نصوص خرافية عند الإمام البخارى أخطرها التى تظهر فى صورة حديث نبوى

الجمعة، 06 مارس 2009 01:38 ص
 نصوص خرافية عند الإمام البخارى أخطرها التى تظهر فى صورة حديث نبوى
كتب إسلام بحيرى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ثلاثة وعشرون عاما بين مكة والمدينة، والإسلام يحاول استئصال الخرافة والأسطورة الراسخة فى العقول، ليؤسس لثقافة جديدة تتخذ العقل منهجا والتفكير المنطقى ديدنا, وبعد أربعة عشر قرنا من ظهور الإسلام أصبحت الخرافات تُستنبط من ذات الدين الذى كان دأبه محاربتها عند ظهوره, وذلك من خلال نصوص كاذبة التحقت بالدين على حين غفلة من أهله, وبالطبع كونت هذه النصوص الخرافية وشروحها شبكة متماسكة الأطراف، بحيث أصبحت من الرسوخ فى الوعى المسلم بمكان لا يجعل من نقضها أو نقدها شيئا يسيرا.

ومن أكثر هذه الخرافات جنوحا هى التى تظهر فى صورة حديث نبوى يكتسب صحته الكاذبة من قبوعه بين جنبات كتاب البخارى أو مسلم. ومن هذا الدرب أخرج البخارى فى «باب إذا وكل رجلا فترك الوكيل شيئا فأجازه الموكل فهو جائز وإن أقرضه إلى أجل مسمى جاز»: «وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الهَيْثَمِ أَبُوعَمْروٍ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ محَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: وَكَّلَنى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ فَأَتَانى آتٍ فَجَعَلَ يحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ وَقُلْتُ وَاللهِ لأَرْفَعَنَّكَ إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنى محْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ وَلى حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ قَالَ فَخَلَّيْتُ عَنْهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ النَّبىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ البَارِحَةَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ قَالَ أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ سَيَعُودُ فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ يحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دَعْنى فَإِنى محْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ لا أَعُودُ، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ قَالَ أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ فَجَاءَ يحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلى رَسُولِ اللهِ وَهَذَا آخِرُ ثَلاثِ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ لا تَعُودُ ثمَّ تَعُودُ قَالَ دَعْنى أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بهَا قُلْتُ مَا هُوَ قَالَ إِذَا أَوَيْتَ إِلى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِىِّ اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الحَىُّ القَيُّومُ حَتى تَخْتِمَ الآيَةَ فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ وَلا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتى تُصْبحَ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ البَارِحَةَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنى كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنى اللهُ بهَا فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ قَالَ مَا هِىَ قُلْتُ قَالَ لى إِذَا أَوَيْتَ إِلى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِىِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتى تَخْتِمَ الآيَةَ اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ، وَقَالَ لى لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ وَلا يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتى تُصْبحَ وَكَانُواْ أَحْرَصَ شَىءٍ عَلَى الخَيْرِ فَقَالَ النَّبىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لا، قَالَ ذَاكَ شَيْطَانٌ» (2311).

وهذا الحديث أو ما سمى حديثا- يحمل من الخرافة والفساد ما لا يمكن تصوره, لذا فإننا سنخطو مع الحديث برفق -على طوله- لبيان عواره وعلله سندا ومتنا -نصا- قبل أن نستقر على نتيجته الخرافية: أولا: فساد النص فى ذاته دون نتائجه: يقول النص: «قَالَ وَكَّلَنى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ», والحقيقة أنى لا أعلم شيئا فى الإسلام اسمه «زكاة رمضان» فما هى هذه الزكاة, فليس فى دين الله إلا «زكاة الفطر» أما رمضان فليس له زكاة, كما أن الرواية حسب منطوقها وقعت فى ثلاث ليال من رمضان وزكاة الفطر إنما هى حالة الأداء دون جمع سابق لها, فما هى تلك الزكاة التى كُلف «أبا هريرة بحراستها», وقد زعم شارحو البخارى أن المقصود إنما هى صدقة رمضان, وهذا زعم باطل لا يصح فلو كانت صدقة ما جاز لصحابى أن يسميها زكاة, كما أنه لو كانت صدقة من طعام لكانت واجبة العطاء للرجل الفقير والمحتاج الذى جاء يأخذ منها, فلماذا يمنع «أبوهريرة» المحتاج منها وهى واجبة فى حقه ليقتات هو وأهله منها فى رمضان فالنص يقول: «وَاللهِ لأَرْفَعَنَّكَ إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنى محْتَاجٌ وَعَلَىَّ عِيَالٌ وَلى حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ قَالَ فَخَلَّيْتُ عَنْه», وهذا ما يجعل المدافعون عن الحديث فى ضيق من أمرهم, فلو كانت صدقة لقلنا إن الصحابى أخطأ فى التسمية أولا وفى منع العطاء ثانيا, فكما بينا، الرجل محتاج وعنده عيال فلماذا يمنع من إعطائه صدقة رمضان, ولو كانت زكاة لكان ذلك ممتنعا باطلا لعدم وجود شىء فى الدين اسمه «زكاة رمضان», أما لو زعموا أنها كانت «زكاة الفطر» فلا نعرف سُنَّة ولا عملا جاء بأنها تجمع فى خلال الشهر، كما لا نعلم لماذا لم تسم باسمها فى الحديث, كما أن الرواية وحسب سياقها الزمانى كانت فى رمضان, وأن الرجل جاء ليسرق من بعد العشاء لا محالة, حيث يقول النص فى كل مرة من الثلاثة: «فَأَصْبَحْتُ», فاليقين هنا إذن أن الرجل جاء يطلب أو يسرق- طعاما للسحور الواجب فى رمضان, فلو افترضنا أن المقصود بزكاة رمضان هنا هى زكاة الفطر -وهذا فاسد المعنى والدليل- فلماذا يحرم الرجل من صدقة واجبة حالَّة فى حقه وذلك لزكاة مؤجلة حتى الفطر, وهذا ما لم يأت على ذكره القوم من شارحى البخارى صيانة له من الخوض فى تفاصيل تبين ضعف وتهالك متن -نص- الحديث.

أما العلة الثانية القادحة فى النص قوله: «فَأَتَانى آتٍ فَجَعَلَ يحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ وَقُلْتُ وَاللهِ لأَرْفَعَنَّكَ إِلى رَسُولِ اللهِ», وهذا القول إنما هو توصيف واضح لجريمة سرقة كاملة الأركان, فأين إقامة حد السرقة على الرجل, وكيف ترك «أبوهريرة» الرجل السارق وخلى سبيله, وهل من حق الصحابى التنازل عن حد من حدود الله, وقد أكد المصطفى مرارا على إقامته ولو على أقرب الناس إليه, فهل من الشرع تنازل الصحابى من عند نفسه عن حق الله وحق المجتمع, وقد كانت تلك الواقعة على أقل تقدير فى السنة الثامنة من الهجرة النبوية, لأن «أبا هريرة» أسلم فى نهاية السنة السابعة, وهو ما يؤكد استقرار العمل بحد السرقة فى المدينة منذ زمان طويل, والغريب ادعاؤهم أن النبى أقر «أبا هريرة» على تنازله عن حد الله, ولو زعم زاعم أن الرجل لم يسرق لقلنا إن هذا كذب لأن منطوق الحديث يدل على السرقة التامة, كما أن «ابن حجر» وهو الشارح الأكبر للبخارى قال نصا: «فلما شكا السارق لأبى هريرة» فتح البارى (4/600), وهو إقرار من «ابن حجر» بالفهم الطبيعى للحادثة أنها واقعة سرقة, فلو قال مقدسو البخارى هى ليست سرقة قلنا إن هذا كذب, بل هى سرقة كما بينا, ولو قالوا هى سرقة ولكنه تركه وعفا عنه، لقلنا هذا أيضا كذب لأن الحد واقع فى السرقة لا محالة, حيث إن الحاجة والفقر ليس مبررا للسرقة وإلا كان ذلك نصا صريحا لتبرئة كل محتاج يسرق, ولو قالوا بأنه لم يسرق إلا من حقه فى الصدقة أو الزكاة، لكان ذلك كذبا على كذب فلو كان ذلك حقه فلماذا مُنِع منه, وهو ما يوضح ببيان، اهتراء النص وضعفه الواضح.

ولو ترخصنا وصدقنا أن «أبا هريرة« خلى سبيله فى المرة الأولى تصديقا له وترك حدا من حدود الله, فما بال تكرار القصة مرتين بعدها, فكيف خلى سبيله بعد إخبار النبى لأبى هريرة صراحة أنه كذاب بقول النص: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ», فكيف تركه وصدق دعواه المكررة أن له حاجة وعنده عيال وقد أخبره رسول الله أنه كذاب, فإخلاء سبيله للمرة الثانية هو خطأ مزدوج من الصحابى بتنازله للمرة الثانية عن حد الله فى السرقة وعدم الاعتبار بإخبار النبى عن كذب الرجل السارق, والغريب أن «أبا هريرة»- وحسب النص- يقول لما قال له النبى إنه سيعود ثانية: «فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ إِنَّهُ سَيَعُودُ «فلماذا تأكد «أبوهريرة» من عودة الرجل لأن النبى أخبره بذلك, ولم يتأكد أن الرجل كذاب وذلك لإخبار النبى له بذلك أيضا فتركه للمرة الثانية بل الثالثة مصدقا له وتاركا قول رسول الله, وهذا فساد فى متن نص الحديث لم أر له مثيلا.

ثم نصل لقول النص إن تخلية سبيل الرجل السارق فى المرة الثالثة كانت مقابل أن يعلمه كلمات ينفعه بها الله: «قَالَ دَعْنى أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بهَا قُلْتُ مَا هُوَ قَالَ إِذَا أَوَيْتَ إِلى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِىِّ اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الحَىُّ القَيُّومُ حَتى تَخْتِمَ الآيَةَ فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ وَلا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتى تُصْبحَ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ», وهذا كلام فاسد لا يقبل, فهل ينتظر الصحابى أن يتعلم من سارق ما هى فضائل آيات القرآن والرسول الكريم بين ظهرانيهم يعلمهم ويوجههم, وكيف لم يسند الصحابى القول ويسأله من أنبأك بهذا, وإذا تركنا كل ذلك وغضننا الطرف عنه فإن السؤال الأهم ما هى علاقة إخبار الرجل السارق للصحابى بكلمات ينفعه بها الله وأن يتركه الصحابى ويخلى سبيله ويتنازل عن حق الله وهو سارق مُصرُّ على السرقة للمرة الثالثة, فهل هذا تشريع لتخلية سبيل السارقين المُصرِّين على السرقة مقابل بضع كلمات, والأعجب أن الكذب يصل مداه من الادعاء بأن النبى أقر ذلك الفعل، وهى خرافة كافية فى حد ذاتها لرد الرواية بالكلية.

أما الطامة الكبرى فإفصاح النص عن إقرار النبى لهذه الكلمات التى علمها السارق -الذى سيتضح فى النهاية أنه شيطان- للصحابى, وذلك بقوله: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ» ثم يفصح النص عن المفاجأة: «تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لا قَالَ ذَاكَ شَيْطَانٌ», وهذا ما يدخلنا فى إشكاليات لا حصر لها, أولها أن الرسول أقر السارق على قول قاله فى الدين لم يعلمه رسول الله فلو كان يعلمه لكان أولى بقوله من السارق -أو من الشيطان-, وثانيها أن الشيطان هو الذى يعلم المسلمين القرآن وفضائله، بل يقره النبى على ذلك, وثالثهما أن الشيطان يحفظ القرآن جيدا، ويعرف بدايات الآيات ونهايتها بدقة, وغير هذا من الخرافات التى لا يقبلها عقل ولا شرع, والغريب أن مقدسى الخرافات وشارحيها قد أكدوا أن فى ذلك فائدة مهمة من الحديث وهى أن الكافر يؤخذ منه الحق, وقد قاسوا الكافر بالشيطان وهو قياس فاسد باطل لا داعى لشرح عواره, بل الشيطان لا يعلمنا الإسلام ولا يقره النبى على علمه, ولنذكر جيدا أننا ترخصنا مع هذه الخرافة التى تدعى أن الشيطان يتصور بالإنسان ويكلمه فقط لتبيين العلل الفاسدة فى النص وإلا فإن هذا الادعاء بأن الشياطين تتمثل كبشر هو علة فى ذاته نرد بها هذا الحديث كلية, والحقيقة أن الذهول والعجب يتملكنا, كيف أخرج البخارى هذه الخرافات؟ وكيف لم يردها عليه كل الشراح والنقاد؟ بل كيف دافعوا ونافحوا عن ضلالاتها؟ بل إننا نستطيع أن نستبين فحش الكذب فى الرواية من خلال استقراء بسيط لمكانة «آية الكرسى« منذ نزلت فى أوائل الهجرة للمدينة، وذلك بأحاديث صحيحة علمها للمسلمين سيد الخلق المنزل عليه القرآن.

وأخيرا فقد أبى من دس هذه الخرافة أن يختمها إلا بعلة قادحة فى الحديث, فباستقراء الحديث نجد أن به إدراج -كلام من الرواة- ليس من أصله, وهناك اضطراب ظاهر شديد فيه, فيقول النص: «وَكَانُواْ أَحْرَصَ شَىْءٍ عَلَى الخَيْرِ», فالمفترض هنا أن يقول الصحابى «وكنا أحرص الناس» ولا يقول «وكانوا», وهو ما أشار له «ابن حجر» على استحياء فى «فتح البارى» ولم يعقب على هذا الإدراج الظاهر إلا بقول هامس لم يتوقف فيه, وذلك من التكلف الشديد فى الدفاع عن هذا الحديث الواهى الذى أخرجه البخارى.

أما بالنظر للتكلف الشديد والمغالاة التى تكبدها «ابن حجر» للدفاع عن هذا الحديث الخرافى فسنقف على أهم نقاطه لتبيين نهج الأوائل فى الدفاع عن البخارى ولو كان الحديث ضعيفا باليقين, فقد تكلف «ابن حجر» فى تحميل الحديث ما لا يحتمل ومضمنا فى طياته دفاعا مستميتا عن قبول النص ولو خالف الشرع والعقل فيقول: «وأن من أقيم فى حفظ شىء سمى وكيلا, وأن الجن يأكلون من طعام الإنس, وأنهم يظهرون للإنس... وأنهم يسرقون ويخدعون... وفيه أن السارق لا يقطع فى المجاعة, ويحتمل أن يكون القدر المسروق لم يبلغ النصاب, وفيه قبول العذر والستر على من يُظَن فيه الصدق».

فتح البارى (4/603). وهذا بعض ما تكلفه «ابن حجر» فى الدفاع عن الحديث, وبتفنيد كلام «ابن حجر« نجده يزعم أن من أقيم على حفظ شىء سمى وكيلا, وهذا كلام غريب فهل أصبحت ترجمة البخارى لاسم الباب الذى أخرج فيه الحديث من ضمن فوائد الحديث النبوى ومتى حدث ذلك وكيف؟ فالحديث نصا لم يقل بأى حال أن من أقيم على حفظ شىء يسمى وكيلا بل ذلك من فهم البخارى فقط, هذه الأولى, أما الثانية فقوله إن الجن يأكلون من طعام الإنس, وهذا أيضا غريب فمن أين جاء «ابن حجر» بخرافة مثل هذه، فلو كانت من الحديث فمن قال إن الشيطان -بفرض حدوث هذه الخرافة- كان يسرق ليأكل بالفعل فهذا كلام بعيد عن الفهم تماما، فنص الحديث يقول بالسرقة ولم يقل بأكل السارق من السرقة, أما الثالثة فنجده يقول إن الشيطان يظهر للإنس وإنه يستطيع السرقة, وهذا كلام سنؤجل الرد عليه للنقطة التالية بتوسع حيث نعد قوله هذا هو أساس نقدنا للحديث, والرابعة يقول فيها «ابن حجر» إن السارق لا تقطع يده فى المجاعة, ولا أعلم أى مجاعة يتكلم عنها «ابن حجر», فلو كانت مجاعة عامة فاشية فى الناس فلم نعلم عن مجاعة حدثت فى زمان رسول الله, ولو كان «ابن حجر» يقصد أن احتياج شخص واحد من شدة الفقر يسمى مجاعة فهو قول باطل لا يصح وصفا ولا لغة ولا حقيقة لأن الفقراء وُجدوا فى زمان رسول الله وكل زمن وليس يقيم ضعفهم إلا الزكاة الواجبة وصدقات الفروض, ولو قلنا إن الاحتياج والفقر مع وجود مصارف الزكاة مبرر للسرقة لضاع الدين والمجتمع على سواء, فمن أين جاء «ابن حجر» بقوله إنها مجاعة؟ ومن أين جاء بأنها مسقطة لحد السرقة؟ فهذا خيال لا علاقة له بالنص, ثم يستمر «ابن حجر» فى محاولة تبرير العلة القادحة فى النص من عدم إقامة حد السرقة على السارق, فبعد أن ادعى أنها مجاعة وهو قول باطل, قال إنه لعل المسروق لم يبلغ النصاب لإقامة الحد وهذا قول باطل أيضا, لأن نص الحديث يقول: «فَجَعَلَ يحْثُو مِنَ الطَّعَامِ» والجملة تبين أن الأخذ كان كثيرا من الطعام, فهل من المعقول القول إن النصاب لم يبلغ الحد مع صراحة القول فى الحديث, ثم نصل لمقالته الأخيرة بزعمه جواز قبول العذر والستر ممن يُظن فيه الصدق, ولا أعلم أى صدق الذى يتكلم عنه «ابن حجر« فالرجل السارق بنص الحديث وحسب إخبار النبى هو كذاب عاود السرقة والكذب ثلاث مرات, فلم يجد «ابن حجر» مبررا لعدم انصياع الصحابى لإخبار النبى بكذب الرجل ومن ثَم تخلية سبيله ثلاث مرات إلا أن يقول «ابن حجر» إنه ظن فيه الصدق, أى ظن هذا بعد قول النبى الصريح؟ فهذه محاولات «ابن حجر» قصدنا إيرادها لبيان منهجية القوم فى الالتفاف حول النصوص للدفاع عن البخارى فى كل موضع وحين.

ثانيا: فساد النص فى النتيجة المترتبة عليه: أما النتيجة المترتبة على النص فهى التى أجلنا حولها البيان لتفنيدها، ففى نهاية النص تأتى المفاجأة الخرافية أن الذى سرق الزكاة لثلاث ليال هو «شيطان» من الجن, نعم شيطان يتمثل بصورة إنسان ويمشى فى طرقات المدينة, هكذا أصبح الدين الذى جاء يحارب الخرافات والأوهام والأكاذيب التى كان يرددها العرب قبل مبعث النبى, أصبح هو الدين الذى يبث من خلال النصوص المكذوبة والمنسوبة للنبى الخرافات ذاتها بل إنها أدهى وأمر من التى كان يبثها العرب فى الجاهلية, ولو تناسينا كل العلل السابق ذكرها فى الحديث وفقط اخترنا القول أن الرجل السارق اتضح أنه شيطان لكفى بذلك علة قادحة مفسدة للحديث, وذلك لمعارضة هذه الخرافة لنص صريح فى كتاب الله فقد قال سبحانه وتعالى: «يَا بَنِى آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ» الأعراف 27.

فكيف نقبل حديثا أخرجه البخارى, وهو يخالف نصا بالغ الصراحة والوضوح فى قطعية واستحالة رؤية الإنس للشيطان ونسله, وكعادة أهل التراث التف شراح الحديث حول الآية التى أنزلها رب العالمين وما ذلك إلا مخافة تضعيف حديث عند البخارى, فقال ابن حجر: «وأن قوله تعالى: «إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ» مخصوص بما إذا كان على صورته التى خلق عليها» هدى السارى (4/603), وهذا تبرير مغال شديد التكلف يلتف حول الآية, فالآية لم تستثن من عدم رؤية الإنس للشياطين أى استثناء فوق الأصل الذى أصلت, فهى مطلقة كأصل عام لم يقيد بنص, فكيف تساهل «ابن حجر» هكذا فى الاستثناء من كتاب الله بلا دليل من الشرع مع صراحة نصه, وكيف نتأول النص الصريح بلا قرينة تدعونا للتأويل والاستثناء من النص, لذا فإن الحديث باطل مناقض ومخالف لصريح النص القرآنى ولو زعموا خلاف ذلك.

أما من الناحية التطبيقية فإن هذه الخرافة التى أخرجها البخارى ونافح عنها الشارحون أن الشياطين تتصور بصورة البشر وأنها تستطيع السرقة, فذلك وبخلاف كونه فاحش الكذب على الله ورسوله إلا أن تخيل حدوثه إنما يؤدى لمفسدة فى المجتمع لا آخر لها, ولسرق من سرق وأحال سرقاته على الشياطين, ولم لا؟ فليس ببعيد ما حدث منذ سنوات حينما رُفعت أمام القضاء فى إحدى دول الخليج قضية من مواطن يتهم فيها شيطانا بمضايقته وسرقته, والغريب أن القاضى قبل الدعوى ولم يرفضها حينما وقف المتخلفون أمامه يحتجون بهذه الخرافة التى أخرجها البخارى, وسبحان الله فهكذا أصبحت الخرافة خرافة شرعية, أما لو قلنا بأن الشيطان يتمثل بشكل بشر لفتحنا الباب على مصراعيه لمرضى الهلاوس السمعية والبصرية, ولم لا؟ وقد قال شيخ الوهابيين الأثير «ابن تيمية» إن أحدهم تمثل به وهو فى سجنه وكان يقابل الناس ويقول لهم إنه «ابن تيمية» مجمع الفتاوى (13/89), فهل هناك كذب وخرافة أكبر من ذلك.

وسبحان الله هكذا أصبحت الخرافات جزءا من الدين وأصبحت العقلانية خروجا عليه. سند الحديث: أما سند الحديث فهو سند منقطع, حيث أخرج البخارى الحديث معلقا-وقد أسهبنا فى شرح الحديث المعلق وصوره فى مقالنا «قصة مقتل النبى بالسم باطلة» - وخلاصته أن الحديث المعلق هو الذى أسقط البخارى واحدا أو أكثر من مبتدأ سنده, لذا نجد البخارى يبدأه بقوله «قال فلان» وليس «حدثنا» وهو ما يعنى عدم سماع البخارى للحديث من الراوى, وهذا هو حال هذا الحديث فقد أخرجه البخارى معلقا بقوله:« وقال عثمان», وهو ما يؤكد انقطاع السند كما قال «ابن العربى» فى ذلك الحديث رغم أن «عثمان بن الهيثم« أحد شيوخ البخارى القدامى, ولكن قوله «قال» تعنى عدم سماع البخارى منه إلا بواسطة أو بغيرها من الطرائق التى لا مقام للإسهاب فيها, حيث إن تعليق البخارى للحديث لانقطاع سنده هو ما يكفى لإثبات أنه حديث ضعيف, ولا يزعمن زاعم أن صيغة «قال» عند البخارى هى صيغة جزم بصحة الحديث كما يقول المحدثون القدامى, فهذا الجزم هو جزم البخارى بالسماع وهو يخصه وليس جزما بصحة الحديث, وبخلاف كل هذا وكما نؤكد دوما أنه حتى لو كان الإسناد سليم الاتصال فإن سلامة الإسناد لا تعنى بالضرورة سلامة وصحة الحديث, فيكفى لرد الحديث مخالفة نصه لصريح القرآن ولو صح له ألف سند.

أما رواة الحديث فيكفى للتأكد من ضعفه بالكلية أن نعرف أن «عثمان بن الهيثم» راو ضعيف عند أهل الجرح والتعديل, وهو راويه الوحيد, فقد جاء فيه فى «تهذيب التهذيب»: «عثمان بن الهيثم، أبوعمرو البصرى, قال الساجى: صدوق، ذكر عند أحمد بن حنبل فأومأ إلى أنه ليس بثبت« (7/158), «وقال الدارقطنى: صدوق، كثير الخطأ». وأخيرا: فإن فالخرافة التى أصبح يعانى منها الوعى المسلم هى خرافة مركبة, فالخرافة الأولى أن نترك معنى كهذا ينتشر فى العقل المسلم أن الشيطان يتمثل بالبشر وللبشر, أما الخرافة الثانية أن لا نصدق أن ذلك خرافة وكذب على دين الله كما هو حال الكثير من المسلمين الآن, حيث أصبح التصديق على كل ما أخرجه البخارى ولو كان كما بينا ضعيفا سندا ومتنا ومخالفا لصريح القرآن هو دين فى حد ذاته, حتى إنى لأخشى أن نرى يوما مقدسى البخارى ومنزيهينه عن الخطأ يقولون بعد قراءة حديث من كتابه «صدق البخارى العظيم».





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة