لا يرى أحمد ماهر وزير الخارجية السابق مانعاً من تولى صفوت الشريف الملف الليبى، أو أن تتولى الجهات الأمنية ملف الفصائل الفلسطينية وملفات أخرى، ويثير ضيقه تكرار السؤال حول "أين وزير الخارجية؟" ماهر صاحب الفترة الأقصر فى المنصب بين 117 وزير خارجية، يعتقد أن عمرو موسى هو الأكثر حباً للأضواء، وإجادة لصك التعبيرات، لكن سياسة مصر الخارجية لم تتغير لا قبل ولا بعد موسى، ويندم على عدم تدوين يومياته لأنها حرمته من كتابة مذكراته مثلما فعل بطرس غالى.
من المسئول عن رسم السياسة الخارجية لمصر؟
رئيس الجمهورية، والذى هو رئيس السلطة التنفيذية، وصاحب القرار الأول والأخير فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ولكن هل معنى هذا أن الرئيس يجلس لوحده فى غرفة مغلقة ويضع القرار؟
بالطبع لا.
هل تعنى أن وزير الخارجية يشارك الرئيس فى تحديد التوجهات الخارجية للدولة؟
هناك أجهزة متعددة تشارك فى صنع السياسة الخارجية، وهى بالإضافة لوزارة الخارجية تشمل أجهزة اقتصادية ومخابراتية وعسكرية وأمنية، فرئيس الجمهورية على اتصال مباشر بوزير الخارجية ووزير الخارجية على اتصال بوزير الدفاع ورؤساء الأجهزة الأمنية، وهكذا.
لماذا يختفى فى بعض الأحيان دور وزارة الخارجية أمام الأجهزة الأخرى؟
أولاً، أؤكد على أنه لا توجد دولة فى العالم تقول إن وزارة الخارجية هى التى ترسم السياسة الخارجية للبلد لوحدها، ولا حتى أمريكا، فالرئيس الأمريكى هو المسئول الأول عن الملف الخارجى، بالتعاون مع مجلس الأمن القومى، وفى فرنسا الرئيس ساركوزى هو الذى يحدد السياسة الخارجية بالاتفاق مع وزير الخارجية، أما فى مصر فنسمع كلاماً غريباً من نوع أن وزير الخارجية ليس له وجود "أنا أستغرب عندما أسمع هذا الكلام يتكرر".
ماذا لو تعارضت رؤية وزير الخارجية مع سياسة الدولة؟
فى هذه الحالة فإنه أمام اختيار من اثنين، إما أن يستقيل أو أن يلمس الرئيس هذا التعارض "فيقول له امشى"، وإما أن يتماشى مع سياسة الدولة.
هل تعرضت لمثل هذا الموقف من قبل خلال فترة توليك منصب وزير الخارجية؟ "مش هاقولك".
أنت عاصرت حالات اضطر فيها وزير الخارجية للاستقالة بسبب اختلافه مع سياسة الدولة؟
هذا صحيح، فإسماعيل فهمى ومحمد إبراهيم كامل، قدما استقالتهما لأن الرئيس السادات لم يأخذ برأيهما خلال محادثات السلام مع إسرائيل.
البعض يرى أن آراءك فيما يتعلق بأداء مصر الخارجى، ومواقف الدول من مصر صارت أكثر حدة بعد تركك لمنصبك؟
عندما تكون فى الوظيفة، تكون مقيداً بالكثير من القيود، "غير لما تبقى حر".
كيف؟
قيود الوظيفة تفرض عليك الارتباط بسياسة معينة، مثلاً "متقدرش تقول لا لأمريكا"، فأنا مثلاً "راجل قومى فعلاً، ومؤمن بالقومية العربية" لكن لم يكن بالإمكان مخالفة سياسة الدولة حين كنت فى الوزارة، والآن صرت أكتب وأتكلم بحرية، وفوجئت بالناس يقولون "ماكنش بيقول الكلام ده وهو فى الوزارة".
نعود إلى تحديد السياسة الخارجية للدولة، بعض الملفات الخارجية يتم إسنادها للأجهزة الأمنية، أو لرئيس مجلس الشورى، فهل هناك ملفات معينة أكبر من إمكانيات وزير الخارجية؟
نحن نخلط الأمور عندما نطرح أسئلة من نوع، لماذا تتولى الأجهزة الأمنية ملف المنظمات الفلسطينية؟ أو لماذا صفوت الشريف يتولى ملف العلاقات المصرية الليبية؟ لأن وزير الخارجية كان يصاحب صفوت الشريف فى جولاته وكان بينهما تفاهم كامل.
وهل هناك تفاهم كامل بين الخارجية والأجهزة الأمنية؟
وزير الخارجية ممكن يطلب معلومات من الأجهزة الأمنية فتمده بها، لكن ليس كل المعلومات، "كل حاجة لها طبيعة عملها"، أما الأجهزة الأمنية لو طلبت معلومة أو ملفاً معيناً يقدم لها فوراً.
وما الشعرة التى تفصل بين العمل المخابراتى والعمل الدبلوماسى؟
العمل الدبلوماسى علنى ونستطيع الكلام عنه بحرية، وجزء من عملنا تبادل المعلومات مع الأجهزة الأمنية، فكل معلومات الخارجية متاحة لها، لكن ليس العكس صحيحاً.
تعنى أن دور الخارجية يقف عند حدود معينة؟
ما ينبغى معرفته هو أننا جميعاً فى الدولة المصرية لا نعيش فى جزر منعزلة، ووزير الخارجية هو المؤسسة والكل بيخدم عليه، مثلاً هل وزير المالية يضع الميزانية العامة للدولة لوحده، طبعاً لا.
لماذا فشلت الخارجية فى مواجهة المحاولات القطرية سحب البساط من تحت الدور المصرى؟
من حق كل دولة أن تجتهد، وأنا لا أريد أن أتكلم عن دولة بعينها، المهم أن تكون الجهود متسقة، وتتم بطريقة لا تتناقض مع بعضها بعضاً.
هل تسمى التقارب الإيرانى السورى مثلاً اتساقاً فى الجهود؟
من حق أية دولة أن يكون لها وجهة نظر واتصالات معينة، ويجب ألا نخاف من ذلك، ما يزعجنا بالفعل هو التراشق والتلاسن بالألفاظ، أنا لا أشك فى نوايا أية دولة عربية، فمن حق أى دولة أن تساهم بوجهة نظرها فى القضايا الراهنة.
ما الحد الفاصل بين وجهة النظر، وبين خدمة مصالح دولة أخرى، كإيران مثلاً؟
أنا لا أتصور أن أى دولة عربية تعمل وفق أجندة غير عربية، نعم هناك أدوار مختلفة، وخطأ فى أسلوب التشاور العربى، وعدم تنسيق فى المواقف، وخلافات عربية كثيرة، لكن الدول العربية عندما تشعر أنها على خطأ تعود إلى التنسيق والعمل المشترك.
إذاً الإدارة السورية والمصرية تجمعهما أهداف مشتركة؟
فى مؤتمر بيروت وافقت سوريا على المبادرة العربية للسلام، ولم يقدر أحد على تغييرها، ومن حاول لم يستطع، والطريقة الأفضل هى أن نعمل جميعاً مع بعضنا بعضاً، وعندما نختلف فهناك جهاز اسمه الجامعة العربية، "أما طريقة أشتمك وتشتمنى" فتساعد على الانقسام العربى.
لكن هذا يحدث بالفعل؟
هناك قوى تريد تقسيم العالم العربى إلى ممانعة واعتدال، وهو أمر خطير، ولكن هذا لن يؤثر فى الدور المصرى، فسوف تظل مصر هى الأخت الكبرى وأى خلافات بينها وبين الأشقاء تنتهى ولا تستمر لفترة طويلة، وهذا موجود منذ فترة طويلة فى تاريخ العلاقات المصرية العربية.
ألا تعكس تصريحات الوزير أبو الغيط حين قال "لقد أفشلنا قمة الدوحة" لغة جافة لا تتسق مع دور الأخت الكبرى كما أشرت؟
فى عالم اليوم لا توجد دبلوماسية "الحرير" أو ما يسمى بالدبلوماسية "الناعمة"، ولذلك قد تجد أن هناك مواقف تتطلب الحدة واللغة الجافة للرد على التجاوزات أو التراشق من الجانب الآخر، والعرب فى الأصل "متعودين" أن يصلوا لحافة الهاوية فى لغة الخطاب، ثم بعد ذلك نراهم حول طاولة حوار واحدة، وهكذا.
هل تتوقع أن تكون هناك إمكانية للتوافق المصرى الإيرانى؟
من الممكن استكشاف مناطق الاتفاق ومناطق الاختلاف، وهذا يستدعى عدم حدوث صدام بين الطرفين أو قطع نهائى للعلاقات المصرية الإيرانية أو رفض لأسلوب الحوار.
عاصرت 6 وزراء خارجية وعملت معهم عن قرب ما هو تقييمك لهم؟
هناك فرق بالتأكيد بين شخصية الدكتور عصمت عبد المجيد مثلاً بهدوئه، وبين شخصية عمرو موسى، والأضواء الكبيرة، محمد إبراهيم كامل مثلاً كان شخصية لا تحب الظهور، ولكنه كان شعلة من الوطنية المتأججة، وكذلك الدكتور بطرس غالى رجل المهام الصعبة والدبلوماسية التقليدية، بينما كان إسماعيل فهمى شخصاً معتداً بنفسه جداً، ويجيد استخدام أساليب الدبلوماسية التقليدية والتعامل مع كل المسائل.
لماذا برأيك اكتسب عمرو موسى كل هذه الأضواء؟
عمرو موسى "بيحب الإعلام، والإعلام بيحبه"، وهو كان معتداً بنفسه، ويجيد صك التعبيرات والعبارات، خاصة التى فيها "لف ودوران" غير واضح.
موسى اكتسب شعبيته لأنه ظهر بصورة الأكثر حسماً مع إسرائيل؟
هذا يعود بنا إلى من يرسم السياسة الخارجية، فعمرو موسى مثلاً يجيد استخدام التعبيرات التى تجتذب الناس، وتعبر عن الموقف الحقيقى من إسرائيل.
الموقف الحقيقى تعنى به موقف الناس، أم الإدارة المصرية؟
السياسة المصرية لم تتغير لا قبل عمرو موسى ولا بعده، لكن "الدبلوماسية والتعامل مع إسرائيل شىء والموقف الحقيقى شىء تانى"، ولغة المناظرات "والكلام ده حاجة حلوة، لكنها ليست سياسة"، وهناك تعبيرات أكثر هدوءاً، وتعبيرات أكثر لمعاناً وهكذا، كل حسب طريقته.
ما حقيقة خلافاتك مع عمرو موسى؟
لا أحب أن أتكلم فى هذا الموضوع.
وما أسباب خلافاتك مع الدكتور عاطف عبيد؟
لن أخبرك بها.
متى يكتب الوزير أحمد ماهر مذكراته؟
ليست لدى نية لهذا الأمر، وقد فعلها الدكتور بطرس غالى، وكان يكتب مذكراته كل يوم، لكننى لست هذا الرجل، وهو كانت لديه وثائق، وأنا لا أحتفظ بأية وثائق.
لكن كتابة المذكرات لا تعتمد بالضرورة على الوثائق أو التدوين اليومى؟
ما أفكر فى عمله هو أن أكتب انطباعاتى فى موضوع معين، مثل العلاقات مع إسرائيل، وكنت أتمنى أن أكتب مذكراتى عن الفترة التى كنت خلالها سفيراً فى موسكو، وشهدت نهاية الاتحاد السوفيتى، لكننى ندمت لأننى لم أسجل يومياتى.
نعود إلى السياسة الخارجية، الدبلوماسية المصرية متهمة بأنها تابعة للدبلوماسية الأمريكية، ما حقيقة ذلك؟
بأمانة، هذا الكلام غير صحيح، فالعلاقات المصرية الأمريكية مهمة، وقد تعرضنا للهجوم من قبل الأمريكان بسبب مواقف معينة، ومصر تتعامل مع الولايات المتحدة باعتبارها أقوى قوة فى العالم ولكن بكرامة، ولم نسمح للمساعدات الأمريكية رغم أهميتها وحرصنا عليها، بأن تفرض علينا أن نكون تابعين للسياسة الأمريكية، وحتى أثناء العلاقات الوثيقة مع الاتحاد السوفيتى،لم نكن تابعين بأى شكل من الأشكال للسياسة السوفيتية.
وبماذا تفسر هذا النوع من الاتهامات التى عادة ما يتم ترديدها، خاصة فى أوقات الأزمات؟
الحقيقة فى ملف العلاقات المصرية، أننا نسبح فى مياه صعبة، صحيح أن هناك "ليناً" فى موضوعات "تافهة"، لكن خط الاستقلال الوطنى قائم.
قلت إننا تعرضنا للهجوم من أمريكا بسبب مواقف معينة، هل كانت تتعلق بالإصلاح الداخلى أم لأسباب خارجية؟
الاثنان معاً، وأهم نقاط الخلاف بيننا هى الانحياز الأمريكى لإسرائيل، وكذلك معارضة مصر لغزو العراق.
لكن "تومى فرانكس" الذى كان رئيساً للجيش الأمريكى، قال إن الرئيس المصرى أخبر الأمريكيين أن صدام مجنون ويجب التخلص منه؟
صدام مجنون "ممكن" لكن لم نقل اضربوه، وكان الموقف المصرى معلناً ضد غزو وتقسيم العراق.
أحمد ماهر: ملفات الخارجية فى يد أجهزة الأمن و أهم نقاط الخلاف مع أمريكا هى إسرائيل والعراق
الإثنين، 13 أبريل 2009 11:26 ص
أحمد ماهر وزير الخارجية السابق، ومحرر اليوم السابع "تصوير عصام الشامى"
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة