رامى عطا صديق

ثورة 19 بين التكامل القومى والاندماج الوطنى

الثلاثاء، 31 مارس 2009 10:45 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ أيام قليلة وتحديداً فى اليوم التاسع من شهر مارس الجارى كان الاحتفال بمرور تسعين سنة على ثورة 1919م، وهى الثورة التى شارك فيها جميع المصريين من مختلفة الأطياف.. رجال ونساء.. أغنياء وفقراء.. عمال وفلاحون وموظفون وطلبة.. مسلمون وأقباط.. من أهل مصر، حين قاموا بثورتهم مطالبين باستقلال مصر وخروج الإنجليز. فلقد التف الجميع حول شعار "الدين لله والوطن للجميع" وكان للجميع هدف واحد هو "الاستقلال التام أو الموت الزؤام". ومن ثم فقد كانت ثورة 19، وحسب المهتمين بقضية المواطنة، نقطة فاصلة فى تاريخ المواطنة المصرية فى العصر الحديث.

حيث لاحظ المهتمون بقضية المواطنة وتاريخها فى مسيرة المجتمع المصرى أنه وإن كان ترسيخ بعض قيم المواطنة، قد جاء بقرارات (فوقية/ سلطوية) منحها الحاكم للمحكومين من حيث دخول المصريين الجيش (المسلمون ثم الأقباط) وإلغاء الجزية عن الأقباط وإنشاء مجلس شورى النواب.. الخ، لتكون بداية رسمية لمسيرة المواطنة المصرية، فإنه شيئاً فشيئاً بدأ يحدث نوع من الالتفاف (القاعدى/ الجماهيرى) حول مبدأ المواطنة، فكانت ثورة 1919م التى أفرزت المساواة بكل أبعادها السياسية والقانونية والاجتماعية، ليمارس الجميع حق المواطنة على أرض الوطن: مصر بحسب سمير مرقس (الحماية والعقاب: الغرب والمسألة الدينية فى الشرق الأوسط، القاهرة: ميريت للنشر والمعلومات، 2000م)، فحين تهيأت الظروف بدأ يحدث زحف المحكومين- بتعبير الدكتور وليم سليمان قلادة (مبدأ المواطنة: دراسات ومقالات، القاهرة: المركز القبطى للدراسات الاجتماعية، 1999م)- نحو الحكم، وهو أمر اشتركت فيه كل مكونات الجماعة الوطنية المصرية.. مسلمون وأقباط.

ومن ثم فقد كان أهم ما يميز الحركة الوطنية فى ثورة 1919م عن الحركة الوطنية قبلاً بزعامة مصطفى كامل، هو أنها انتقلت من المفهوم العام للجامعة الإسلامية إلى المعنى المحدد- والمنحصر فى الوقت ذاته- للوطنية المصرية، كما كشفت تلك الثورة عن حقيقة مهمة، وهى أنه متى تُرك التفاعل الطبيعى بين أبناء الأمة المصرية من مسلمين وأقباط- بغير تدخل من السلطة الحاكمة فى ظل مناخ ديمقراطى سليم- فإن مفهوم المواطنة يزداد تعززاً ووضوحاً، حسبما تذهب منى مكرم عبيد (إشكالية الدور السياسى للأقباط، فى: الدور الوطنى للكنيسة المصرية عبر العصور، إعداد وتقديم: عبد العظيم رمضان، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب- سلسلة تاريخ المصريين، 2002م).

وبشكل عام يمكننا الاتفاق هنا مع سمير مرقس فيما يذهب إليه من أن الأقباط "ليسوا أقلية وافدة، وليسوا جماعة مغلقة، وليس لهم مشروع سياسى مستقل، ومن ثم فهم مواطنون تجاوزوا مفهوم الذمة- الملة على أرض الواقع.."، وهى ذاتها الفكرة التى أكدها ميلاد حنا فى كتابه الشهير (نعم أقباط لكن مصريون، القاهرة: مكتبة مدبولى، 1980م) حين يرى أن أقباط مصر "ينتمون إلى الأرض والتراب المصرى انتماء الأهرام والنيل فلا يمكن لهم بالطبيعة والتاريخ والتراث إلا أن يكونوا مصريين وطنيين.. ينتشر الأقباط مع انتشار الماء والهواء، فهم متواجدون جنباً إلى جنب مع أشقائهم المسلمين فى كل مكان وموقع.. فى المدينة كما فى أعماق الريف.. منهم المثقف فى أعلى الدرجات ومنهم الأمى سواء بسواء.. ويتوافر فيهم الأثرياء بنفس القدر وربما نفس النسبة التى يوجد فيها منهم فقراء وموعزون.. منهم العامل والفلاح والصانع والحرفى.. كما منهم المهنى ورجل الأعمال وموظفى الدولة فى كافة درجاتها، باختصار فهم نسيج كامل من أهل مصر فى كافة صورها الحميدة وغير الحميدة.. خيرة الرجال وشرهم على حد سواء..".

وإذا كان الشعب المصرى قد تميز- طبقاً لأبو سيف يوسف (الأقباط والقومية العربية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1987م)- بظاهرتين رئيسيتين هما التجانس بين سكان البلاد من مسلمين ومسيحيين، والإحساس أو الوعى بالمصير المشترك وبأن هذا الوطن لا يمكن تقسيمه، فإننا نتفق كذلك مع طارق البشرى فى عمله العمدة (المسلمون والأقباط فى إطار الجماعة الوطنية، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،1980م) حين يقول إنه "كان الإسلام من ناحية، ومسيحية القبط من ناحية أخرى، والامتزاج الحضارى بين المسلمين والأقباط فى مصر، كان كل ذلك مما كون المناخ التاريخى والحضارى والاجتماعى والثقافى والنفسى لتبلور المفهوم القومى للجماعة السياسية المصرية".

ولعلنا نصل بذلك إلى أن وحدة الدين بين الأقباط لم يخلق منهم جماعة سياسية مغلقة، ومن جهة أخرى فإن اختلاف الدين بين الأقباط والمسلمين لم يمنعهما من الاندماج والامتزاج على أرض الوطن.. مصر، إذ أن الأقباط جزء أصيل لا يتجزأ من نسيج المجتمع المصرى الواحد، فلم يعيشوا فى عالم خاص بهم بل لقد انصهروا فى بوتقة المجتمع المصرى، مشاركين فى همومه وقضاياه، بانتصاراته وانكساراته، ومن ثم فقد شاركوا فى كافة المجالات المجتمعية أسوة بشركاء الوطن من المسلمين.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة