اهتمت الصحف الأجنبية اليوم، الخميس، برصد تداعيات قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السودانى عمر البشير، وقالت صحيفة "واشنطن بوست" فى افتتاحيتها: إن قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة اعتقال بحق البشير أمس الأربعاء، يمثل جائزة انتظرتها طويلاً جماعات حقوق الإنسان، والمدافعون الغربيون عن منطقة دارفور التى مزقتها الحروب الضارية. وفى الوقت نفسه تصاعدت مخاوف بعض الجماعات من أن الاتهامات بارتكاب جرائم الحرب، لن تساهم، أغلب الظن، فى زعزعة قبضة الديكتاتورية فى البلاد، وقد تؤدى فى نهاية المطاف إلى تفاقم الأوضاع فى السودان.
ومن اليسير أن يشعر المرء ببعض الرضا على الصعيد الأخلاقى، عندما يتم محاكمة أحد أكثر الحكام وحشية فى العالم باعتباره هارباً من العدالة. وربما تساهم هذه المذكرة فى إرسال رسالة ترتعد لها أوصال كلا من الرئيس السورى بشار الأسد، ورئيس المجلس العسكرى فى بورما الجنرال ثان شوى. وقد يرفع قرار المحكمة الجنائية الدولية من شأن المحكمة التى بعد مرور ستة أعوام على إنشائها، أدانت مجرم حرب واحدا، وعرضت واحدا فقط للمحاكمة.
ولكن من الصعب أن يتصور المرء أن مشاعر السرور ستخيم على المخيمات فى دارفور، التى فشلت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة فى أن تحشد قوات عسكرية كافية أو حتى مروحيات لحمايتها وتأمينها، شأنها شأن جنوب السودان، الذى تم التوصل فيه إلى اتفاق سلام واهن بين نظام البشير والحركة الشعبية لتحرير السودان، ولكنه على وشك الانهيار.
ومن ناحية أخرى، يتمنى بعض المدافعين عن حقوق الإنسان، أن تكون هذه المذكرة حجر الأساس الذى سيدفع الحكومات الغربية إلى الالتزام الكامل بوضع نهاية لموجات العنف المتفاقمة فى السودان، سواء عن طريق توفير القوات العسكرية أو المروحيات، أو حث الأمم المتحدة على فرض عقوبات صارمة ضد النظام، أو إقامة حظر جوى فوق دارفور. ولكن هناك حقيقة يجب أن تدركها الحكومات الغربية وعلى رأسها الإدارة الأمريكية، وهى أن العوامل التى منعت الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش، من التورط فى دارفور، مازالت كما هى ولم تتغير كثيراً. وأبدت الصين استعدادها للتصدى إلى إجراءات مجلس الأمن التى تروج لاستخدام القوة، بينما انتشرت الجيوش الغربية بصورة قليلة وذلك بسبب نشر القوات فى مكان آخر.
إذن الاستغلال الأمثل لمذكرة المحكمة الجنائية الدولية، يتمثل فى استخدامها كورقة مساومة مع البشير وحلفائه الصينيين والعرب. ويُمكن قرار المحكمة المجلس الدولى من تعليق الإدعاء بتجديد فترة الحكم لسنة واحدة؛ وهو الأمر الذى ستدعمه كل من الجامعة العربية وبكين. ومن هنا ستسنح لإدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما فرصة ذهبية لتثمين الموقف، ويجب أن يكون هذا الثمن منع البشير من ترشيح نفسه فى انتخابات المقرر إجراءها خلال هذا العام، وإتمام تسوية السلام مع جماعات المتمردين فى دارفور، وتفعيل كامل لاتفاقية السلام فى جنوب السودان.
ومع انخفاض عائدات النفط، قد يجد البشير وحزبه أن هذه التسوية تصب فى مصلحتهم. ولكن فى حال اختاروا أن تكون استجابتهم إزاء مذكرة توقيف البشير هى شن موجة جديدة من العنف، حينها ستجد الحكومات الغربية الطريقة المناسبة للرد.
مذكرة توقيف البشير تعتبر رسالة للرئيس بشار الأسد