المصريون بطبيعتهم لا يميلون إلى العنف أو المخاطرة بمواجهات مع أجهزة الأمن تماما كالهنود.. فهل يمكنهم استنساخ تجربتهم؟

المصريون فى انتظار غاندى

الخميس، 16 أبريل 2009 09:09 م
المصريون فى انتظار غاندى
كتب أيمن أشرف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حقيقتان رئيستان تحكمان الشارع المصرى.. وتبقيان الوضع على ما هو عليه منذ فترة طويلة.. قوة الأمن وسيطرته الواسعة، وخوف الغالبية العظمى من الدولة.. خوف يجعلها تجبن تماما عن الفعل الإيجابى لتغيير ظروفها فى مواجهة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن سياسة الدولة..

وبين هاتين الحقيقتين ظاهرة جديدة هى جرأة بعض الشرائح من الشباب والمهنيين فى رفع مطالبهم من أجل التغيير، فى ظل إدراك الجهاز السياسى للدولة لأهمية رفع غطاء الإناء الذى يغلى فوق النار قليلا لتنفيس كمية من البخار فلا ينفجر.. ونجاح تلك التحركات مرهون بأحد اختيارين أو هما معا، الأول هو تحييد الأمن، أو تشجيع الجماهير الخائفة بحيث تنتصر على خوفها.. وأظن أن قيادات التحركات الاحتجاجية لا يتوفر لديها حتى الآن رؤية واضحة فى التقدم خطوة إلى الأمام فى أى من الاتجاهين، بالإضافة إلى أن التحرك المنظم نحو أى منهما له ثمنه ومتطلباته التى لم تتوفر بعد على ما يبدو.

مع الدعوة لتنظيم إضرابات سلمية فى مصر فى 6 أبريل 2008 ثم 4 مايو 2008 والاختلاف حول مدى النجاح والفشل فى التجربتين، ثم الدعوة لإضراب 6 أبريل 2009 والخلاف أيضا حول نجاحها أو فشلها، تطل روح المهاتما غاندى من ذاكرة التاريخ.

«الفعل الخلاق» فكرة بسيطة للغاية.. اكتشفها غاندى فى بداية القرن العشرين.. هى نقل ساحة المعركة إلى حيث تصبح قوة النظام القمعى صفرا على الشمال، وتصبح الممارسة السلبية لحق الاعتراض «فعلا» أقوى ألف مرة من التظاهر والخروج إلى الشوارع.

ولأن المصريين بطبيعتهم لا يميلون إلى العنف، والخوف والترويع الذى تغذيه السلطة القمعية وأداتها الأمنية فى نفوسهم منذ سنوات يجعلهم أكثر ميلا وقبولا إلى «فعل المقاومة السلبى»، يصبح شعار «خليك بالبيت» الذى رفعه شباب الإنترنت من قبل شعارا بسيطا وساحرا يلبى رغبتهم فى عدم المخاطرة بمواجهات مع أجهزة الأمن فى الشوارع قد تنتهى بالتعذيب أو التغييب أياما فى أحد أقسام الشرطة، وربما يلبى أيضا رغبة كثيرين ممن لا يعرفون معنى كلمة «إضراب» فى تجنب «مشاكل مجهولة» إذا هم نزلوا إلى الشارع فى يومه الموعود.

الداعون إلى الإضراب يطلقون دعواتهم فى «الفضاء الإلكترونى» وهم يجربون أداتهم السلمية البسيطة البعيدة عن يد الرقابة نسبيا، ولا يقدرون ردود أفعال الخصم، ولا يدركون بشكل جيد طبيعة «الشعب الذى يخاطبونه»، وربما أنهم على الأرجح- لم يقرأوا التاريخ الذى قد يعيد نفسه لكن فى صور متباينة، فالهند التى احتلتها بريطانيا العظمى فى منتصف القرن التاسع عشر ربما تشبه مصر فى بدايات القرن الحادى والعشرين، وقمع السلطة ربما لا يختلف كثيرا عن قمع المحتل البريطانى، الهنود فى ذلك الوقت -كما وصفهم «جواهر لال نهرو» رفيق غاندى-، حالهم كحال المصريين الآن، «مجتمع يائس محبط، شعب لا يملك قوت يومه»، إلى أن عاد غاندى من جنوب أفريقيا مسلحا بقراءات فلسفية متعمقة حول العمل الجماعى وكيفية الرد على عنف الخصم فى مجتمع لا طاقة له بتحمل ردود الأفعال العنيفة، وبعدما اكتشف غاندى أن الحوار مع المستعمر، لا فائدة منه، رفض أيضا استخدام العنف ضد قوى الاحتلال، وراح ينشر فكرة «ساتيا جراها» -الجمع بين الحقيقة (ساتيا) والحب (أجراها)- كمرادفين للقوة، ومن هذه الفكرة خرج بمبدأ المقاومة السلمية.

المسألة فى مصر أبسط بكثير مما كانت عليه الهند، النظام ليس قوة احتلال، لكنه قوة قمع تمنع المصريين من أن يعيشوا حياة كريمة، وليس المطلوب إسقاط نظام أو إزاحة شخص عن الحكم بقدر ما أن المطلوب هو تغيير أساليب عمل النظام، نزع مفهوم استخدام القوة المفرطة فى مواجهة المواطنين العزل، وفرض احترام آدمية الإنسان، وحقوقه الأساسية وصون كرامته، والحفاظ على أمنه، وإعادة بناء شخصية ملايين المصريين على حب بلدهم والانتماء إليه لا الكفر به.. والمقاومة السلمية ليست عجزا أو ضعفا، لأن «الامتناع عن العقاب لا يعتبر غفرانا إلا عندما تتوفر القدرة على العقاب» كما قال غاندى، وهى لا تعنى أيضا عدم اللجوء إلى العنف مطلقا حسب قوله «إننى قد ألجأ إلى العنف ألف مرة إذا كان البديل إخصاء عرق بشرى بأكمله».

بدأ غاندى بتحرير أبناء بلده من الخوف من القمع، أو الخوف على النفس ولقمة العيش والمصالح الذاتية.

كان غاندى واقعيًا يعرف قدر نفسه وتواضع قدرات شعبه مقارنة بإمكانيات الخصم، فلم يورطهم فيما لا يستطيعون عليه مثل الحرب الشعبية المسلحة، ولم يشأ أن يدغدغ عواطفه بشعارات براقة ووعود خيالية، ورغم دوره الرئيسى فى تحرير الهند لم ينصب نفسه زعيمًا لشعبه، وإنما ظل حريصًا على القول إنه مجرد واحد من ملايين الهنود البسطاء، ولا يختلف عنهم ولا يريد لنفسه شيئًا.

لمعلوماتك...
1869 فى أكتوبر ولد غاندى، ودرس القانون فى بريطانيا وعاد للهند، وسرعان ما غادر إلى جنوب أفريقيا إلى الهند ليواصل كفاحه حتى التحرير 1946






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة