الدعوة لإضراب سلمى - فى رأيى – لا تكون دعوة دورية، فلا يمكن أن نحدد يوما معينا للإضراب، فى الشهر مثلا أو فى السنة، فهذا يتعارض مع تعريف وثقافة الإضراب، فلابد أن تتوفر عوامل رئيسية للدعوة لإضراب عام ناجح، يتحقق الهدف من ورائه، مثلما حدث فى 6 أبريل الماضى، فالبنية الأساسية لنجاح الإضراب كانت متوفرة، وهى حالة الاحتقان والغضب العامة تجاه الارتفاع الحاد فى الأسعار الذى لا يوازيه أى ارتفاع فى الدخل، وبالتالى ظهور عدة أزمات عانى منها شعب مصر باختلاف طبقاته، كأزمة رغيف العيش مثلا.
أدت هذه العوامل إلى توحد فى الشعور بالغضب لدى أغلبية الشعب المصرى، وأعتقد أن هذه البنية الأساسية التى توفرت داخل نفوس الشعب المصرى هى العامل الرئيسى فى نجاح الإضراب، وهى العامل الرئيسى الذى يجب الاعتماد عليه للدعوة لأى إضراب آخر.
وأيضا كان هناك توحد فى الأهداف والمطالب، فالمطلب الذى اجتمع عليه الشعب المصرى كان إما انخفاض الأسعار أو زيادة الدخل بما يستوعب الزيادة الحادة فى الأسعار، وهو ما حدث أيضا فى كثير من الإضرابات الأخرى الناجحة كإضراب الصيادلة والذى أراه من أنجح الإضرابات فى الفترة الراهنة، فقد توحد جميع الصيادلة فى حالة غضب من فرض ضرائب عليهم بأثر رجعى، وكان المطلب الرئيسى الذى اتفق عليه الصيادلة هو إلغاء الضرائب المستحقة عن سنوات ماضية، وهو ما نجحوا فى تنفيذه، فقد أطل علينا رئيس الوزراء بعد نجاح إضرابهم قائلا: (اللى فات مات) طيب ليه ما متش قبل إضرابهم؟
وأعتقد أن الدعوة للإضراب القادم لا تتوفر لها هذه البنية الأساسية، فالدعوة موجهة لكل طوائف الشعب التى تعرضت للظلم مع اختلاف وتباين فيما تعرضوا له، والبعض يدعو لإضراب لا نعرف آليته، والبعض الآخر يدعو لاحتجاج عام لكل الطوائف والطبقات التى وقع عليها الظلم وتأثرت بفساد النظام الحالى سواء كانوا أهالى الدويقة أو عمال السكك الحديدية أو المدرسين ....... إلخ، فكل طائفة منهم لها أهداف ومطالب خاصة بهم وتختلف درجة تعرضهم للظلم وهنا فقدنا توحد الهدف والمطلب الذى كان من أهم أسباب نجاح إضراب أبريل 2008، كما أن تأثير هذه الأزمات قد انتهى إما بعامل الوقت أو لأنها تم حلها جزئيا ونحن شعب طيب وعاطفى ويفكر بقلبه وينسى الإساءة بانفراج الأزمة .... أى أنه إذا لم ينتفضوا وهم يعانون ويصرخون، فللأسف لن ينتفضوا بعد ذلك، وسيقولون كما قال رئيس وزارتهم من قبل (اللى فات مات) .....
بالإضافة إلى أنه لو فشل الإضراب القادم سيكون له أثر سىء على الشعب الذى ما زال يخطو خطواته الأولى فى عالم التعبير عن الرأى والإيجابية وخلع رداء السلبية واللامبالاة. سيقولون إن نجاح الإضراب الأول حدث بمحض الصدفة، حيث كان مفاجأة للحكومة والأمن... وأن الأمن قادر على إحباط أى إضراب آخر لكل الشعب المصرى، وهذا ما لا نتمناه أو نرجوه حتى لا نساهم فى حالة الإحباط الكامنة فى نفوس هذا الشعب المسكين الصامد.
ولا بد أن نؤكد أن الإضراب الذى نهدف إليه ونسعى لنشر ثقافته الحضارية هو تعبير سلمى بناء وليس هدما أو دمارا أو نشر حالة من الفوضى كما يتصور البعض، ولكن الإضراب هو بمثابة إعادة تقييم المسار وخطوة نحو إعادة الهيكلة والبناء بأساس قوى متين يضمن الحفاظ على المصالح المتبادلة بين الطرفين الحكومة والشعب.
أما ما أتمناه فى ذكرى هذا اليوم وأدعو إليه هو أن نحتفل مع شعب مصر العظيم بيوم نصر الإرداة المصرية القوية، وأن أعطى وردة حمراء - دليل الحب والتقدير - لكل من ساهم فى نجاح هذا اليوم، مساهمة سلمية وبناءة، ولكل من دفع الثمن من أجل انتصار إرادة حرة مصرية شعبية قوية، ووردة بيضاء – دليل الصفاء والإخاء – لكل أجهزة الدولة تعبيرا سليما أننا لسنا ضدهم بل إننا ضد تبنى أى سياسات تحمل فى طياتها إهدار حقنا أو سلب إرادتنا، وأن يتضمن الاحتفال إعادة تقييم هذا الحدث من حيث سلبياته وإيجابياته، ونحاول أن نتفادى هذه السلبيات فى الإضراب القادم، وأن ندعم الإيجابيات ونبحث عن عوامل وآليات أخرى تجعل من هذا الشعب صوتا عاليا قويا يقف ضد من يحاول أن يسلبه حقه ويهدد أمنه ومصالحه.
وأنا على يقين أنه فى المستقبل القريب ستتوافر العوامل والظروف لنجاح أشمل وأعم تعبير سلمى احتجاجى لشعب مصر ضد كل من تسول له نفسه أنه يستطيع أن يهدر حق هذا الشعب فى أن يعبر عن رأيه ويطالب بحقه.
كل هذا ليس معناه أننى ضد أى دعوة قادمة للاحتجاج أو الإضراب السلمى، فأنا مع كل حدث يصب فى مصلحة هذا الشعب، ولكننى أردت فقط أن أعبر عن رأى الشخصى من منظور فهمى لطبيعة الشعب المصرى وقراءاتى للأحداث الراهنة.
إسراء عبد الفتاح تكتب..
حتى لا يفشل إضراب 6 أبريل القادم
الجمعة، 06 مارس 2009 11:10 ص
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة