الصليب يغادر النهر قصة لعلاء أبو زيد

الأربعاء، 15 أبريل 2009 01:01 م
الصليب يغادر النهر قصة لعلاء أبو زيد قصة جديدة لعلاء أبو زيد
قصة قصيرة لعلاء أبوزيد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
1
ها أنت تعود رغم قرارك بألا تعود.
على محطة القطار كانوا فى انتظارك.. عانقوك بصدق وبقدر الفراغ الذى تركته عندما رحلت، انتبهوا لطفلك الذى يقف جوارك، قبلوه مجاملة لك ثم أخذوا يدققوا كثيرا فى وجهه.
تعرف أنهم كانوا يدققون فى ملامحه التى تشبهها والتى تركتها هناك وعدت حزينا دونها، أيامها الأخيرة لا تفارقك، روحها كانت تخفت أمامك يوما بعد يوم والعلاج لا يوقف الزحف الأبيض.

هى تعرف كم خسرت من أجلها، تعرف تعلقك بأرضك وتتذكر حكاياتك عن أن الأرض أنثى جميلة تحب من يحبها، ولا تنسى أنك كنت تتسلل ليلا والناس نيام لكى تجلس معها تكلمها وتسمع ردودها المتجاوبة. هى تعرف أيضا كم تحبك أسرتك وطموح عائلتك فى أن تتقدم صفوفهم للحفاظ على مجدهم.

ولأنك تركت أرضك وتخليت عن كل هؤلاء واخترتها، فليس أقل من أن تمتلئ عيونها بالاعتذار أمام عدم قدرتها على أن تصمد بل تتراجع.
فى آخر أيامها امتلأ وجهها بالنور وأخذ شكل القديسة التى كانت تحبها.

لم تستطع الاندماج معهم كما كنت من قبل، لا تفعل شيئا غير أن تحافظ على صلواتك فى مسجد القرية، وتدعو لها كل سجود ثم تذهب إلى حقلك فجرا مصطحبا طفلك حتى لا تتركه وحيدا.

قبل الغروب تجلس على حافة النهر مراقبا طفلك الذى بدأ فى إجادة السباحة عندما تأكدت من مهارته فى العوم توقفت عن مراقبته، كنت تتركه يعوم مع أصدقائه، ورغم ذلك لم تكن مطمئنا، لا تقوى على انتظار عودته داخل البيت كنت تنتظره فوق الجسر القريب.

2
اجتمعوا واتفقوا على أن امرأة جديدة تعيدك إليهم، عرضوا عليك الكثير وما أن تقترب من الموافقة تحت إلحاحهم حتى تتذكر وجهها المضىء فترفض.

3
تستيقظ القرية على صوت استغاثة خافته تأتى من بعيد، رائحة الدخان تحاصر الجميع، يتتبع المستيقظون اتجاه الرائحة والاستغاثة، تلاقت الأرجل اللاهثة عند نقطة واحدة.

كانت الكنيسة تحترق والنار تلتهم الصليب أعلى المنارة ذلك الصليب الذى يراه الجميع من أى مكان يتبع القرية. غادر المكان المحترق، اطمئن على طفله النائم، تذكر زوجته ونام.

4
على غير العادة استيقظ متأخرا، لم يجد ابنه، يعرف أنه يبدأ نهاره بأن يذهب هو وأصدقاؤه للاستحمام فى النهر.
كان يقول: لا تتأخر أخاف عليك لأنك تطمئن للنهر.
كان يجيبه: لا تخف.. عندما أخوض فى النهر ألتفت خلفى إذا رأيت صليب الكنيسة يبدأ فى الظهور أعرف أننى ابتعدت فأعود.

5
ها هو على حافة النهر وحيد وخلفه ملابس طفله وأصدقاءه تتناثر على عشب الشاطئ، يجمع ملابسه، يضمها إلى صدره، يعاود التأمل فى صفحة النهر، يراها نائمة تحمل وجه طفله ثم تأخذ فى الاختفاء حتى يستوى الماء تاركا تموجات صغيرة لامست قدمه على الشاطئ.

فوق حزنه ابتسم.. كان يعرف أنهما أصبحا معا من جديد.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة