الحقيقة إما مطلقة أو نسبية وكلاهما يدوران فى فلك الحقيقة، لكن تتعدد الأسباب والموت هو الموت.. ويتوالى النزلاء والسجن هو السجن، فإذا كان السجن كحقيقة أبشع وأقسى من الموت، حيث يحرم الإنسان من الصورة التى خلقه الله عليها إلا أن الإنسان يساق إليه بما جنت عليه ظلم يديه أو جنت عليه مظالم أيدى الآخرين، ليساق مكبلا بالأغلال من فضائه الفسيح إلى غياهب أسواره المظلمة، ولا تعارض من قبل الأديان كلها والتقاليد الإنسانية حول بشاعة السجن، إلا أنه فى كثير من الأحيان يكون حماية لحق إنسان من اغتصاب إنسان آخر له، فيعتبر السجن كحقيقة وأمر واقع ضرورة لازمة لحياة المجتمع البشرى يودع فى ثناياه إنسان حياة إنسان آخر، إلا أن هذه الحقيقة نسبية تختلف باختلاف الجغرافيا والزمان وحضارة وثقافة الإنسان.
وإذا كان سجن جوانتانامو أمريكى الجنسية ومحددا جغرافيا على جزء من الأراضى الأمريكية فى كوبا، إلا أنه أصبح اسما وعلما على أبشع صور انتهاك حرمة وكرامة وحرية الإنسان فكم من جوانتانامو آخر موزع جغرافيا على امتداد قارات الكرة الأرضية، كشف بعضها بعد رحيل جلاديها وكف أيديهم عن السلطة بالموت، وسوف يكشف عن الباقى بعد رحيل مالكيها بالموت أيضا وليس لأى سبب آخر، فقد كشف عن جوانتانامو الألمانية "هتلر" أفواه من تمكن بمعجزة الهرب أو تم تحريره بمعرفة الغزاة المنتصرين بعد هزيمته، وكشف عن جوانتانامو صدام حسين مئات الألوف من الأشلاء والجثث بالمقابر الجماعية بعد هزيمته أيضا، كما أن مصر كان لها نصيب من جوانتانامو الطغيان عرف بجوانتانامو عبد الناصر الذى كشفه عاهات وتشوهات وندوب على أجساد ألوف الشيوعيين والإخوان المسلمين ومن سمى ظلما بأعداء الثورة والشعب وذلك أيضا عقب وفاته، ولكن هناك اختلاف كبير بين جوانتانامو على أرض أمريكية وآخر على أرض أفروآسيوية، وفى هذا المقام أنا لست بصدد الدفاع عن جورج بوش وسجنه الذى زج به مئات المعتقلين دون محاكمة وهو ما أراه ظلما وجريمة ويراه هو من وجهة نظره صوابا ودفاعا عن حق مواطنين فى الحياة وليس عن حقه الإلهى فى السلطة.
هنا يكمن الفرق فلا يمكن لمخابرات أو جواسيس على أى دولة ذهب أحد مواطنيها فى نزهة إلى هذا الجب المظلم البعيد عن الأعين ادعاء شرف البطولة فى الكشف عنه وفضح أمره، ولكن من كشف عنه وعراه أقلام أمريكية مغموسة بحبر الحرية بين أصابع غير مرتعشة بأيدى أمريكيين وإعلام مقروء ومسموع ومرئى بوجوه أمريكية ومظاهرات حاشده وصاخبة فى المدن الأمريكية لمئات الألوف من الأمريكيين مولدى الأب والأم والجد أمريكى الجنسية، يطالبون بالحرية والمحاكمة العادلة لنزلاء جوانتانامو الأمريكية.... لا يخشون رصاصات طائشة من بنادق أمريكية ولا كلاب شرسة وخراطيم مياه وأسواط مسرعة بأيدى أمريكية، وقد تم ذلك على مرأى ومسمع من حاكم الولايات المتحدة. وها هو جوانتانامو الآن فى الطريق إلى الزوال لا استجابة لضغوط دولية لا تأبه بها الولايات المتحدة بل لضغوط الجماهير الأمريكية الحاشدة.
فمتى تذهب إلى الجحيم سجون ومعتقلات جوانتانامو الأفروآسيوية.. أرى وربما أكون مخطئا أو مصيبا أن هذا لن يحدث إلا حين تحصل الأقلام والأفواه الأفروآسيوية على ما حصلت عليه الأقلام والأفواه الأمريكية من الحرية وحين تحصل تلك الشعوب على انتخابات على غرار الانتخابات الأمريكية ورؤساء يحكمونها ولا يتحكمون فيهم من طراز رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية الذين يحكمون لمدة محددة، يومها سوف يؤول إلى الزوال سجون ومعتقلات جوانتانامو الأفروآسيوية.
ربما يقول قائل إن عقل كاتب هذا الغزل فى الولايات المتحدة الأمريكية قد غسل بمعرفة الـ CIA الأمريكية، ولكن إلى متى نرفض تقليد كل ما هو جيد لكونه قادم من الولايات المتحدة.. وكما قامت حكومات دول عربية كثيرة بمقاطعة البضائع الأمريكية استجابة لضغوط شعوبها، فإنها قامت أيضا بمقاطعة الديمقراطية لأنها صناعة أمريكية كما أنها لن تحاول استيرادها عملا بمبدأ مقاطعة Made in USA.
مرقص كامل يكتب..
جوانتانامو الأمريكى وجوانتانامو الأفروآسيوى
الجمعة، 06 مارس 2009 11:16 ص
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة