طارق جابر يكتب: الديمقراطية المفترى عليها

الأحد، 29 مارس 2009 05:02 م
طارق جابر يكتب: الديمقراطية المفترى عليها

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعض السجال الذى يدور حول الديمقراطية فى بلادنا، يراوح حول فكرة عدم صلاحية مجتمعنا للنموذج الديمقراطى، باعتبار نسب الأمية بين الناس، وباعتبار طبيعة القوى السياسية المرشحة لتولى مقاليد الأمور حال ترك صناديق الانتخاب لتعكس الأصوات الحقيقية للناخبين.

واقع الحال أن هذا السجال يفتقد المصداقية والجدة والمعقولية، رغم ظاهره الجاد ومنطقه الذى يبدو معقولاً، والمصداقية التى تضفيها عليه بعض التجارب التى يستشهد بها، كنموذج حماس فى غزة وجبهة الإنقاذ فى الجزائر وغيرها.

من الناحية المبدئية، فإن فكرة أو مشروعاً أو حلماً يراد تحقيقه فى الواقع، لابد أن يواجه عوائق وعقبات ومشكلات، وفى حال توافر النوايا الصادقة والجدية فى التوجه والمنهج العلمى فى العمل، فإن المسار الطبيعى يكون حصر والتنبؤ بهذه العوائق والعقبات والمخاطر والتوقى منها، وخلق نموذج عمل قادر على التعامل مع ما يستجد ويطرأ فى هذا المجال لتذليله وتعبيد الطريق نحو تحقيق المشروع أو الفكرة أو الحلم.

من هنا، فإن التفكير بمنهج أن حلم أو مشروع الديمقراطية فى بلادنا تقف أمامه عقبات كدرجة ومستوى التعليم لدى المواطنين، وكاحتمال استخدام بعض القوى السياسية للديمقراطية كأداة للوصول إلى الحكم ثم النكوص على القواعد الديمقراطية والانفراد بالحكم، وكأن الوضع القائم ليس انفراداً بالحكم، ومن ثم الخلوص إلى صحة تأجيل تنفيذ المشروع دون حتى طرح برنامج أو خطة للتعامل مع هذه العقبات، التفكير بهذه الطريقة لا يعدو كونه ذريعة لإجهاض المشروع والحلم، وبقاء المستبدين بالسلطة المحتكرين للنفوذ فى مواقعهم.

أعتقد أن خليطاً من سوء الفهم وسوء القصد هو ما يحرك مثل هذا السجال العبثى، فمن حيث سوء الفهم توجد مغالطة مفادها أن الديمقراطية من شأنها أن تفرز أو تنتخب الأفضل، وهى فكرة غير صحيحة، لأن الديمقراطية من شأنها فقط أن ترفع احتمال إفراز وانتخاب الأفضل، لكنها بشكل أساسى هى الضمانة لحركات التصحيح الذاتى السلمية، ومن ناحية أخرى هى الكافل لأن ما يتم إفرازه أو انتخابه ليس الأفضل ولكن ما تجمع عليه الأغلبية، وترى من وجهة نظرها أنه قد يكون الأفضل.

إن من يتحجج بأن الديمقراطية لن تفرز بالضرورة فى بلادنا الأفضل، يتلاعبون بهذه المغالطة، وفى حين يستثمرون هذه الفكرة بسبب نقص وعى عموم الناس، فإنهم يسيئون فهم وترويج معنى الديمقراطية من ناحية، ويغفلون حقيقة مناقضة؛ إذ أنه فى واحدة من أعرق الديمقراطيات ولدى شعب من أكثر الشعوب تقدماً وتعليماً، ونحن نتحدث عن الولايات المتحدة الأمريكية، فقد انتخب المواطن الأمريكى الرئيس جورج بوش الابن لفترتين رئاسيتين، وهو ما قاد البلاد إلى مستنقعات ومآزق بلا حصر، وأسهم فى تردى أوضاعها وتراجع صورتها على النحو الذى يجمع عليه العالم اليوم.

وربما لو قام أحد باستطلاع آراء الشعب الأمريكى حول ما إذا كان سيعيد انتخاب بوش الابن لفترة رئاسية وفترة ثانية، لو أن الزمان عاد به للوراء لجاءت نتيجة الاستطلاع على الأغلب بالنفى.

إن هذا المثال يجلو المقصود، فالديمقراطية هنا لم تضمن ولم تعن انتخاب الأفضل، لكنها بكل تأكيد عبرت عن ميول الأغلبية من الناخبين فى لحظة معينة، ولكن الأهم هنا هو أنها ضمنت تصحيح الناخب الأمريكى الذى لم يحل مستوى تعليمه ووعيه دون وقوعه فى خطأ وتكراره لمدتين بانتخاب رئيس أصبح يوصف بالأسوأ والأغبى فى تاريخ الولايات كله، بإعطاء صوته لمن عبر عن توجهات تصحيحية لذات السياسات التى فرضها الحزب والجماعة التى منحها الناخب ثقته، وعاد فسحبها منه فى ظل نظام يعيد تقييم سياساته باستمرار، ويفرز البدائل القابلة للتجريب والاختبار دون توقف.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة