فؤاد السعيد

قنبلة الحسين «البدائية» قد تبعث استراتيجية «تجفيف منابع الإرهاب» من جديد

الجمعة، 06 مارس 2009 12:39 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
على العكس من التحليلات السياسية الجامحة التى سارعت قبل ظهور أى نتائج للتحقيقات إلى ربط تفجير الحسين الأخير بتفسيرات بعيدة مثل ربطها بقوى إقليمية مثل حماس وإيران، وهى احتمالات واردة نظريا، فإن ثمة احتمالات أكثر قربا كأن يكون المنفذين عناصر إسلامية جهادية أفرادا أو مجموعات صغيرة غير مقتنعة بالمراجعات التى أجرتها الجماعات الجهادية الكبرى فى مصر، دون أن يعنى ذلك بالضرورة أن الفاعلين ينتمون لتلك الجماعات، حيث الأسلوب مختلف بشكل جذرى وكذلك مستوى التخطيط والتنفيذ، فالأرجح أنها قد تكون مجموعات شبابية جديدة يائسة ساخطة على المجتمع والدولة ومتأثرة بفكرة الجهاد فى عمومها، خاصة أن ثمة معلومات تحوم حول هذا التفسير، فمنذ أسبوعين قررت نيابة أمن الدولة حبس 5 أشخاص بتهمة تكوين خلية جهادية، وجار التحقيق معهم، كما تم اعتقال 21 من الجماعات بسبب معلومات ثبت أنها مغلوطة منذ أكثر من شهر.

ولا يبدو هذا الاحتمال بعيدا عما ركزت عليه بعض المصادر الأمنية خلال الأيام الأخيرة حيث رجحت أن يكون المنفذ أو المنفذون للتفجير امتدادا للمجموعة التى سبق أن نفذت تفجيرات الأزهر الأولى عام 2005، فطريقة تصنيع العبوتين الناسفتين متشابهة، كما أن منطقة التنفيذ واحدة أيضا، بل إن التفجير الأخير بدا كأنه وصول متأخر إلى المكان النموذجى المستهدف الذى عجز حسن بشندى عن الوصول إليه فى تفجير 2005 حين انفجرت فيه العبوة خطأ على مسافة تتراوح بين 200 و 300 متر من الموقع الاستراتيجى المطلوب فى قلب المشهد الحسينى، وتصل هذه الفرضية إلى ذروة احتماليتها على ضوء المعلومات حول وجود 22 متهما هاربا لم يتم القبض عليهم حتى الآن منذ حوادث 2005 وفقا لتصريحات مصدر أمنى لصحيفة الشروق ( 24/2/2009).

أيا كانت حقيقة الأمر وهو ما قد تكشف عنه الأيام القادمة، فإن أهمية الانفجار الأخير على هشاشته وبدائيته قد يساعد فى إعادة صياغة طريقة فهمنا لذلك الحدث النوعى وذاك النمط الجديد من الإرهاب الذى شهدته مصر منذ تفجير حسن بشندى فى الأزهر وما أعقبه من تفجيرات عائلية متصلة به فى 2005، حينها سادت بين العديد من الخبراء رؤية تبسيطية للحدث الذى وصف بأنه «إرهاب الأطفال الغلابة» مقارنة بإرهاب القاعدة أو الجماعات الإرهابية المصرية الكبيرة كالجماعة الإسلامية أو جماعة الجهاد، وبالتالى تم تشخيصها على أنها مجرد حوادث فردية عابرة لا تشكل ظاهرة يخشى من تكرارها مستقبلا، ولذلك بدت أحداث 2005 ساذجة وغير مقلقة بالمقارنة مع عمليات منظمة وضخمة وصلت إلى حد اقتحام مديرية الأمن فى أسيوط وقتل وذبح أكثر من ثلاثين فردا. ولكن هذه النظرة تتغافل عن أن طابع البساطة والسذاجة فى هذا النمط المحلى الجديد من الإرهاب المصرى هو فى حد ذاته مصدر خطورته، فبدائية العبوة ومحلية تصنيعها بما فى ذلك تفريغ بمب الأطفال وقلة خبرة مصممها وصانعها، كل هذا يترجم عمليا إلى ميزات نسبية لهذا النوع من الإرهاب تجعله أكثر إثارة للقلق، إذ يعنى ما سبق أن مواد التصنيع متوفرة ويمكن الحصول عليها بسهولة، وأن تركيبها أمر متاح على الإنترنت وهو قبل ذلك بسيط ولا يحتاج إلى خبرة خاصة أو معامل مجهزة، كما أن سذاجة التخطيط وعشوائية التنفيذ تعنى خلو العملية من أى طابع مميز يمكن معه الاستدلال على التنظيم الفاعل، وكون الفاعل هو مجرد مجموعات صغيرة منعزلة وليس تنظيما، يعنى عمليا صعوبة الاستدلال على مجموعة انطلاقا من مجموعة أخرى، على العكس من تنظيم مترابط يؤدى الإمساك بطرفه إلى الوصول لنهايته مهما كان كبيرا.. فهل نحن بصدد نمط من الإرهاب «غير المتوازى» على الطريقة المصرية؟

وبالتالى، وعلى العكس من التوقعات، فهذه المجموعات الصغيرة غير المنظمة مرشحة للاستمرار ومعاودة الظهور بين الحين والآخر لتفاجئ الرأى العام بعملية تفجيرية فى ميدان أو فندق، كنتيجة طبيعية لغياب المسار أو المصب الطبيعى السابق للعناصر الشبابية الميالة للفكر الجهادى، أى الانخراط فى واحد من التنظيمات الكبرى التى كانت موجودة واختفت، دون أن يواكب ذلك تجفيف مواز للمنابع الاجتماعية المولدة للشباب اليائس الغاضب، وهو الهدف السياسى الذى كان المجتمع والدولة فى مصر قد توافقا عليه بوضوح فى التسعينيات ولكن صادفه الفشل وعدم التوفيق على الأرض وتوارى تدريجيا حتى الآن، وبالتالى فنحن لسنا بصدد تقصير محدود من قبل الأمن، بل بصدد فشل سياسى شامل للسياسة وللسياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والدينية وليس أقل من ذلك، خاصة إذا ما لاحظنا أن الإرهاب العشوائى هو مجرد مظهر واحد فقط من حالة اجتماعية عامة من اليأس والغضب بداية من تصاعد أشكال العنف الاجتماعى الفردى والجماعى وانتهاء بالطابع العنيف والصدامى للتظاهرات والاعتصامات الفئوية والسياسية التى يفترض أن تكون فعاليات مدنية سلمية والتى وصلت إلى درجات عالية من العنف الجماعى المدمر فى بعض الحالات، كما حدث فى المحلة الكبرى وغيرها، يتعلق الأمر إذن بقرارات سياسية صعبة على النخبة السياسية الحاكمة ووضعها على رأس أولويات المجتمع، فهناك استحقاقات اجتماعية وأخرى سياسية وثالثة ثقافية ينبغى دفعها للخروج من هذا النفق الاجتماعى السياسى المظلم.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، هل اتخذت الحكومة قرارا سياسيا واضحا بإعطاء الأولوية للتعامل مع العشوائيات بشكل جذرى، كعزبة عثمان بمنطقة شبرا الخيمة التى جاء منها حسن بشندى ورفاقه جميعا دون استثناء؟.. هل الحكومة على استعداد لتدبير التكلفة الاقتصادية العالية لهذه العملية التنموية ذات الطابع الاستراتيجى؟.. وهل ثمة خطة لدى الحكومة لتوعية الطبقة القادرة فى المجتمع بأن الأمور وصلت إلى درجة مقلقة من الخطورة السياسية وأنه على هذه الطبقة أن تكون جاهزة لدفع الضريبة الاجتماعية اللازمة لذلك وأن تتنازل قليلا عن بعض امتيازاتها الاقتصادية؟.. هل هناك توازن مقبول بين معدل سرعة الإنجاز التنموى ومعدل تصاعد الغضب الاجتماعى وتفجره؟ ولماذا لايصل جزء عادل -وضرورى- من ثمار التنمية إلى الطبقات التى تعد بمثابة المصدر لتلك الظواهر السلبية ؟ ألا يعطى ذلك مؤشرا على افتقاد النخبة الحاكمة والطبقة العليا فى المجتمع لرؤية ناضجة لمصالح الوطن و لمصالحها فى ذات الوقت؟

لمعلوماتك...
75% من المصريين يرون أن هناك علاقه بين العنف والغلاء حسب دراسة بجامعة القاهرة





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة