نجحت مصر بعد فترة طويلة من الشد والجذب فى لم الشمل الفلسطينى، بالرغم من الاعتراضات الكثيرة التى أبداها طرفا المصالحة، فتح وحماس، خاصة بعد انفراد حركة حماس بحكم غزة، ورفض السلطة الفلسطينية التفاوض معها قبل إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه، واستمرار ذلك التباين الواضح فى الرؤى، وما صاحبه من تراشق إعلامى، إلى ما بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث حرص كل طرف خلال تلك الفترة الطويلة التى تجاوزت العامين، على التمسك بمواقفه ورؤاه الخاصة بالمصالحة، بالرغم من المخاطر والسلبيات الكثيرة التى أحاطت بتلك المواقف، وتأثيرات ذلك على مستقبل القضية الفلسطينية والشعب الفلسطينى الذى عانى ويعانى من ويلات الحصار الإسرائيلى على الضفة والقطاع.
وقد لعبت مصر دوراً محمودا فى التوصل لذلك التوافق وفى تحقيق التهدئة التى لم يكن يحسب الكثيرون أنها ممكنة فى هذه الأوقات الحرجة التى تمر بها القضية. والحقيقة أن هناك العديد من الأسباب التى تقف خلف تلك المصالحة منها على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً: تغيير المعادلة الإسرائيلية، فعلى عكس المتوقع نجح اليمينى المتشدد بنيامين نتانياهو فى الحصول على 27 مقعداً من مقاعد الكنيست الإسرائيلى البالغ 120 مقعداً، ليتاح له تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ولما كانت هناك شكوك فى مشاركة ليفنى أو باراك فى حكومة نتانياهو، بسبب تخوفهم من قيامه بتنفيذ أجندة اليمين المتشدد والتى من شأنها أن تضر بالأمن والاستقرار فى إسرائيل والمنطقة، لم يكن أمام الأطراف الفلسطينية والعربية إلا توحيد الصفوف والبدء فى مصلحة وطنية، تمكنهم من مواجهة الأجندة المتشددة للحكومة الإسرائيلية المزمع تشكيلها.
إذ يعرف عن نتانياهو أنه يكتفى بإعطاء التصريحات الفضفاضة، ويرفض تحويل أياً من تلك التصريحات إلى الواقع، كما أنه ينظر إلى الشريك الفلسطينى على أنه غير مؤهل للتفاوض مع إسرائيل، ومن ثم فإن جل ما على الفلسطينيين فعله حسب رأى نتانياهو، هو تنفيذ الأجندة الإسرائيلية المتشددة، مهما كانت التحديات التى تقف فى طريق ذلك.
ثانياً: وجود إدارة أمريكية جديدة فى الولايات المتحدة الأمريكية، تحمل أجندة مختلفة تجاه قضايا الصراع العالمى، خاصة فيما يتعلق بالأوضاع المتأزمة فى فلسطين، فبالرغم من ثبات التوجه الأمريكى فيما يتعلق بإسرائيل، إلا أن إدارة أوباما تحمل رؤية مختلفة إلى حد ما عن رؤية إدارة بوش، كما أنها تواجه الكثير من الأزمات الداخلية، التى تجعلها فى شغل إلى حد ما عن تقديم الدعم السافر الذى كانت تقدمه إدارة بوش لإسرائيل، مما يعنى أننا كعرب نملك مساحة كبيرة يمكننا التحرك خلالها لتحقيق الأمن والاستقرار فى المنطقة.
ثالثاً: كان للموقف العربى الرسمى السلبى تجاه الحرب على غزة، دوره فى دفع الأنظمة والحكومات العربية وعلى رأسها مصر، لتغيير مواقفها بشكل أو بأخر من أجل إحراز بعض التقدم على صعيد القضية الفلسطينية، خاصة وأن من شأن ذلك أن يدعم الأمن القومى المصرى، ويحسن من صورة الأنظمة أمام الشعوب العربية والإسلامية، وكذلك أمام الرأى العام العالمى، ومن هنا كان الحرص على إنجاز الاتفاق بصورته الحالية.
ووفى الواقع فإن ما تم الاتفاق عليه، إنما يمثل خطوة على طريق طويل، وحتى هذه الخطوة لكى تنجح فإنها تحتاج من مختلف الأطراف الفلسطينية والعربية العمل على عدة محاور:
أولاً: لن تنجح تلك الخطوة ما لم تكن هناك ثقة متبادلة، فإذا ما بقيت الشكوك القديمة موجودة بين مختلف الأطراف وكل طرف يفتقد الثقة فى الطرف الآخر، فإن النجاح الذى تحقق على الأرض لن يكتب له النجاح، وسرعان ما سنعود إلى المربع رقم واحد مرة ثانية، وهذا بعينه ما تريده إسرائيل وحكومتها اليمينية الجديدة.
ثانياً: إعلاء المصلحة الوطنية فوق أية اعتبارات شخصية أو فصائيلية، فعلى الجميع أن يعلم أن يدافع عن وطن وليس عن فصيل، فالمصلحة الفلسطينية العليا الآن تحتم على الجميع رص الصفوف وتجميع الجهود من أجل مواجهة الصعوبات الكثيرة التى تحملها المرحلة القادمة.
ثالثاً: الإيمان الراسخ الذى لا يتزحزح بأننا لا يمكن أن نحصل من الحكومة الإسرائيلية الحالية أو غيرها، على أية مكاسب يمكن أن تصب فى صالح الشعب الفلسطينى المحاصر، إذ دأبت تلك الحكومات بمختلف طوائفها وفئاتها، على تطبيق المعادلة الصفرية، بمعنى أنها تحاول أن تحصل على كل شئ، مقابل أن تعطى للفلسطينيين بعض التصريحات الوردية التى لا تسمن ولا تغنى من جوع.
رابعاً: جعل هدف المرحلة القادمة هو فك الحصار وإعادة الإعمار، إذ من شأن استمرار الأوضاع فى قطاع غزة على ما هى عليه أن تفقد تلك المصالحة جدواها، خاصة وأن هناك طرفا يعيش فى بحبوحة من العيش وطرفا آخر يكاد يموت من الجوع والفقر والمرض.
وفى العموم وحتى لا نترك الفرصة لإسرائيل كى تتحكم فى مصائرنا وللولايات المتحدة كى تمارس دورها المنشود فى الانحياز السافر لإسرائيل، يتعين على الفصائل الفلسطينية، خاصة المقاومة، ألا تترك ذلك الخيط يسقط من يدها مرة ثانية، وأن تعمل جاهدة على الاستفادة من مرحلة التحول التى يشهدها المجتمع الدولى حالياً من أجل النهوض بالمجتمع الفلسطينى وتقوية أواصر الوحدة والتعاون بين مختلف طوائفه.
أسامة نورالدين يكتب:
المصالحة الفلسطينية خطوة أولى على طريق طويل
الأربعاء، 04 مارس 2009 12:44 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة