العزب لجريدة الشروق: لماذا لا نكتب على قبور الموتى: «game over»؟

الجمعة، 10 أبريل 2009 07:53 م
العزب لجريدة الشروق: لماذا لا نكتب على قبور الموتى: «game over»؟ محمد صلاح العزب .. أحد مبدعى جيله
حوار - عزة حسين نقلا عن جريدة الشروق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«محمد صلاح العزب» أحد أبرز شباب الكتاب المصريين، بدأ الكتابة الإبداعية فى سن صغيرة جدا مقارنة بغيره من الكتاب، ولفت إليه الأنظار منذ أول أعماله، حيث لم يكن قد تجاوز بعد الحادية والعشرين من عمره عندما حاز جائزة «سعاد الصباح» فى الرواية عام 2002، ثم جائزة «الصدى» الإماراتية للمبدعين 2003، وقبلها وبعدها العديد من الجوائز المصرية.

كأغلب مبدعى جيله، جاءت بداية «العزب» قصصية بمجموعة «لونه أزرق بطريقة محزنة»، تلاها رواية «سرداب طويل يجبرك سقفه على الانحناء»، ثم رواية «وقوف متكرر» التى أعيد طبعها مؤخرا عن دار «الشروق»، وحققت مبيعات كبيرة استتبعها طبعة ثانية للرواية عن نفس الدار، فضلا عن طبعتها الأولى بميريت، ورواية «سرير الرجل الإيطالى» العام الفائت.

فى «وقوف متكرر» يقدم «العزب» قصة غاية فى البساطة والإنسانية، يمكن أن تكون لأى من الشباب المصريين، العاطلين، رواد المقاهى، أصحاب الخيبات المتكررة والأحلام المؤجلة، لكن على بساطتها يعيد «العزب» من خلالها اكتشاف الوجوه الأخرى للقاهرة، عبر تفكيكها زمنيا ومكانيا من خلال حياة شاب تتوزع مراحل عمره بين أحياء القاهرة، حاملا لكل منها ندبة أو قبلة أو حكاية، وحول روايته تلك كان لنا معه الحوار التالى:

الحرمان الجنسى، الفقر، البطالة، الانهيار الأخلاقى والاغتراب، كلها تيمات اشتغلت عليها فى "وقوف متكرر"، لكنها أبرزت تمتيناً للمكان بدقائق تفاصيله، وكأنها بالأساس رواية مكان...
المكان فى وقوف متكرر يلعب دورا مهما جدا، ويبدو كمحرك لكل شخوص العمل وأحداثه، فأسرة البطل تنتقل من شبرا الخيمة التى كان يحبها وله فيها ذكريات لا يستطيع أن ينساها إلى مدينة السلام، التى كانت مدينة جديدة وقتها وتفتقر إلى أى ملامح روحية يمكن أن يحبها البطل أو يتعايش معها، كما أن هذا الانتقال ألقى بظلاله على الأسرة كلها، لأنه لم يكن انتقالا اختياريا، بل شبه إجبارى، فعدم الانتقال معناه خسارة الأب لمبلغ "كبير"، والانتقال معناه خسارة الأسرة لتاريخها وذكرياتها، لكن يتم الانتقال بالفعل ليظل المكان هو مشكلة أبطال الرواية الحقيقية، وبتغيير المكان تتغير الظروف والحالات النفسية، ومن خلال الانتقال بين الأماكن، نلمح كل هذه المفردات التى ذكرتها.. والمكان يبدو واضحا فى الرواية بدءا من العنوان، والذى يصنع مع عناوين الفصول شبه خريطة لرحلة سريعة فى القاهرة لكنها ليست القاهرة المألوفة، بل كمدينة جديدة تشكلت فى سنوات قليلة ماضية، تحتاج إلى جهد كبير لرصد تغييرها فنيا، خاصة أنها تتغير بشكل مستمر، القاهرة التى تحولت إلى ما يشبه خرابة كبيرة فى وسطها مبنى سكنى مقسم إلى طوابق، لكل منها سماته التى تختلف فيما بينها اختلافا كبيرا وشاسعا، ولا يستطيع رصد الفروق بين هذه الطوابق أو الطبقات إلا من يتنقل بينها أو يتوغل فى كل منها، وهذا دور الروائيين.

طوال الرواية هناك خلط ما بين المقدس والمدنس، الشرعى وغير الشرعى، كتقاطع صوت الأذان مع لقاء المومسات، والحبيبة مع العشيقة، واللاتطهر مع الصلاة، ماذا قصدت بحشدك لتلك الثنائيات، وهل وراءها مغزى أخلاقى؟
المغزى الأخلاقى
لا شأن لى بموضوع الأخلاق هذا إطلاقا، هناك من يفهم فى أمر الأخلاق وطرق تعليمها للناس أكثر منى مثل رجال الدين والمصلحين الاجتماعيين وأساتذة الجامعة ومدرسات رياض الأطفال والآباء والأمهات ومذيعات القناة الثالثة، أما أنا فدورى مختلف تماما عنهن، أنا أقف فى صف الإنسان حين يكون متجردا من كل شىء إلا كونه إنسانا، وأنا شخصيا يمكننى التعاطف مع فكرة التخلى عن الدين أو الأخلاق أو العادات أو التقاليد، أما الرواية فليست مفصولة بأى حال عن شخصياتها ولا عن المكان الذى تدور فيه، وقوف متكرر ليست سوى شق طولى فى الجلباب المتسخ الذى يستر عورات القاهرة، يمكنك من خلاله التلصص على كل ما يدور فى الداخل من عشوائية وتناقض، أنا لم أخلق هذه المدينة المتناقضة، أنا فقط أكتب رواية عنها، فقط حاولت أن أكون صادقا وفنيا بعض الشىء، وأرجو أن أكون قد نجحت فى هذا.

أغلب القراءات المقدمة لروايتك وصفت شخوصها بمن فيهم البطل بالمهمشين، رغم أنهم تمثيلُ أمين لشريحة ضخمة من المجتمع المصرى، فهل قصدت تقديمهم كذلك؟ وما مفهومك عن كلمة مهمش التى لا يخلو منها تلقى أى عمل أدبى الآن؟
هذا سؤال جميل وراءه نظرة واعية وحقيقية، لأنه ينبهنا إلى ضرورة إعادة محاكمة مصطلحاتنا وأكلشيهاتنا التى نستخدمها دون الوقوف على معناها، وأنا أيضا أتعجب دائما من مصطلح "المهمشين" هذا، فأنت تجدين ناقدا أو مبدعا بشكل ما، يسكن فى حى عشوائى ويركب الأتوبيس ومرتبه لا يتجاوز 300 جنيه فى الشهر، ثم يقف فى ندوة أو يكتب فى جريدة محدودة الانتشار ويشيد أو يهاجم عملا ما لأنه يتناول المهمشين، وهو يتكلم عن المهمشين كأنهم كائنات فضائية أو أناس يعيشون فى بلد آخر، المصريون كلهم مهمشون بطريقة أو بأخرى، وهذا المصطلح غير دقيق وغير أمين أصلا، فحتى الطبقة العليا من المجتمع طبقة مهمشة من الطبقات الأدنى، وكل تجمع من 10 أفراد يهمش كل التجمعات الأخرى، وكل شريحة تتعامل وكأنها لا يوجد سواها، فالمهمشون إذن هم الشعب المصرى كله، ويمكننا التأكد من هذا بالنظر إلى موقع مصر السياسى والاقتصادى والاجتماعى من العالم، فكلنا مهمش يهمش فى مهمش فى منطقة مهمشة من عالم مهمش فى الكون الواسع.

بالرواية روحُ شبابية موضوعاً وفنيةً وتلقياً، لكنها لا تخلو من بعض الموتيفات النمطية كصورة السمسار، وصاحبة البيت المتربصة بالشاب (العازب)، والتفاعل مع فتيات الليل، وغيرها..
لم أسمع أن هناك مشكلة فى أن تحتوى رواية على سمسار أو صاحبة بيت أو فتيات ليل، السمسار عموما ليس شخصية نمطية فى الرواية العربية، بالعكس أنا أرى أن فكرة الوسيط العقارى خاصة فى المناطق شديدة الفقر هى فكرة شديدة الغنى ويمكن أن تخرج منها شخصيات فنية ثرية، أما صاحبة البيت فى وقوف متكرر فلم تتربص بالبطل على الإطلاق، وهى لا تظهر أصلا إلا فى مشهد واحد على امتداد الرواية، وأرى أن الوقوف أمام شخصية احتلت بضعة أسطر فى رواية كاملة هو نجاح تام لهذه الشخصية. وإذا جئنا لفتيات الليل، فإذا سلمنا بأن الحياة نفسها لا يمكن لها أن تسير أو تستقيم دونهن، فكيف بالروايات إذن؟
وأنا معك تماما فى الروح الشبابية فى الرواية، لكن هذه الروح من وجهة نظرى ليس سببها أن الأبطال ولا أن الكاتب ولا حتى المتلقى من الشباب، لكن لأن الشباب شباب الكتابة، وهذا ما حاولت الوصول إليه فى وقوف متكرر أن تكون الكتابة نفسها شابة عفية ممشوقة مثيرة وسيمة أنيقة، وأرى أن هذا التوقيت الذى يشهد عودة القراء إلى رشدهم مناسب تماما للكتاب للخروج بإبداعات تحمل هذه الصفات.


هناك حضورٌ كبير للمفارقات حتى فى أحلك المواضع، وابتسامة ساخرة تتخلل بياض الصفحات، ما يؤكد على فكرة اللعب عبر عالم افتراضى صاخب، يمكن أن يهدمه الراوى أية لحظة ليقول " game over"...
لابد أن نتفق فى البداية على نقطة مهمة جدا يمكن أن تفسر الكثير، أنا أنظر إلى كل الأشياء باعتبارها ألعابا طريفة، الحياة والموت والحب والجنس والفرح والحزن وحتى الألم والكتابة، وإذا كان الموضوع كله لعبة كبرى فلماذا لا نحاول نحن إجادة اللعب حتى يخرج العرض فى النهاية على أكمل وجه، من يلعب أفضل يحصل على متعة أكبر وتصفيق أكثر، ومن لا يفهم اللعبة يتعب نفسه ويتعب الآخرين.

ووقوف متكرر لا تختلف عن الحياة فى شىء، فالرواية تقوم على نفس اللعبة، ربما تطور فيها أو تحاول تغيير مسارها أو ترفض الاعتراف بترتيبها الزمنى، لكنها فى النهاية جزء من هذا الواقع، وأنا أرى أنه من المناسب جدا أن نكتب على قبور الموتى: game over.

رغم الواقعية الشديدة لكافة أحداث وتفاصيل الرواية، إلا أن اختتامها بسقوط لعبة مدلاة من يد الطفل الواقف بالنافذة، قد يوحى بوهمية القصة كلها، وكذا البناء السردى عبر الحوار الذى يستحضر كافة الأحداث المستقبلية المترتبة على ترك الولد لبيت أهله، أى كأنه تنبؤ بما سيكون مع إمكانية تفاديه.
ربما عبثيتها وليس وهميتها، لكن مشهد الطفل نفسه واقعى تماما، والمعانى المتولدة منه نابعة من فرط واقعيتها، ونحن كل دقيقة تقريبا نرى مشاهد مماثلة يمكن أن نأخذها باعتبارها رسائل يمكن من خلالها اكتشاف عبثية ما نفعله، لكننا نفضل إغماض أعيننا عن هذه الرسائل، وكل ما فعلته فى الرواية هو أننى أتيت بأشياء واقعية تماما ثم لعبت فى طريقة العرض وفى الترتيب، لكننى لم أخترع شيئا، ومن خلال هذا اللعب يمكن إيصال الفكرة التى أريدها.


يمكن للرواية أن تتقاطع مع السيرة الذاتية لأى شاب، هل قصدت ذلك؟ وهل للكاتب أن يحدد أو يستهدف قارئه؟
جزء من نجاح أى عمل إبداعى هو خلق أرضية مشتركة بينه وبين متلقيه، وطبيعة موضوع وقوف متكرر هى التى فرضت هذا التقاطع، الذى حقق تواصلا حميميا بينها وبين القراء خاصة من الشباب، وأنا لم أقصد طبعا فكرة مغازلة تجارب من يقرأ الرواية، لكننى كتبت عن هموما خاصة ببطل الرواية، وهى هموم يشترك فيها جيل كامل، لكن فكرة استهداف القارئ ليست فى ذهنى على الإطلاق، فأنا أكتب لمتعتى الشخصية فى البداية، لكننى فى الوقت نفسه لا أغفل حق القارئ فى أن يتواصل مع العمل ويستمتع به، فهذه شروط أساسية لا يمكن التنازل عنها، وأرى أيضا أن الكاتب لا ينبغى أن يتحول إلى برنامج ما يطلبه المستمعون، فيكتب الرائج أو حسب الموضة، ولابد للكتابة أن تسير فى إطارها الطبيعى، فيكتب الكاتب ما يريد مع مراعاة أساسيات التلقى، حتى لا يصبح كمن يؤذن فى معبد لليهود.

"البيست سيللر"، حفلات التوقيع، الجوائز الأدبية، وإعادة الطبعات، أشياء ارتبطت كثيراً باسمك وأعمالك، وربما كنت الأسبق إليها من بين كتاب جيلك، إلى أى مدى أثر ذلك على شكل كتابتك، ونوعها؟
الكتابة عندى مشروع حياة كامل، وكل ما ذكرتيه يسير فى إطار هذا المشروع، الذى أخلص له تماما وأشكل حياتى كلها وفقا له، أقف فى مكانى وأنظر إلى نقطة فى نهاية طريق بالغ الطول، وكلما اقتربت هذه النقطة سنتيمترا أدرك مدى صعوبة الطريق وفى الوقت نفسه أدرك عدم استحالته، ومن خلال المسافة التى قطعتها تعلمت درسا فى منتهى الأهمية، ألا أنظر خلفى أو حولى، وبالتالى فأنا لا أكتب لجائزة أو لمنافسة أحد أو لقائمة مبيعات، ربما فى البداية كنت أفرح بالنجاحات العابرة، لكننى اكتشفت فيما بعد أن الموضوع أكبر من هذا بكثير.

C.V. محمد صلاح العزب
الإصدارات:
1 – سرداب طويل يجبرك سقفه على الانحناء – رواية – طبعة أولى "دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع – الكويت – 2003"، وطبعة ثانية دار "هامش" - مصر – 2006.
2 – لونه أزرق بطريقة محزنة – قصص – "المجلس الأعلى للثقافة – مصر – 2003".
3 – وقوف متكرر- رواية – دار ميريت – مصر – طبعة أولى 2007
وطبعة ثانية دار الشروق 2008. وطبعة ثالثة دار الشروق 2009.
4- سرير الرجل الإيطالى – رواية – دار ميريت – مصر –
طبعة أولى يناير 2008.
وطبعة ثانية أبريل 2008


حاصل على الجوائز الأدبية التالية:
1 – جائزة سعاد الصباح فى الرواية – الكويت 2002.
2 – جائزة الصدى للمبدعين فى المجموعة القصصية – الإمارات – 2004.
3 – جائزة المجلس الأعلى للثقافة – مصر- فى القصة, مرتين: 1999 – 2004.
4 - جائزة المجلس الأعلى للثقافة – مصر- فى الرواية 2004.
5 - الجائزة المركزية للثقافة الجماهيرية فى المجموعة القصصية – مصر- 2003.
6 – جائزة نادى القصة فى الرواية – مصر - 2002.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة