فى 4 يناير 2003؛ نَشر لي"بريد الأهرام" رسالة تحت عنوان: "دولة الإنترنت!" استعرضتُ فيها تغلغل شبكة الإنترنت فى حياتنا، وأبديتُ خشيتى من أن تطالها العشوائية والفوضى التى نخرت فى الكثير من أوجه حياتنا؛ فتُحولها من نعمة كبيرة يسَّرها العلمُ لنا، إلى نقمة نلعن اليوم الذى عرفناها فيه. وختمتُ بهذا الدعاء: "اللهم أبعد عن شبكة الإنترنت عبث العابثين.. وارزقنا خيرها واصرف عنا شرَّها".
ومرت السنون، ووقع ما كنتُ أخشاه، وما سبق لى أن حذرتُ منه؛ فقد استشرى داء "الشتم الإلكتروني" عبر مواقع الإنترنت، وأصبحت الشتيمة عينى عينك؛ خاصة بعد أن تطورت تقنيات النشر الإلكترونى التفاعلي؛ فبات بالإمكان تعقيب أى شخص على ما يُنشر للكُـتَّاب والصحفيين عَبْر نسخ الصحف الإلكترونية؛ لنَرى ونُفاجأ ونُفجع ونَتأذى.. بتلك التعقيبات!!
وأحيانًا ما يدهشنا أن تكونَ تلك التعقيبات من "أهل الكار" أنفسهم!! أى لبعض السادة الزملاء من الكُـتَّاب والصحفيين الذين يمكن لهم أن يدخلوا بأسماء وألقاب مستعارة لتصفية حساباتهم مع الكاتب! أو تكون التعقيبات لبعض القرَّاء العاديين "اللى ما فيش على لسانهم غطا"!
وتتبارى تلك التعقيبات التفاعلية برديء القول وفاحشه؛ خاصة أن أصحابها يعرفون أنهم فى مأمن؛ حيث لا يمكن أن يتعرفَ عليهم أحد، أو تَطالهم جهة حساب.. ويحسبون ذلك شجاعة.. وما هى بشجاعة!! فالشجاعة أن تقولَ رأيك بلا تجريح، وأن تستمعَ لرأى غيرك بلا استخفاف، أو أن تصل لقمة الشجاعة.. فتصمت؛ وهذا توجيه نبوى كريم؛ فقد قال رسولنا الكريم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت». وكما قال حكيم: رحم الله امرءًا قال خيرًا فغنم، أو فسلم.هل تذكرون حملة الصحف منذ سنوات؛ احتجاجًا على الألفاظ البذيئة التى كان مشاهدو التليفزيون يسمعونها عند نقل المباريات على الهواء؛ بسبب قرب معلق المباراة من الجماهير؟
وتجاوبًا مع تلك الحملة؛ فقد تم تخصيص كشك معزول للمعلق حتى نتفادى تعليقات الجماهير بالاستاد. لكن آفتنا اليوم أن الصفحات الإلكترونية باتت فضاءً مفتوحًا لا تحده حدود، ويتم من خلالها تبادل كل الموبقات؛ بداية بالشتائم التى تلعن "سلسفيل" جدود الجدود، مرورًا بالاتهامات المتنوعة من: العمالة والخيانة، وأحيانًا التجريد من الملة والمواطَنة.. إلخ!! وهذا يُلقى عبئًا على الصحف والمواقع الإلكترونية؛ فهى مطالبة بألا تسمح بنشر ردود القراء التفاعلية من دون مرورها على القائمين على الموقع والصحيفة؛ حتى يتم تشذيبها، ونزع ما يخدش الحياء عنها، قبل نشرها على الملأ!
وحتى يتم ذلك؛ فنصيحتى لقراء الصحف فى نسخها الإلكترونية هي: ألا تنشغلوا بقراءة الردود والتعقيبات على المواد الصحفية؛ فذلك مضيعة للوقت؛ لأنها باتت ساحة للمهاترات والتقاذف.
وفى الختام أذكِّر هؤلاء المتفاعلين إلكترونيًّا بحديث النبى صلى الله عليه وسلم: « إن المؤمن ليس باللعان ولا الطعان ولا الفاحش ولا البذيء».
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة