كان غريباً أن تتجاهل الصحف الغربية (الأمريكية والبريطانية) القمة العربية السنوية التى انعقدت بالعاصمة القطرية الدوحة، أمس، الاثنين، والتى عادة ما تكون محط اهتمام وسائل الإعلام العالمية، ليس لأهميتها وتأثيرها فى سياسات الشرق الأوسط بالتأكيد، ولكن لأن صحافة الغرب اعتادت تغطية هذا الحدث والانقسامات التى تتكشف بين الدول العربية ومناوشات قادتها عاماً بعد عام.
وكادت الصحف الهامة ذات الثقل مثل نيويورك تايمز الأمريكية أو الإندبندنت البريطانية أو حتى اللوموند الفرنسية، أن تخلو من تحليلات لهذا الحدث، رغم أن مشاركة الرئيس السودانى عمر البشير أضفت عليه بعض الإثارة زادتها تعليقات "ملك ملوك أفريقيا" للرئيس الليبى معمر القذافى، والذى قاطع بها كلمة أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى. واقتصر اهتمام مراسلى هذه الصحف على التغطية الخبرية فقط.
ربما كان السبب وراء ذلك أن هناك قمة أخرى أكثر أهمية ستشهدها عاصمة الضباب لندن غداً الأول من إبريل، يجتمع فيها قادة الدول العشرين الكبرى لبحث عدد من القضايا الاقتصادية الملحة، يأتى فى مقدمتها الأزمة المالية العالمية وتداعياتها على اقتصاديات هذه الدول الكبرى.
وأبرز ما يصاحب قمة العشرين "الجادة" ليس فقط مشاركة الرئيس الأمريكى باراك أوباما فيها، والتى تعد الأولى له منذ دخوله إلى المكتب البيضاوى، ولكن تلك الاحتجاجات المناهضة لها والتى يشارك فيها عشرات الآلاف من أصحاب الاتجاهات السياسية المختلفة، بين فوضويين ونقابيين ومناهضين للحرب والعولمة والتغيير المناخى.
وقد خلقت هذه الاحتجاجات حالة من الإثارة والتأهب جعلت الصحف البريطانية تحديداً تركز اهتمامها منذ أسبوع على الأقل على القمة التى تستمر يومى الأربعاء والخميس. الإثارة جاءت من طرف الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى الذى هدد بتخريب القمة ما لم يتم الاستجابة لمطالب بلاده بفرض قيود مالية أكثر صرامة على حركة المال والأعمال. والتأهب كشفت عنه صحيفة التليجراف التى ذكرت أن الشرطة البريطانية اكتشفت مخططاً إرهابياً لضرب قمة العشرين "من غير المرجح أن يكون وراءه متطرفون إسلاميون".
ما بين القمتين، القمة العربية وقمة العشرين، الكثير والكثير. فالأولى، التى تفتقد حتى لمعنى كلمة قمة، مجرد لقاء يبدو ترفيهياً لزعماء دول تعيش فى صراعات لا نهاية لها، وتعاصر أزمات شديدة الصعوبة يعانى ويلاتها شعوبها. وفى هذا اللقاء يتراشق الزعماء بالكلمات ويرفعون الشعارات، ويصيغون البيانات ويصدرون القرارات والإدانات، ثم يعودون إلى بلادهم بإنجاز "مطبوع على ورق" لن يكثرث له العالم قطعاً.
أما الثانية فأقل ما يمكن أن توصف به أنها ستكون "قمة محترمة" تبحث عن حلول جادة لقضايا ملحة، ويعرف قادة الدول المشاركة فيها أن عدم توصلهم إلى اتفاق حقيقى وحل للأزمات العالمية يعنى أن شعوبهم وتاريخهم لن يرحمهم.
من ناحية أخرى، لم تشهد قمة الدوحة جديداً هذا سوى اختصار أعمالها فى يوم واحد. ولا يبدو لقاء المصالحة بين العاهل السعودى عبدالله بن عبد العزيز والرئيس الليبى معمر القذافى بقدر أهمية الاجتماعات التى ستعقد على هامش قمة العشرين، مثل اللقاء المرتقب بين الرئيسين الأمريكى باراك أوباما والروسى ديمترى ميدفيديف، فى أول محادثات مباشرة بينهما، والذى سيناقشان فيه احتمال تخفيض مخزون الصواريخ النووية وتنسيق الضغوط على إيران لعدم تطوير أسلحة من هذا النوع. ولهذا، فإن الفارق بين قمة الدوحة وقمة لندن لا يحتاج إلى توضيح.
