لقد أثار إعلان المرشد العام للإخوان مهدى عاكف عن عدم ترشحه لدورة أخرى لمنصبه، كثيراً من الجدل فى الشارع السياسى، وقد قسم السياسيون هذا الأمر لقسمين، أولهما يؤكد أن ما قام به عاكف سابقه تاريخية فى الحياة السياسية المصرية، وأن الإخوان أعطوا النموذج السلمى فى تداول السلطة دخل مؤسساتهم، أم الفريق الثانى فقد شكك فى نوايا الجماعة نحو هذا الأمر، وأكدوا أنه مجرد فرقعة إعلامية هدفها كسب مزيد من الأرض السياسية للجماعة وتحريك الرأى العام نحوهم.
ولن أخوض فى مواقف السياسيين من الحدث، لكن علينا أن نخلص لمجموعة من الحقائق ترتبت على هذا الحدث، الذى يعد من وجهة نظرى أنه حرك الماء الراكد فى الحياة السياسية المصرية التى تئن من الاحتقان والفساد ومن هذه الحقائق:
* إن ما قام به مرشد الإخوان يعد خطوة جريئة انفردت بها الجماعة، فما وجدنا حزباً ولا قوة سياسية أقدم على هذا الأمر، بل إن مشاكل الأحزاب كلها تكمن فى الصراع على المراكز القيادية، ولم نسمع عن تداول سلمى داخلها للمناصب، بل تشهد المحاكم المصرية كماً كبيراً من قضايا النزاع على رئاسة الأحزاب، وما خلافات الوفد والأحرار والغد والتجمع والأمة وحتى الناصرى عنا ببعيد، كما أرى أن الأحزاب السياسية المصرية أصبحت مطالبة بقوة أن تقدم مبادرات مماثلة، وأن تجدد دماءها بكوادر شبابية حزبية تدفع العمل السياسى للأمام، فليس من المنطق أن يطالبوا النظام الحاكم بالتغير، وهم قد فشلوا فى إحداثه بصفوفهم.
* إن مبادرة عاكف وضعت الحزب الوطنى وقياداته الذين التزموا الصمت نحو الحدث فى مأزق كبير، فكلنا نعلم مدى قوة الصراع داخل الحزب الوطنى على المناصب القيادية، خاصة بين ما يعرف بالحرس القديم والجديد، فالقوتان تحاول بكل ما تملك من قوة أن تسيطر على المناصب الكبرى بالحزب، وما سمعنا حتى عن أمين محافظة بالوطنى تقدم باستقالته ليكون عضواً عادياً يخدم حزبه وينشر أفكاره، لكن سمعنا عن آلاف من أعضاء بالوطنى انشقوا عن حزبهم، عندما يحاول الوطنى تغيير قياداته أو مرشحيه للمجالس البرلمانية أو حتى المحلية، لذا على الوطنى أن يقدم مثالاً أقوى مما قدمه منافسه اللدود.
* بل نجد إن مبادرة عاكف أعادت المناصب الحكومية نفسها للمشهد السياسى من جديد، وجعلت الكثير من أبناء شعبنا يتساءلون لماذا لا يقدم الوزراء ورئيس الوزراء نفسه، ومختلف قيادات النظام، قرارات مماثلة بالتقاعد عن مناصبهم، خاصة بعد توالى قضايا فساد فى وزارتهم والفشل الواضح لسياستهم، أعقمت مصر أن تنجب أمثال هؤلاء، أم هم قيادات من طراز خاص كُتب على المصريين أن يعيشوا تحت إمرتهم ما داموا أحياء؟!
* بل لابد أن نعترف جميعاً أن نموذج الديمقراطية الأمثل لم يطبق بشكل واضح فى تشكيل سياسى، إلا داخل جماعة الإخوان المسلمين التى ربت أعضاءها على الشورى والديمقراطية، فليس هناك منصب داخل الجماعة لا يتم اختيار ممثله إلا عن طريق الانتخاب، فما سمعنا عن شللية أو محسوبية أو مكانة مالية تحكم اختيار مناصبهم، بل نجد أن معظمهم يهرب من هذه المناصب، ليس خوفاً من المحاكم العسكرية ولكن استشعاراً بالمسئولية والحساب عنها أمام الله كما يعتقدون.
* إن هذا الحدث لم يقف ردود أفعاله عند الحدود المصرية، بل نجد المنظمات الحقوقية والصحافة العالمية رصدت الأمر لدرجة أن مجلة فورين بوليسى الأمريكية، وصفت ما قام به عاكف بأنه لحظة فارقة فى التاريخ المصرى.
علينا جميعاً أن نطالب بتغير شامل للحياة السياسية، فقد سئمنا الوجوه التى طال مقامها على كراسى المناصب، وعلى السياسيين أن يفسحوا الطريق أمام الكوادر الشابة، ويعطوا لهم الفرصة ليثبتوا للعالم أن مصر دوماً ولادة، ومليئة بالقادة الذين ينتظرون لحظة العطاء لوطنهم الحبيب، كما على النظام المصرى أن يقًدم على تغيير جذرى ويسمح للقوى السياسية والحزبية أن يشاركوه القرار، فكفى انفراداً بالحكم بدعوى الأغلبية الكاذبة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة