اعتبرت صحيفة الجارديان البريطانية، أن الشيخ على عبد الرازق صاحب كتاب "الإسلام أصول الحكم" أول عالم مسلم "علمانى". وقالت الصحيفة فى مقال كتبه فيصل الغازى، إنه بالنسبة للكثير من المسلمين، تظل "العلمانية" كلمة تحمل الكثير من المعانى التى تتساوى مع كل شىء، بدءاً من كونها نوعاً معتدلاً من "غرابة الأطوار"، وحتى كونها اتجاهاً غير طبيعى لا يحترم المقدسات. أحد الأسباب التى تقف وراء نظرة العالم الإسلامى المتشككة للعلمانية، هو أن هذا التيار ينظر إليه باعتباره دخيلاً من عالم الأفكار المسيحية اليهودية، وبعيداً عن إطار الشريعة الإسلامية ومن ثم يمثل تهديداً للإسلام نفسه.
ورأت الصحيفة أن أول عالم مسلم يدافع رسمياً عن العلمانية هو القاضى المصرى الشيخ على عبد الرازق (1888- 1966) فى كتابه أصول الحكم، الذى نشر عام 1952. فالجدل والأحداث التى ترتبت على نشر الكتاب مثلت قمة الجدل الذى شهده العالم الإسلامى حول الدين ودوره فى السياسة بين قوى الإصلاح والمفاهيم التقليدية.
ورصدت الجارديان ما تعرض له الكتاب وصاحبه قائلة، إن "أصول الحكم" تعرض لازدراء شديد من داخل مؤسسة الأزهر فى القاهرة، وكنوع من العقاب، واجه عبد الرازق مجلس كبار علماء الأزهر، الذى جرده من مؤهلاته وحرمه من حقه فى الممارسة العملية. وبعد يوم من حكم مجلس كبار علماء الأزهر، سأل أحد الصحفيين عبد الرازق أن يفسر النقاط الرئيسية فى كتابه، فأجاب.
فالنقاط الرئيسة فى الكتاب هى أن الإسلام لم يحدد نظاماً معيناً أو فرض على المسلمين نظاماً محدداً يجب أن يحكمهم. كما أن الإسلام منح أتباعه الحرية المطلقة لتنظيم الدولة وفقاً للظروف الفكرية والاجتماعية والاقتصادية التى تحيط بالمسلمين مع الأخذ فى الاعتبار التنمية الاجتماعية ومتطلبات العصر.
وكانت النقطة الأولى فى دعوة عبد الرازق، وكان محقاً تماماً فيها، هو التأكيد على أن المصدرين الأساسيين للشريعة الإسلامية هما القرآن الكريم والسنة النبوية، دون أن يذكر الخلافة أو أى شكل من أشكال الدولة التى نفهمها. فالسور القرآنية التى قال الفقهاء إنها دليل على شرعية الخلافة لا تفعل شيئاً من هذا القبيل فى حقيقة الأمر، فهناك سور تدعو المسلمين لطاعة الله الرسول وأولى الأمر، لكن معنى أولى الأمر يختلف فبعض العلماء اعتقدوا أنه يعنى صحابة النبى والعلماء الآخرين.
ومن الإنجازات غير العادية التى حققها عبد الرازق فى كتابه، كانت تفنيده مبدأ أن الخلافة قائمة على الإجماع، واختلف مع آراء العالم الإسلامى ابن خلدون التى أيدت الإجماع أو مبدأ الخلافة، وإن لم يكن العالم قد ذكر أن هذا هو الشكل الوحيد الممكن للدولة الإسلامية. وكان عبد الرازق يرى أن الخلافة قامت للضرورة السياسية وليس على الإجماع، ومن ثم أنكر قاعدتها الشرعية وفكرة أن الخلافة أساس العقيدة الإسلامية. كما أن المسلمين حسبما رأى عبد الرازق لم يكونوا أبداً فى موقف يسمح لهم بحرية الاختيار، وهو الأساس الذى ينبغى أن يقوم عليه الإجماع، بل على العكس، عانى المسلمون من الخلافات الديكتاتورية التى يمتلأ بها التاريخ الإسلامى.
ومن الجدير أن نتذكر أن الكتاب الذى انتقد الخلافة كان مشكلة كبيرة أمام الملك فؤاد عام 1925، مع الأخذ فى الاعتبار أنه فى هذا الوقت كانت هناك محاولات من جانب أعضاء النخبة الدينية لإعادة تأسيس الخلافة فى مصر بعد أن سقطت الدولة العثمانية فى تركيا، وكان الملك فؤاد يريد ان يصبح الخليفة ولم يكن سراً أن عبد الرازق كان على خلاف مع العائلة المالكة فى مصر.
ورغم أن المؤسسة التقليدية فى مصر لم تنجح أبداً فى إحياء الخلافة، إلا أنهم أسكتوا النقاش الحر والصادق الذى بدأه كتاب عبد الرازق. والخبر السار أن المسلمين الآن فى داخل بريطانيا وخارجها مستمرون فى الجدل الذى بدأه الشيخ مصطفى عبد الرازق منذ أكثر من ثمانين عاماً بعد فترة انقطاع طويلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة