صدر فى الرابع من مارس الجارى عن دار نشر Grasset أحدث الأعمال الأدبية باللغة الفرنسية للكاتب اللبنانى الشهير أمين معلوف بعنوان "اضطراب العالم". ومن خلال هذا العمل يسعى معلوف للإجابة عن التساؤل الآتى: "هل بلغت الإنسانية حافة الانهيار الأخلاقى؟"، محاولاً فهم كيف وصل العالم إلى هذه الدرجة من الخروج عن النظام، وما هى مظاهره، وكيف يمكنه معالجته.
ويتطرق الكتاب إلى الحالة التى وصل لها العالم فى السنوات الأولى من القرن الحادى والعشرين، حيث يعيش مظاهر من الاضطراب على مستويات متعددة، اضطراب ثقافى يتمثل فى التصادم الناتج عن رغبة الهويات المختلفة فى تأكيد ذاتها، مما يجعل من الصعوبة إيجاد أى تعايش متناغم فيما بينها، واضطراب اقتصادى ومالى يقود كوكب الأرض بأكمله إلى منطقة من الاضطرابات مجهولة العواقب، تمثل فى حد ذاتها مؤشراً لاختلال منظومة قيمنا، واضطراب مناخى يعود إلى ممارسات طويلة من عدم المسئولية تجاه كوكبنا.
ويرى معلوف أن مصدر هذا الاختلال لا يعود إلى ما يسمى "صدام الحضارات" بقدر ما يرجع إلى الوهن الذى أصاب جميع الحضارات بصورة متزامنة، ففى حين يبدو كل من العرب والغرب متماسكين من الناحية النظرية، إلا أن كلاً منهما يخون مثله الخاصة عندما يتعلق الأمر بتطبيقها فعلياً، إذ لم يعد العالم العربى الإسلامى، الذى يسجن نفسه داخل تاريخه، يمتلك الشرعية الوطنية التى كانت تمثل بنيته الأساسية فيما مضى، حيث كان العرب يجدون أنفسهم فى قادتهم، كما كان الحال عندما كانوا يلتفون حول عبد الناصر فى وقت من الأوقات. أما على مستوى الغرب، فهو غير وفى للقيم الخاصة به، مما يجرده من الثقة فى عيون الشعوب التى يدعى رغبته فى تعليمها ثقافة الديمقراطية.
وأشار معلوف فى حوار أجراه مع صحيفة لونوفال أوبسرفاتور الفرنسية حول كتابه الجديد، أنه ينتقد الحضارتين اللتين ينتمى إليهما، أولا العالم العربى الإسلامى الذى يمر بأزمة حادة تجعله غير قادر على الالتزام بسلوك أخلاقى متلاحم. ففى كثير من الدول العربية، نشاهد ممارسات تعسفية وعنصرية واضحة تجاه الأقليات العرقية والدينية، وبعض طبقات الشعب دون أن يثير هذا الموقف أدنى استنكار، اللهم إلا داخل حلقة ضيقة من الأشخاص المستنيرين، وفى حين كان من المنتظر أن يلعب الإيمان الدينى دوراً فى تهذيب الحس الأخلاقى، إلا أن ما حدث هو العكس.
ثم ذكر أن انتقاده للغرب يقع على مستوى آخر يتعلق "بالقيم" التى لا يكف الغرب عن التشدق بها، حتى ليظن المرء أنه يلتزم بالدفاع عن الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان. إنما هو فى معظم الأحيان يستخدم هذه الكلمات بطريقة انتقائية، أى عندما يحلو له، فهو يشهرها كسلاح فى وجه أعدائه ثم يخفيها بعناية عند التعامل مع حلفائه ومن يحميهم. من هذا المنطلق يذهب معلوف إلى أن المصداقية الأخلاقية فى هذا الزمن باتت عملة نادرة، يفقدها الغرب كلما مر الوقت، فى حين لا يمتلك باقى العالم منها الكثير.
وقد كتبت مجلة الإكسبرس الفرنسية عن هذا الكتاب، أن غضب الرجل الصادق يكون عادة مرعباً، أما غضب أمين معلوف فيستهدف الجميع، عربى أو غربى، مركسى أو ليبرالى، مؤمن أو غير مؤمن. فهو يستنكر بين صفحات هذا العمل الإهدار الرهيب لذكاء البشرية أجمع. أمين معلوف هو مسيحى، إنما يريد الدفاع عن المسلمين، وشرقى إنما يضع دائماً أمله فى أوروبا، ولبنانى إنما يهاجم الطائفية، وناقد إنما لا يكف عن تأكيد ثقته وإيمانه فى الإنسان.
ويعد هذا العمل نوعاً من كشف حساب للإنسانية، يدفعنا إلى ضرورة التفكير فى فحص ذاتنا. وعلى الرغم من كونه يثير القلق، إلا أنه يحمل فى النهاية نبرة تفاؤل، فقد تقودنا هذه المرحلة من الاضطرابات التى نمر بها إلى تكوين رؤية ناضجة فى نهاية الأمر فيما يتعلق بانتمائتنا ومعتقادتنا واختلافاتنا، وأخيراً بمصير كوكب الأرض الذى هو مصيرنا المشترك جميعاً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة