مع الآخذ فى الاعتبار أن إسرائيل ليس بها يمين ويسار, فكلها يمين بالطبع، وأن تقسيم القوى السياسية فى إسرائيل، يخضع من وجهة نظرى إلى ذئاب وثعالب، بمعنى أن هناك قوى سياسية إسرائيلية مثل الليكود وإسرائيل بيتنا، وحزب شاس مع كل الاختلافات بينهم، تفضل سياسة القتل المباشر للعرب بدون لف أو دوران على طريقة الذئاب فى القوى الأخرى، فهى تفضل القتل أيضاً، ولكن على طريقة الثعالب، بمعنى اللف والدوران وعدم الإعلان عن النوايا، وبديهى أن النتيجة واحدة بالنسبة لنا، بل ربما كان أسلوب الذئاب هو الأفضل لنا، ذلك أنه لا يدع لنا مجالاً للوهم أو الجرى وراء السراب، بل يستفزوننا قوى المقاومة لأنه ليس هناك طريق آخر، ويقطع الطريق على المترددين أو المتآمرين عن وعى أو بدون وعى للحديث عن إمكانية العيش بسلام مع الإسرائيليين أو غيرها من الأراجيف المعروفة.
وهكذا فإن هذا التقسيم إذا طبقناه على الوزارة الإسرائيلية الجديدة بقيادة نتانياهو زعيم الليكود فإنها حكومة ذئاب بامتياز، وقد حاول نتانياهو أن يغطيها بورقة توت عن طريق إدخال حزب العمل الإسرائيلى إليها وإعطاء رئيس حزب العمل إيهود باراك حقيبة الدفاع، ولكنه فى الحقيقة جر حزب العمل إلى الذئاب.
ولم ينجح فى تغطية عودة الحكومة اليمينية بورقة حزب العمل، ولا ننسى أن باراك ذاته هو الذى قام بمذبحة غزة منذ شهرين فقط!! فيداه لاتزال تمطر دماء، وهو فى تاريخه كان مشهوراً بالإرهاب المباشر مثل عملية بيروت التى قتل فيها بنفسه ثلاثة من قادة منظمة التحرير عام 1973.
المسألة بسيطة لأننا أمام حكومة ذئاب واضحة والغاضب الإسرائيلى هو الذى أتجه إلى خيار الذئاب وهو نوع من التطور الطبيعى لمجتمع يقوم أصلاً على الإرهاب والعنف والاغتصاب، فهذا المجتمع لا يستطيع أن يظل لابساً قناع الثعالب مدة أطول.
وإذا كانت السياسة الخارجية لأى حكومة، هى العنوان الرئيسى لها، فنحن إذن أمام وزير خارجية إسرائيلى هو أفيجدور ليبرمان لا يخفى آراءه المستفزة، فهو من قبل قد أهان الرئيس المصرى، ولم يقبل أن يعتذر عنه الآن، وبصرف النظر عن تأييدنا أو عدم تأييدنا لسياسة الرئيس المصرى، فهو فى هذه الحالة رمز لمصر، ولا يمكن أن نقبل إهانة الرمز أو التجاوز عن هذه الإهانة، وإلا فإننا نفتح الباب بوضوح أمام المزيد من الاستهتار بنا، وهذا الليبرمان هدد يوماً بضرب السد العالى وإغراق مصر كلها بالمياه حتى الدور الرابع فى العاصمة القاهرة على حد قوله!!
وليبرمان الجديد لم يخف تطرفه ولا استفزازه، فهو دعا فى اليوم الأول لحكومة نتانياهو، إلى إلغاء مقررات أنابوليس!! وإلى ضرب غزة وإبادة حماس ـ وهو لا يستطيع بالطبع ـ بل إلى عدم الحديث بعد الآن حتى عن حل الدولتين، وإلى ترحيل عرب فلسطين 1948 إلى الأردن أو ما يتبقى من الضفة وغزة، وكذا دعا إلى المزيد من الاستيطان، وعندما قالت الإدارة الأمريكية إنها متمسكة بحل الدولتين ومقررات أنابوليس، كان الرد هذه المرة من وزير آخر من حزب شاس الذى قال إن أمريكا لا تستطيع أن تفرض إرادتها علينا ونحن لا نتلقى منها الأوامر، وإسرائيل ليست ولاية أمريكية، وبديهى أن من الصعب على الرئيس أوباما وإدارته فرض حل الدولتين على إسرائيل نظراً لتغييرات الداخل الأمريكى، ولأن حل الدولتين تقتضى تفكيك الجدار العازل، وإلا كان وهم الدولتين، فدولة فلسطينية متى تمتلك القدر الأدنى من إمكانية الاستمرار يجب أن تكون على كل الأراضى المحتلة عام 1967، وهذا يعنى تفكيك المستوطنات والانسحاب الكامل، وهو أمر لم يعد الرئيس الأردنى قادر على تحقيقه، المتاح هو مجرد معازل للفلسطينيين تحت اسم دولة!!
وهكذا فإننا أمام معضلة حقيقية، فوهم السلام قد تبدد والإدارة الأمريكية أعجز من أن تفعل شيئاً، ونيتانياهو يعرض نفس الآراء تقريباً التى يقول بها ليبرمان عن طرد عرب 1948، ورفض حل الدولتين والتمسك بالاستيطان وغيرها من الآراء.
ليس أمام العرب إلا أن يتحدوا، أو على الأقل يدعمون حماس والجهاد الفلسطينى لمواجهة إسرائيل، وأن يقوموا بإلغاء المبادرة العربية، أو يقولوا علناً نحن عاجزون عن فعل أى شئ وبالتالى فلن نكلف أنفسنا ما لا نطيق وننسحب من الموضوع بالكامل دون التورط فى الجرى وراء السراب، لعل جيلا آخر أو قوى أخرى تستطيع فى المستقبل الإمساك من جديد ببرنامج المبادرة فلا تقطع على هذا الجيل الطريق.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة