قالت صحيفة الفايننشيال تايمز إن العالم يبدأ عهدا جديدا من الأسلحة النووية ينطوى على مجموعة من المخاطر، ففى نهاية الأسبوع الماضى دعا الرئيس الأمريكى باراك أوباما إلى التخلص من جميع الأسلحة النووية، الأمر الذى يعكس نظرة متطورة حول العالم بأن الوقت قد حان لإحياء ما كان يعتبر فى الماضى حلما وهميا.
لقد أصبحنا الآن على مسافات بعيدة من ترسانات الحرب الباردة الضخمة، فيما أصبح الأمريكيون والروس على وشك الشروع فى جولة جديدة من المحادثات التى قد تسفر عن خفض الترسانات إلى 1500 رأس نووية وربما أقل، ورغم هذا إلا أن التحرك نحو الرقم صفر أمر لا يخلو من المخاطر، فالمشكلة تتمثل فى غياب الهدف النهائى، وعما إذا كان يمكن التحقق من أن الأمر يتم بشكل سليم، ولكن ما هو جلى – تؤكد الصحيفة- أننا دخلنا فى الفترة الانتقالية للعهد الجديد بالفعل، وهذا العهد النووى الجديد ينطوى على قضايا ومخاطر مختلفة تماما عما كانت عليه فى الحرب الباردة.
ولقد طغى على العصر النووى القديم الترسانات النووية لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا اللتين تملكان عشرات الآلاف من الرؤوس النووية، والسعى إلى إكمال أسلحتهما الفتاكة، والبحث فى أشكال الدفاع والاعتماد على الردع، لذا فإن الثقة فى أن علاقات البلدين يمكن أن تستقر، يأتى من القدرة على التدمير المتبادل المؤكد، مع الحذر الناجم عن احتمال انتقام رهيب، حتى بعد ضربة أولى مفاجئة.
وتشير الصحيفة أنه من الناحية البيئية، فإن الخوف الأكبر هو أن العديد من الانفجارات النووية من شأنها إلقاء كميات كبيرة من السناج والدخان فى طبقة الستراتوسفير من الغلاف الجوى، مما يؤدى إلى شتاء نووى.
وتصف الصحيفة العصر النووى الجديد والذى سينطوى على المزيد من البلدان التى تمتلك ترسانات نووية ولكنها أصغر، ووفقا لما أكدته النظريات الاستراتيجية القديمة، أن مثل هذا الوضع هو أقل استقرارا من الحرب الباردة. وتخوض القوتان العظمتان مواجهة طويلة الأمد التى تفهم بأنها منطق الردع، فالترسانات الضخمة تشجع على الحذر، إذ لا يوجد شك فى العواقب الوخيمة التى يمكن أن تسببها تلك الترسانات، ولكن مع الترسانات الصغيرة قد يكون هناك اعتقاد بأن توجيه الضربة بذكاء قد يدمر وسائل العدو للانتقام، أو استخدام عدد قليل من الأسلحة، إلا أن آثار هذا الأمر رهيبة، ويمكن أن تكون جزءا من حرب، فنتيجة لانتشار الأسلحة النووية، هناك الآن دول نووية تتسم بانعدام الأمن المزمن.
لذا فلقد أبدى أوباما مخاوفه من أن تحصل القاعدة على الرؤوس النووية الحربية وتستخدمها ضد مركز السكان، كما أن الأمر يثير العديد من القضايا النووية الملحة، إذ تطرح الصحيفة عدة تساؤلات إزاء هذا الأمر: هل يمكن إغراء نظام كوريا الشمالية المناضل لاستخدام ترسانة صغيرة؟ وفيما تفكر إيران حول سعيها للحصول على ما يكفى من اليورانيوم العالى التخصيب لامتلاك عدد قليل من الأسلحة النووية؟ وما الذى تخطط إسرائيل لفعله إزاء ذلك؟ وهل تراكم التوتر بين الهند وباكستان سينتج تبادلات نووية؟ وهل يمكن أن يسفر الصراع داخل باكستان عن وقوع أسلحتها فى الأيادى الآثمة؟.
وترى الصحيفة أنه حتى لو نجحت الاستراتيجية المتوقعة حول تخفيض الأسلحة، فإن ترسانات الولايات المتحدة وروسيا، ستظلان أكبر بكثير من باقى الدول، ولكن الخلافات لن تكون كبيرة مثلما كانت عليه من قبل، وعموما فإن الولايات المتحدة هى أكثر قدرة على التعامل مع نهاية الحقبة النووية لما لها من قوة تقليدية، وهى لا تزال تحتفظ بحلفاء فى حلف شمال الأطلسى وفى منطقة آسيا، ممن يعتمدون على ضماناتها الأمنية، والتى قد تصبح فى حال عصبية، إذا ما شعرت بأنها تخسر حاشيتها أمام روسيا والصين.
وفى الوقت نفسه، فإن روسيا تصر على أنه مع توسيع حلف شمال الأطلسى والضعف النسبى لقواتها التقليدية، فإنها لديها احتياج متزايد لسلاح الردع النووى، ولكن مع انخفاض الأعداد فهل تصبح روسيا قوى نووية عادية؟ خاصة مع تزايد الشكوك حول مصداقية سلاح الردع لديها؟.
وهذه السيناريوهات ليست مواتية للوضع القائم، إذ أنها ينبغى أن تكون الهدف الأساسى لسياسة تهميش الأسلحة النووية، وترى الصحيفة أنه يصعب تحديد منفعة عدم انتشار الأسلحة النووية إذا كانت القوى الكبرى لا تبدى اهتماما فى مجال نزع السلاح، كما أن تخفيض الترسانات بشكل كبير ينبغى ألا يشكل تهديدات أمنية جديدة عندما يقترن الأمر بالتدابير الأخرى لتخفيف حدة التوتر والتصدى للصراعات.
ولم يذكر التاريخ علاقة طبيعية بين عدد أقل من الأسلحة وصنع السلام، وإذا كنا نهدف إلى الحصول على أعداد أقل من الأسلحة، فلا بد لنا من إيلاء المزيد من التفكير فى الآثار المترتبة على الانتقال من عالم تسيطر عليه قوتان كبيرتان من الترسانات النووية إلى واحدة، ولكنها توزع على نطاق أوسع فى حصص صغيرة. سيكون من الجيد الوصول إلى الصفر، ولكن قبل ذلك قد يكون هناك بعض لحظات القلق.
فاينشيال تايمز: العالم يعيش عهدا جديدا من التسلح النووى
الجمعة، 10 أبريل 2009 03:53 م
عهد جديد من التسلح النووى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة