النظام الحاكم، أو النوم فى أحضانه، كما أنها صورة واضحة ومبسطة تكشف مقدار ما خسرته السلطة حينما خسرت هيكل، الذى كان ربما يستطيع فى بضع رحلات مكوكية أن يلعب دور الوسيط، ويصلح كثيرا من الأوضاع بين النظام المصرى وهؤلاء الذين على خلاف معه، بداية من إيران وانتهاء بحسن نصرالله، بشكل يوفر علينا المعارك السخيفة التى نخوضها ونخسر فيها جهدا ووقتا، كانت عملية التنمية الداخلية أولى بهما.

لمعلوماتك...
1995 محاضرة لهيكل فى معرض الكتاب انتقد فيها النظام بشدة غير معتادة
1996 بداية بث قناة الجزيرة بميزانية تجاوزت 150 مليون ريال





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة