«ابنك جمال محتاج كلية», هكذا نطقها أحد الأطباء بكل بساطة مخبراً أشرف أحمد عامل الأنابيب البسيط, ووالد «جمال», الطفل المصاب بعيب خلقى فى مجرى البول.
جمال عمره عشرة أعوام قضى ثمانية منها فى المستشفيات نتيجة هذا العيب, إلا أنه يتحدث عن مرضه بكل هدوء مدركاً الأبعاد الطبية والمالية لحالته، فالتأمين الصحى على استعداد لتحمل تكاليف إجراء العملية فقط فى حالة وجود متبرع يتوافق معه فى الأنسجة، دون تحمل مصاريف ما بعد العملية، مما لا يشكل أى حل للمشكلة.
أربع سنوات قضاها جمال فى البحث عن متبرع أجرى خلالها ثمانى عمليات لتوسيع الحالب، ومازال فى حاجة لعمليتين إضافيتين إحداهما لتكبير المثانة والأخرى لزراعة الكلى، تمنى الأب أن تكون لديه كُلية خالية من الحصوات حتى يتمكن من إعطائها لابنه.
أدى طول الانتظار إلى مزيد من المضاعفات لجمال، كوجود يوريا فى الدم، وصديد فى البول، ونقص فى الحديد والكالسيوم، وعدم القدرة على التحكم فى البول، فاحتاج جمال إلى قسطرة من نوع خاص يتم تغييرها كل ساعتين, والحاجة لمزيد من الأدوية التى لا يوفرها التأمين الصحي، وبالـ «بامبرز» والقسطرة تصل مصاريف العلاج اليومى خارج التأمين إلى 20 جنيهاً، يحكى الأب: «مع أزمة الأنابيب بتقف عليا الأنبوبة الواحدة بـ8 جنيه ولازم أبيعها ب15 جنيه وطبعاً دا حرام مين يشترى أنبوبة بالسعر ده»، فوجد نفسه بلا عمل أو دخل حتى تقوم الحكومة بحل أزمة الأنابيب، ولكن بالطبع المرض ومصاريف جمال لا تنتظر.
طرق الأب جميع الأبواب حتى أبواب سماسرة الأعضاء لتبدأ رحلة الفصال ومن العجيب أن يكون للسمسار قلب يلين، فيطلب منهم 25 ألف جنيه فقط ثمنا للكلية، ولكن سرعان مايرجع لطبيعته ويبيع الكلية المتوافرة لزبون خليجى آخر دفع الثمن كاش.
طبيب آخر عرض على الأم- ونظراً لحالتهم- أن يأخذ جمال منها و يعيده سليما بعد إجراء العملية مقابل 70 ألف جنيه, فتقول الأم «عرض عليا أن ياخد الموضوع كله مقاولة وهو هيتصرف فى الكلية بس طبعاً المبلغ دا غير موجود، غير كدا السماسرة موجودين لو أتوفر المبلغ هنلاقيهم».
يضيف الأب: «من مفارقات الحكومة أن ثمن الكلية من المتبرع 30 ألفا، ومصاريف العملية 70 ألفا والعلاج بعد العملية ألفا جنيه فى الشهر ثمن حقنة تستمر لمدة سنتين، هذا بخلاف الإقامة بالمستشفى الستة أشهر الأولى بعد العملية، فلم تصرف لنا وزارة التضامن إلا 150 جنيها، وصرفت لنا الشئون الاجتماعية 300 جنيه»، حدث ذلك لمرة واحدة فقط قبل أن تنسى الحكومة جمال وأسرته من جديد، ولم يتبق إلا المتعاطفون مع جمال ،الذين قاموا بفتح حساب لعلاجه فى البنك.
رغم تفوق جمال وحصوله على عدد من شهادات التقدير، وارتفاع درجاته فى الشهادات الدراسية فى العام السابق ،إلا أنه لم يتمكن من دخول امتحانات الفصل الدراسى الأول لهذا العام، بسبب مرضه ودخوله المستشفى لإجراء عملية القسطرة، ولم تقم له لجنة خاصة فى المستشفى، فتقول الأم «وحتى لو لحق الامتحان أو دخل لجنة خاصة مكنش هيفتكر حاجة من البينج اللى كان بياخده».
كل من قابل جمال أحبه وتعاطف مع حالته المركبة كطفل، لم يعش طفولته وحتى يكمل حياته بشكل طبيعى، يجب أن يتوافر المتبرع مع التكاليف مع الرعاية فى آن واحد.