على عكس الكثيرين ممن رحبوا بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف للرئيس السودانى عمر البشير، انتقدت صحيفة الجارديان فى صفحة الرأى هذا القرار. وقال جولى فلينت واليكس ديوال إن تصعيد الأحداث بهذا الشكل سيؤدى فقط إلى مزيد من المعاناة لأهالى دارفور. ويرى الكاتبان أن تحقيق السلام يأتى أولاً قبل تحقيق العدالة، كما أن البشير ليس ضعيفاًً مثل رؤساء آخرين وقفوا أمام المحكمة الجنائية الدولية.
ويبدأ فلينت ودوال مقالهما بالقول: بعد سبعة أشهر من المداولات، أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية مذكرة باعتقال الرئيس السودانى عمر البشير. وقد أثار هذا القرار الذى ينشد تحقيق العدالة فى ظل الاتهامات بارتكاب جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية فى دارفور، ردود فعل رسمية فى الولايات المتحدة والعواصم الأوروبية، وكذلك على المستوى العالمى من جانب منظمات حقوق الإنسان وجماعات الناشطين. وخلال ساعات أظهرت الحكومة السودانية أن المحكمة ومؤيديها يفتقدون القدرة على الدفاع عن أو تحرير ملايين من أهالى دارفور الذين تسعى المحكمة إلى تحقيق العدالة باسمهم. فقامت الحكومة السودانية بإجراءات موجزة تمثلت فى طرد وكالة الإغاثة الدولية الرئيسية من السودان، والاستيلاء على ممتلكاتهم، وأغلقت منظمات حقوق الإنسان السودانية تحت تهديد السلاح.
ومع تناقص كمية الوقود اللازم لتشغيل مضخات المياه فى معسكرات اللاجئين الضخمة فى دارفور، وانتشار وباء الالتهاب السحائى القاتل بشكل سريع فى الإقليم السودانى، فإن حكومة الخرطوم ستكون مسئولة عن أية وفيات أو معاناة ستنتج عن قراراتها، ليس فقط فى دارفور ولكن فى الأماكن الأخرى فى السودان التى بدأت أعمال الإغاثة تتقلص فيها بما فى ذلك المناطق المنكوبة بالجفاف فى المنطقة الشرقية.
لكن المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية هو الذى أشعل النار بجانب الوقود فى السودان. فمن المستغرب تماماً أن يكون لويس مورينو أوكامبو ومعه مجموعة من الدبلوماسيين والناشطين قادرين على إدانة الحكومة للجرائم الأكثر بشاعة التى ارتكبتها مناحية، والتأكيد فيما بعد على أن هذه الحكومة تغير من مواقفها عندما يتم تهديدها بالوقوف أمام المحكمة فى لاهاى.
فى الحقيقة لا أحد يعلم إذا كانت مذكرة التوقيف هذه تعنى أى شىء. فالجماعات الحقوقية التى أيدت إقامة محكمة دائمة ومستقلة لديهم مخاوفهم الخاصة. فالمعلقون من النشطاء والمحامون الذين لا تتوافر لديهم معرفة كبيرة بالشأن السودانى، يحملون شعار أن السلام لن يتحقق بدون العدالة. جوفيرى روبرتسون يرى أن مذكرات التوقيف التى صدرت من قبل بحق كل من رئيسى يوغسلافيا وليبريا، سلوبودان ميلسوفيتش وتشارلز تايلور، ساهمت فى الانقلاب السريع ضدهما، ومن المتوقع أن يحدث الأمر نفسه مع البشير.
لكن ميلسوفيتش وتايلور كانا ضعيفين وكان الغرب يريد التخلص منهما. أما البشير فقد تغلب على كل التحديات التى واجهته طوال 20 عاماً، ودعم الغرب اتفاق السلام الهش الذى وقعه مع حركات الجنوب والذى ساهم فى بقائه فى الحكم كمقابل للانتقال إلى الديمقراطية.
وأصبح كل هذا الآن معلقاً بخيط. فالمخاطر حقيقية. وكانت هناك مبالغة من جانب أوكامبو فى إصراره على محاكمة البشير بتهم الإبادة الجماعية المستمرة، ومزاعمه الخيالية بأن 5 آلاف شخص يموتون كل شهر.
ومن أسباب معارضة مذكرة التوقيف بحق البشير، هو أنه عندما وضعت الأوراق الخاصة بهذه المذكرة العام الماضى، كانت قضية الإبادة الجماعية مبنية على دليل واهٍ وحجج ضعيفة. فقد قال أوكامبو مراراً ودون أن تتوفر لديه أية أدلة على الإطلاق، إن الحكومة السودانية تنظم هجمات منهجية على المعسكرات للقضاء على القبائل الأفريقية هناك. وفى إشارة مشجعة تدل على أن قضاة المحكمة الجنائية تعاملوا مع عملهم بجدية، رفضوا اتهامات أوكامبو الثلاثة الخاصة بالإبادة الجماعية، ووجدوا أنه فشل فى إظهار أن البشير لديه ردود على ذلك. وكان هناك رفض مذهل من جانب المدعى العام الذى أصر علانية على أن البشير مذنب ويجب إعفائه من منصبه.
والأسوأ من ذلك، أن أوكامبو قال أكثر من مرة إنه حصل على معلوماته من وكالة الإغاثة الإنسانية. والأضرار التى سببتها هذه التصريحات كانت لا تحصى. فالأمن السودانى يعتقد أن الوكالات الدولية كانت تمرر المعلومات للمحكمة الجنائية الدولية. ولذلك، تم طرد 11 منظمة إنسانية من المنظمات العاملة فى البلاد، وتمت محاصرة ممتلكاتهم. ورغم أن وكالات الأمم المتحدة لا تزال هناك إلا أن برنامج الغذاء العالمى يعتمد على اثنين من المنظمات غير حكومية والتى لم تعد موجودة الآن منها، صندوق رعاية وإنقاذ الطفولة، والتى تقوم بتوزيع 80% من الحصص الغذائية. فهل ستسمح حكومة الخرطوم لبرنامج الغذاء العالمى ببناء مؤسسة جديدة لتوزيع الحصص الغذائية، وهو الأمر الذى سيستغرق عدة أشهر؟ أم أنها ستصر ببساطة على أن تقوم بهذه المهمة بنفسها، وهو الخيار الأكثر ترجيحاً.
وإلى جانب ذلك، فإن دارفور تواجه، مع الجوع والأوبئة، احتمالات باندلاع العنف بين المتمردين والميلشيات التابعة للحكومة رداً على ما يتردد من تمزيق اتفاقيات السلام المحلية التى ساعدت فى استقرار الأوضاع فى دارفور لأكثر من ثلاث سنوات.
العام الماضى، وبحسب أرقام الأمم المتحدة، لقى 150 شخصا من أهالى دارفور حتفهم كل شهر، أقل من نصف هذا العدد، كانوا من المدنيين والباقى كانوا من الجنود والمتمردين ورجال الميلشيات. غير أن الأمور قد تصبح أسوأ، أسوأ بكثير. فهؤلاء الذين رأوا أن الحكومة السودانية ستستجيب للضغوط كانوا مخطئين. فهذه الضغوط تنجح فقط إذا كان بإمكان الجماعة التى تمارس الضغوط ضدها وافقت على نقطة النهاية. وإذا كانت النتيجة سجنا مدى الحياة، فإن الضغوط ستضمن فقط ضغوط مضادة. وبالنسبة للخرطوم، فإن إنذار لويس مورينو أوكامبو غير قابل للتفاوض، بل هو صراع على الموت.
تعليقاً على اتهام البشير..
الجارديان: السلام قبل العدالة أحياناً
الجمعة، 06 مارس 2009 03:15 م
توقيف البشير.. هل يحل أزمة دارفور؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة