أفهم أن يقرر مواطن مصرى التخلص من حياته بسبب أزمة مادية عنيفة، أدت به إلى اكتئاب حاد، سيتخذ قرار الانتحار فى لحظة، وسينفذه فى كسر من الثانية، ربما يلقى بنفسه من فوق كوبرى أكتوبر ليستقر فى قاع النيل، تتغذى على جثته الأسماك، أو تنتفخ الجثة لتطفو فيما بعد. ربما يقفز فجأة أمام مترو الأنفاق أو قطار يمزق جثته أشلاء صغيرة، ربما أراد المحافظة على جثته بعد موته، فيختار الموت شنقًا، ربما عاش حياته جبانًا، فيكتفى بتناول "سم فيران".
أيًّا كانت طريقة التخلص من حياته، فالشخص المنتحر، فى الغالب، معترف بتقصيره وفشله، يعلم أنه المتسبب الوحيد فيما وصل إليه حاله، ولذلك يختار الانسحاب دون أن يُحمِّل أحدًا مشاكله. ولكن فى حالة الشاب محمد عابدين، الأمر يختلف. محمد عاش فى محافظة البحر الأحمر، عمره 27 سنة، أسرته مكونة من 8 أفراد ليس لهم مصدر رزق ثابت، هداه تفكيره إلى شراء تاكسى من خلال قرض بنكى، واستعان بصديقه ليتناوب معه العمل على التاكسى، حتى يستطيع تسديد أقساط البنك، وتوفير عائد مادى معقول يكفى احتياجات أسرته. لم تمض شهور حتى حررت إدارة المرور مخالفة لصديقه، وقرر المحافظ وقف سيارته ثلاثة شهور.
محمد حاول مقابلة المحافظ لمدة ثلاثة أيام متتالية، كان يتخيل أن مقابلته فى الإمكان، تخيل أن المحافظ باعتباره مسئولا عن شعب محافظته، لن يرضى أن يكون سببا فى سجن شاب من رعيته، أو حتى قطع "عيشه" وتشريد أسرة من 8 أفراد لمجرد مخالفة مرور. ثلاثة أيام يحاول فيها محمد مقابلة المحافظ دون جدوى، يمنعه الأمن من الاقتراب من ديوان المحافظة ويتعدى عليه بالسب.
لا يستطيع محمد مقابلة محافظ محافظة لا يزيد عدد سكانها على 200 ألف مواطن (بالطبع لو كان من سكان القاهرة وأراد مقابلة المحافظ، لم يكن الأمر سيقتصر على السباب، بالتأكيد سيسارعون بحجز سرير باسمه فى مستشفى الأمراض النفسية والعقلية بالعباسية).
عندما تكرر الأمر نفسه فى اليوم الرابع، شعر محمد أن مقابلة ربه أسهل بكثير من مقابلة المحافظ، فقرر إنهاء حياته. استخدم آلة حادة شق بها بطنه فخرجت أمعاؤه تتدلى منها، وأبت روحه على الخروج، فاستخدم الآلة نفسها فى قطع شرايينه حتى لا تتأذى عينه بمنظر أمعائه المتدلية.
نهاية الخبر تقول إن سيارة الإسعاف تأخرت فى الوصول لنقله، وتصادف مرور نائب "الشعب" محمد عبد المقصود، فنقله بسيارته إلى المستشفى فى حالة سيئة. وتظاهر زملاؤه "أصحاب السيارات" أمام المستشفى، بعد أن تبرعوا له بالدم. عندما كنت أسمع عن شخص انتحر أو حاول الانتحار، على الفور ألعن الظروف التى دفعته إلى هذه "الفعلة"، والتى غالبًا ما تكون مجهولة بالنسبة لى، وأشعر تجاه بشفقة وحزن لا تتحملهما أعصابى. ولكن الأمر اختلف معى عندما قرأت خبر محاولة محمد للانتحار. تمنيت أن يبقى على قيد الحياة لأسافر إليه – فقط – لأسأله سؤالين، الأول: "ليه يا محمد مصبرتش كام يوم كمان لغاية ما تقابل السيد المحافظ (بالصدفة طبعا وهو خارج أو داخل)؟ الثانى: "ليه تفتح بطنك أنت يا محمد؟".