هيثم محمد التابعى يكتب:

أيام السلام الأخيرة

الخميس، 05 مارس 2009 11:16 ص
أيام السلام الأخيرة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اختلف الكثيرون حول وضع عملية السلام فى أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة، فأوباما أوحى للعالم بأنه يهتم بكل القضايا فى نفس ذات الوقت ونفس ذات القوة، والحقيقة أنه كان ذكيا فى ذلك فاكتسب محبة الجميع واهتمامهم، بعيدا عن الحديث عن إدارة أوباما وليس ببعيد عن أولوياته، تقبع عملية السلام العربى الإسرائيلى.

قبل أن يتولى أوباما الحكم رسميا مساء الثلاثاء العشرين من يناير الماضى، حضر ما لا يقل عن خمسة عشر اجتماعا تتناول أولويات عمل أوباما، وكان محور التركيز على ترتيب تلك الأولويات، فبينما رأى البعض عملية السلام على قمة الأولويات، أعطاها آخرون خمس دقائق فى آخر حديثهم قائلين إن أوباما لن يورط نفسه فى صراع يدرك جيدا أنه بلا حل.

ولكن أوباما أعطى من المؤشرات أنه سوف يولى عملية السلام المعقدة تلك اهتماما يفوق سلفه الملعون جورج بوش، فأوباما عين جورج ميتشيل وهو سياسى مخضرم ومتوازن وذو خبرة فى عملية السلام كمبعوثه الخاص للشرق الأوسط وهو ما اعتبره بادرة خير كونه نجح من قبل فى عقد اتفاق سلام تاريخى (الجمعة العظيمة) أنهى عهود من العداء التاريخى بيت الكاثوليك والبروتستنانت فى أيرلندا الشمالية.

وميتشيل دبلوماسى متزن لديه من الجراءة لينتقد تل أبيب وله سابقة مشهورة فى مسيرته السياسية "تقرير لجنة ميتشيل" عام 2001 أبان انتفاضة 2000 حين قال إن العنف متبادل بين الطرفين وكلاهما يتحمل المسئولية وأكد خطورة بناء المزيد من المستوطنات. ولكن هناك سؤالا يلح على ذهنى، هل أصلا الظروف الحالية مواتية لإنهاء هذا الصراع الدولى المعقد حتى لو توفر أوباما الذى أرى العالم ينظر إليه كبابا نويل جاء من بعيد ليحقق أحلامهم الضائعة.

الغريب أن رغم توافر بابا نويل والقدير ميتشيل فإننى لا أجد نفسى متفائلا على الإطلاق حيال عقد أى اتفاق تاريخى ينهى 61 عاما أو يزيد من اغتصاب الأرض وتشريد الجسد وإزهاق الروح. وتتجمع لدى شواهد على مستويات عدة بصعوبة عقد أى اتفاق ولو حتى غير تاريخى بين الفلسطينيين والإسرائيليين فى الوقت الراهن الذى يمتد فى نظرى حتى نهاية 2012 على الأقل.

فعلى المستوى الداخلى فى إسرائيل أو الجانب الفلسطينى يصعب إدراك تفاؤل خاصة بعد فوز حزب كاديما بالانتخابات التشريعية الإسرائيلية والتى قد تنتهى على الأرجح بتشكيل نيتانياهو زعيم حزب الليكود للحكومة، وهو المعروف عنه تشدده وعدم اعترافه أصلا بفكرة قيام دولة فلسطينية وحتى لو انتهى المطاف بحكومة تقودها كاديما، فإن سياسة الاثنين فى حرب غزة الأخيرة لا تنبئ بخير، فمن قتل الأطفال بالفسفور الأبيض من الصعب أن يجلس على طاولة المفاوضات ويمد يدا بيضاء ونوايا صافية.

وعلى الجانب الفلسطينى، لا يتوحد الفلسطينيون خلف رجل واحد، ففلسطين مقسمة بين ضفة فتحاوية علمانية برجماتية وغزة حمساوية متشددة لأقصى الحدود ويصعب تحقيق أى إجماع فلسطينى الآن بخصوص التسوية، فحتى عندما كان الشعب الفلسطينى أو فلنقل أغلبه خلف ياسر عرفات فإن ذلك لم يكن ليضع حدا للصرع عبر بوابة كامب ديفيد 2 عام 2000، فالمشهد الفلسطينى الآن يذكرنى بذلك المشهد من فيلم (وا إسلاماه) حين سأل رسول المغول "لما أحب أكلم مصر أكلم مين؟" فبين رئيس انتهت ولايته وفقد شعبيته وحكومة مقالة ومتشددة تبقى رؤية فلسطينية موحدة حلما بعيد المنال.

أما على المستوى الإقليمى، فبعد حربين إقليميتين محدودتين فى غضون 3 أعوام، فإن أى اتفاقيات لن تكون سوى هدنة مؤقتة استعدادا لجولات أخرى من تجدد الصراع، ولن يكون أحد مستعدا للتنازل عن أى مكاسب حققها، رغم أننى مازالت عند رأيى أن الكل خسر فى حربى لبنان 2006 وغزة 2009، كما أنه لا قوى إقليمية أخرى يمكنها العمل على تحفيز عقد أى اتفاقيات للتسوية بداية من مصر ذات الدور المتراجع وحتى تركيا التى أصبحت لا تؤتمن فى نظر صقور تل أبيب كوسيط أمين.

وعلى المستوى الدولى، فأنا أرى أن للولايات المتحدة التزامات أكبر بكثير من عملية السلام فى الشرق الأوسط مع تصديقنا بنوايا وطموح أوباما، فملفات كالأزمة الاقتصادية وملف العراق وأفغانستان والعلاقات مع روسيا والصين أهم من ملف تراكم عليه تراب الزمن كذلك مبعوثها الذى اعتقد أنه ليس بحاجة لأى إنجاز جديد، فاتفاقية (الجمعة العظيمة) تكفى جدا فى سيرته الذاتية وهو ليس مطالبا أن يحل مشاكل تراكمت عبر عقود وأنا لا أقصد التقليل من قدر الرجل.

الوضع معقد والنوايا غير صافية لا فى تل أبيب ولا فى غزة والضفة، والجهد العربى مشتت بين العواصم العربية والآمال ضلت الطريق، وميتشيل عائد ليواجه صقور وساسة يرون فى الحرب وسيلة لرفع شعبيتهم وتحقيق مصالحهم. لذا لا أرى حلا أو جدوى من إحياء عملية السلام.

لا تنخدعوا بالوعود البراقة والكلمات المعسولة، أغلب الظن أن ميشتيل سيعود لبلاده ليقضى أجازة نهاية الخدمة على شواطئ ولاية ماين الأمريكية.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة