وحيد الطويلة فى أحمر خفيف واقعية سحرية

الأربعاء، 04 مارس 2009 09:23 م
وحيد الطويلة فى أحمر خفيف واقعية سحرية رواية أحمر خفيف مثار إعجاب النقاد
على النويشي

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت أوغل فى القراءة والصفحات تولى ظهرها لى وأنا أتساءل: هل هذه مرثية أراد وحيد الطويلة فى روايته «أحمر خفيف» أن يخلد بها عمراً مضى، أم أنها محاولة للقبض على الزمن كى لا يضيع ولا يهرب من بين أصابعه ومن ذاكرة قد يطالها الصدى؟

لم أكن أقرأ، بل كنت ألهث بين السطور وأنا أشاهد عوالم تجمع ما بين الواقع والأسطورة الذى اعتمد عليهما الكاتب فى خلق حبكة فنية لواقع مرير، بل شديد المرارة وهو يلقى بكل ثقله على أبطاله.

ولقد استعان الكاتب بتيمة سردية قد لا تكون جديدة، استعان بها الكثيرون من قبل فى أعمالهم، لكن الجدة فى الأسلوب والطريقة التى استحضرها، بعيداً عن أسلوب الفلاش باك، أو الراوى الذى يستحضر أبطاله واحداً تلو الآخر، بل ما فعله أن جعل الموت الماثل فى شخص محروس الذى يحتضر على سريره بالمستشفى يستدعى أبطاله ورفاقه واحداً بعد الآخر، أو يحضرهم جميعاً أو بعضهم، حسبما يستدعى المشهد. ثم يصعد الحدث نفسه على مسرح الأحداث ليلقى بظله تماماً ليحجب كل ما عداه من أحداث، حتى نراه ينسحب فى هدوء مفسحاً المكان لمجموعة أخرى من الأبطال.
وشخصيات الرواية تسير كلها بالتوازى معاً انطلاقاً من مكان صغير هو عزبة إسرائيل الصغيرة وكوم الدهب.. وهى أماكن حقيقية فى الواقع، لكنها تعيش على هامش الحياة، بعيداً عن العيون والأسماع حتى جاءت رواية «أحمر خفيف»، لتطيح بهدوئهما الطويل من خلال شخصية محروس كبير الوادى الذى يرقد فى المستشفى، بكف مبتورة إثر محاولة قتل على يد قاتل مأجور كان من ورائها منافسه عبدالمقصود، وكذلك شخصية ناصر الذى فرش الرعب فى المكان بسكين ليخافه الجميع، وأنصاف ابنة محروس اليتيمة التى كانت تلقى بظلها على كل الأحداث، وهى رابضة بجوار سرير محروس.

وكما كان للبشر أدوار، فللحيوانات دور من خلال شخصية «عزت ريفو» المركّبة والمدهشة وحمارة محروس، وزوجة عزت التى تركت البيت ولا تعود إليه إلا بشروط عندما تقول له: يانا.. يا الحمارة.

وشخصيات عنانى وأبو الليل والشيخ عثمان والطبيب وفرج وأبو العشم وعزيزة العمشة.
ولم يكتب وحيد الطويلة حسب مدرسة أو منهج ما فى الكتابة، بل أراد أن يلقى برائعته «أحمر خفيف»، وليترك الأمر من بعد للنقاد.

وكانت القرية المصرية ومازالت مجالاً خصباً للكتابات القصصية مع اختلاف المضمون وطبيعة الصياغة اللغوية وتنوع التقنيات مثل «زينب» لمحمد حسين هيكل و«الأرض» لعبدالرحمن الشرقاوى، و«الحرام» ليوسف إدريس، وعبدالحليم عبدالله صاحب الواقعية.

لكن لم تعد القرية ذلك العالم الصغير الذى يتسم بالشفافية والبراءة. ويتسع الأمر ليتخطى الصراع المحتدم بين القيم الروحية والاستهلاكية وطغيان المادة إلى شيوع الرذيلة.
أما لغة الكتابة فهى مزيج من فصحى تدرَّجت، ودارجة تفصّحت، حسب تعبير د. خشيم، وهى لغة شاعرية آسرة، ويحسب للكاتب تمكنه من أسلوبه السردى، فلم يترك لقلمه العنان فى الاسترسال حتى يصاب النص بالترهل، بل ظل قابضاً على عنق أبطاله الذين يقودهم جميعاً حسبما أراد هو، لا حسبما شاء كل شخص من شخوص الرواية المأزومة.. ولكن فى النهاية يترك الأبواب مفتوحة.. لعل من أراد حلاً فلن يعجزه الولوج من أى من تلك الأبواب.

ولعل وحيد الطويلة يشير مجازاً إلى تلك الجماهير المغيبة، ويقول: ما لم تتغلب على خوفها ستبقى أسيرة هذا الخوف ما عاشت من سنين.. وأن المشاهدين إذا أرادوا أن يبقوا على مقاعد الفرجة، فلا بأس فليبقوا كمشاهدين بعيدين عن النص وأحداثه، ولن يتغير شيء.

لكن إذا ما أرادوا التغيير، فليصعدوا للحدث وليقوموا هم بالتغيير وليتركوا مقاعد المشاهدين ليعتلوا خشبة الأحداث، ويغيروا ما شاء لهم من تغيير.

الرواية صرخة ضد الخوف، وضد القهر وضد السلبية والخنوع، فلقد نال طفل صغير من ناصر الذى ألقى بالخوف فى قلوب الجميع، وألقى به على الأرض أكثر من مرة وهو يدافع عن شرف شقيقته الذى أراد ناصر النيل منها، ولم يكن أمامه إلا أن يغرس سكينته فى قلب الصبى الذى كشف ضعفه أمام الجميع لينطلق الطوفان الهادر من القلوب الخائفة لتقبض على ناصر وتفتك به وتمزقه بلا رحمة انتقاماً للخوف الذى غرسه بقلوبهم سنوات طويلة.

لقد أراد المؤلف أن ينزع نفسه من ماضيه ومن بين أهله، الذى نشأ بينهم فى مكان قصى من الريف، لكن الريف لم يخرج من قلبه، بحكاياته وأساطيره ومرارة واقعه، وفقر أهله وغرائبية أحداثه!!

إن الواقعية السحرية التى كتب بها وحيد الطويلة روايته لا تقل عن أعمال جورج أمادوا أو إيزابيل الليندى، أو حتى العبقرى ماركيز، ولكن ما ينقصنا لنقف معهم أو أمامهم أو بالتوازى معهم هو بعض من الثقة بالنفس وكثير من التشجيع لمواهب دفنتها حاجات وصراعات الوظيفة والكد اليومى للوفاء بمتطلبات الحياة.

والعمل الأدبى يحتمل فى النهاية تفسيره بأكثر من وجه، فقد يبدو واقعياً من خلال أحداثه البسيطة، وواقعياً سحرياً ترتطم فيه الخرافة بالحقيقة، أو مجازاً يبدو للعيان ضيقاً محدوداً، لكنه من الناحية الرمزية لا يحد رحابته مكان، وقد تكون شخوصه وأبطاله مثالاً للملايين من أبناء المقهورين الذين تجرفهم هموم الواقع المعاش.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة