كثيراً ما نتساءل عن معنى الحريم؟ وعن ما تفعله النساء فى هذه البيوت الكبيرة، حيث يلعب الرجل دوراً مهماً فى السيطرة الكاملة على حياة مجموعة من النساء يعشن تحت سقف بيته.
هل الحريم خاص بالشرق أم أن الغرب له حريمه الخاص أيضا؟ وهل الحريم يقتصر على النساء أم أن للرجال حريم كما النساء؟.
من أجل رؤية الحريم بين الشرق والغرب سنبدأ بقراءة رواية (العابرة المكسورة الجناح، شهرزاد ترحل إلى الغرب) للكاتبة المغربية فاطمة المرنيسى والتى حملت أفكارها حول الحريم الشرقى ورحلت إلى الغرب لتقول، إن المرأة فى الحريم الشرقى كانت فى سجن كبير حرمت بسببه من الكثير من الحقوق، بينما كان الغرب يصورونه مكاناً للهو وللصراع الجنسى بين النساء والتى تتغلب فيه القوية على الضعيفة والهدف الوصول إلى الرجل.
قررت فاطمة السفر إلى الغرب تبعاً لنصيحة جدتها التى كان يشكل اجتياز الحدود بالنسبة لها امتيازا وطريقاً للتخلص من العجز والقيود (نساء على أجنحة الحلم، المرنيسى)، ومن خلال سفرها اكتشفت حريماً آخر تعيش فيه النساء الغربيات، وإن لم يكن واضحاً للعين فإنه حريم أخطر بكثير من الحريم الشرقى.
إن المرأة فى الغرب تواجه أسلحة كثيرة يحاول الرجل والمجتمع يدا بيد سجنها من خلالها، المكياج، والوزن المثالى، ومقاييس الجمال العالمية، ودور الأزياء العالمية، وإذا دققنا النظر، فأننا نجد أن من يصنع عطر المرأة هو رجل، ومصمم الأزياء رجل ومصفف الشعر رجل، يصنع هؤلاء الرجال المرأة المثالية التى فى خيالهم ويطبقون ما يفكرون به على زبوناتهم من النساء، خلال عملية تصميم الأزياء مثلاً لا ينسى الرجل أنه رجل، وبالتالى فإنه يبرز جسد المرأة كما يحب هو أن يراه، يصنع عطراً يرغب بشمه على الأنثى التى أمامه وهكذا.
من هنا نستشف أن المرأة فى الغرب لم تكن ولن تكون أبدا حرة ولا تستطيع ولا يحق لها أن تنظر للشرقية بعين الحزن والشفقة، لأنها تعيش طوال الوقت تحت رحمة الرجل وقراراته، بينما يقرر لها الغربى ما تلبس وكيف تصفف شعرها ورائحة جسدها إلى آخره.
وكما كتب باولو فريرى فى كتابه "المعذبون فى الأرض" فإن الخطوة الأولى للتحرر هى معرفة المضطهد أنه مضطهد، فإذا لم تعرف المرأة الغربية أنها تعيش فى حريم أخطر من الحريم الذى تعيش فيه الشرقية، فأنها ستظل تنظر إلى نفسها على أنها تعيش أفضل بكثير من المرأة الشرقية التى يكبل الرجل حياتها، فى حين أنها لا تدرك مدى عمق وخطر الحريم الذى تعيش فيه.
وبالعودة إلى الحريم فى الشرق، فإننا نستطيع أن نقول بأن الغرب قد رسموا حريم الشرق ومثلوه بشكل نساء عاريات تماماً يسبحن فى مسابح فخمة، ويرتدين أحياناً أفخم الثياب التى تشف عن أجسادهن، كانت الغواية تشكل عنصراً أساسياً فى الصورة التى نقلها الرسامون الغرب إلى مجتمعاتهم عن الشرق فى حين أنه لم يكن مسموحاً لأى كان بدخول الحريم إلا صاحبه، فكيف استطاع هؤلاء رسم صور لأماكن لم يزوروها قبلاً؟.
ومثال آخر على ذلك تصوير ياسمين فى فيلم علاء الدين والمصباح، رغم أنها عربية، إلا أن وولت ديزنى صورتها بملابس غربية عارية وطريقة الشعر والمكياج لا توحى بثقافتها ولا بالعصر الذى يمثل القصة.
كما تعيش النساء بين الشرق والغرب فى حريم رسمه لهن المجتمع والعادات والتقاليد، فإن الرجل أيضا بين الشرق والغرب يقع ضحية لحريم من نوع آخر رسمه له المجتمع ورسخه، وسأعطى على ذلك مثالاً بسيطاً وهو البكاء، حيث لا يستطيع أى رجل سواء فى الشرق أو الغرب أن يبكى كما تفعل المرأة إلا وينظر إليه نظرة مختلفة ويشك البعض برجولته وانتمائه إلى جنسه، فيقال البكاء للنساء فقط وإن كنت رجلاً فلا يجدر بك أن تذرف دموعك أبدا.
إن لكل مجتمع حريم يعيش به الرجل والمرأة، وذلك بحسب الزمان والمكان، وتتغير طرق السيطرة والقيود التى يفرضها المجتمع عليهما، فحينما قرر المجتمع الصينى أن المرأة الصينية تكون أجمل كلما كانت قدمها أصغر كأقدام الأطفال، من هنا قام البعض بإلباس الفتيات أحذية من الحديد لضمان بقاء أقدامهن صغيرة.
وإذا كانت المرأة العربية المسلمة مقيدة بحجابها (إذا سلمنا بهذا القول) فالمرأة الغربية مقيدة بسفورها، وإذا كان الرجل الشرقى محكوماً بعادات وتقاليد مجتمع، فإن الرجل الغربى محكوم بخيالات وأفكار ومغامرات جنسية غالبيتها غير واقعية، فبالتالى كلنا ذكور وأناس شرقيين وغربيين نعيش كلنا فى حريم اسمه المجتمع، شئنا أو أبينا، يحدد لنا طعامنا عطورنا وحتى ألوان أظافرنا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة