من يد الوزير يسرى الجمل إلى يد الأمن، انتقل ملف كادر المعلمين، هذا ما كشفته جلسة تفاوض سرية جرت الثلاثاء الماضى بين المعلمين المطالبين بصرف الكادر ووزارة التربية والتعليم داخل مكتب أمن الوزير، وبأوامر من مسئول أمنى كبير، رفض الكشف عن اسمه لطرفى التفاوض، مكتفياً بتعريف نفسه أثناء الجلسة على أنه يعمل بجهاز أمنى "حساس"، وأن مهمته إنهاء أزمة الكادر بشكل فورى.
فلم يكن يدور بمخيلة الـ50 معلماً الذين ذهبوا للتظاهر أمام ديوان الوزارة، أن الوزير سيطلب التفاوض معهم فى أقل من ساعتين، فلم تكن تلك تظاهرتهم الأولى، فيما كان الجمل يتجاهل تحركاتهم السابقة، إلا أنهم فوجئوا هذه المرة بممثلهم عبد الحفيظ طايل رئيس مركز الحق فى التعليم تُفتح له أبواب الوزارة، التى كانت موصدة أمامهم لفترة طويلة.
فى البداية ظن طايل أنه سيقابل أحد مساعدى الوزير، لكنه وجد نفسه فجأة أمام المسئول الأمنى الكبير، وبعد أن تبادلا كلمات قليلة، طلب "طايل" تحديد موعد للتفاوض مع وزارة التربية والتعليم خلال أسبوع، إلا أنه اندهش برد المسئول الكبير "ولما لا تكون هذه الجلسة الآن؟" هنا أدرك المعلمون أن ملف الكادر صار ملفاً أمنياً خالصاً.
المسئول الأمنى الذى أكد أن مهمته هى حماية شخص الوزير"المحترم"، بدأ المفاوضات باستدعاء الدكتور محمود عابدين رئيس الأكاديمية المهنية للمعلم، الذى كان جالساً حينها فى مكتب مساعد الوزير طالباً حضوره على وجه السرعة.
وفى أقل من 5 دقائق حضر عابدين ليبدأ التفاوض مع مندوب المعلمين حول نقطة حددها الأمن، وهى إمكانية تنازل وزير التربية والتعليم عن شرط خوض اختبار الكادر فى سبيل صرف الزيادات المالية لـ125 ألف معلم، وذلك فى مقابل أن يتنازل المعلمون بدورهم عن الدعاوى القضائية التى أقاموها ضد الوزير أمام مجلس الدولة بعدم دستورية الاختبارات، مستندين إلى أن القانون 155 لسنة 2007 نص على صرف الكادر فى 1/7/2008، بينما بدأ الامتحان فى منتصف أغسطس الماضى، أى بعد الموعد الذى حدده القانون بأكثر من شهر، ولم ينسَ المسئول الأمنى أن يعاتب ممثل المعلمين على حشد المتظاهرين أمام الوزارة قائلاً "باب الوزارة مفتوح أمامكم بدون أية شوشرة، وأنا سأتكفل بأن يجلس أى مسئول وزارى للتفاوض حول مطالبكم".
فتح الأمن لباب التفاوض شجع ممثل المعلمين على عرض 3 مطالب على رئيس أكاديمية المعلم أثناء جلسة التفاوض، وهى تسكينهم على مستويات الكادر الوظيفية، وصرف أموال الكادر بأثر رجعى من 1/7/2008 كما ينص القانون، وثالثاً تدريب المعلمين قبل أية اختبارات كادر مقبلة.
ولما كانت هذه المطالب تحتاج إلى فحص ودراسة أولاً من قبل مسئولى الوزارة لمعرفة مدى قانونيتها، طلب محمود عابدين من الأمن منحه مهلة كافية للرد عليها. وهنا تدخل المسئول الأمنى الكبير ليصدر تعليمات لها قوة القرار الوزارى، وهو ما وضح من التزام د.عابدين بها رغم أنها لم تصدر من رئيسه المباشر وهو الوزير، بأن تعقد الوزارة جلسة تفاوضية مع 26 ممثلاً لشبكة روابط معلمى مصر يوم الخميس الذى تلا هذا اليوم، مع منح الدكتور عابدين مهلة يوم واحد للرد على أسئلة المعلمين.
لم يكتف المسئول الأمنى بذلك بل طلب من د.عابدين قبل انتهاء الجلسة بحث مدى إمكانية موافقة الوزارة على إدخال 125 ألف معلم لم يخوضوا اختبارات الكادر الماضية فى ملحق راسبى الكادر الذى يعقد فى 25 أبريل المقبل، رغم أن الوزير سبق وحدد أغسطس المقبل موعداً لاختبار من لم يخوضوا الامتحان الماضى.
تلك القرارات الأمنية ذات التأثير الوزارى رد عليها محمود عابدين ساخراً "جرى إيه يا سيادة اللواء إنت معانا ولا معاهم؟" لتنتهى بعدها جلسة التفاوض بعبارة وجهتها الشخصية الأمنية "الحساسة" لممثل المعلمين "أظن كده إحنا حققنا رغبتكم عشان كده مش عايز ولا معلم واقف قدام الوزارة خلال 5 دقائق".
التمادى فى سيطرة الأمن على ملف الكادر بدا واضحاً بإلغاء الجلسة الثانية من المفاوضات بين المعلمين والوزارة بمكالمة هاتفية من المسئول الأمنى الكبير أبلغ فيها عبد الحفيظ طايل ممثل المعلمين، أن الدكتور يسرى الجمل أبدى مرونة واضحة فى مناقشة المطالب الأربعة للمعلمين، لكنه طلب تأجيل الجلسة لمنتصف الأسبوع المقبل، على أن يتم التفاوض مباشرة بين الوزير ومجلس نقابة المعلمين، وهو الاقتراح الذى وافق على تنفيذه المسئول الأمنى الكبير.
مسئول أمنى يدير المفاوضات بين المعلمين والوزارة ويصدر القرارات نيابة عن الجمل
الأحد، 29 مارس 2009 08:19 م