غياب التشريعات وقصور أنظمة الأمان والعجز فى الكوادر البشرية .. 3 أسباب لحرائق القاهرة المتتابعة

السبت، 28 مارس 2009 10:59 م
غياب التشريعات وقصور أنظمة الأمان والعجز فى الكوادر البشرية .. 3 أسباب لحرائق القاهرة المتتابعة عمارات وسط البلد .. شرارة حريق القاهرة الثانى
كتب وائل ممدوح

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اشتعلت 5 حرائق كبيرة فى مناطق مختلفة بالقاهرة خلال شهر مارس فقط، بالإضافة لـ 50 حريقاً كبيراً فى محافظات مصر المختلفة خلال الشهر الماضى فقط، حريق عمارة رمسيس ثم جراح الأوبرا وقبلها حريق جروبى، كلها تعاقبت خلال أيام قليلة، ليكتمل مسلسل الحرائق الذى بدأ بمجلس الشورى، وما زال مستمراً حتى إشعار آخر.

أين الأزمة
استمرار الحرائق بهذا الشكل المتكرر يؤكد وجود أزمة فى تشريعات الدفاع المدنى ونظم الإنذار ضد الحرائق، يفضحها تتابع نشوب الحرائق رغم محاولات احتواء الأمر من الأجهزة المختصة، بحسب كلام اللواء نادر نعمان، استشارى الوقاية ومكافحة الحريق، الذى أضاف أن مفهوم الوقاية من الحريق يبدأ بالتشديد على إجراءات الأمان، ونظام الإنذار الذى مازال زال غائباً، فضلاً عن أن التشريعات الخاصة بالدفاع المدنى تتوقف عند حد منح الترخيص من إدارة الحماية المدنية بوزارة الداخلية، دون أن تعطيها سلطة التفتيش والمتابعة بشكل دورى.

ولفت اللواء نعمان إلى أن جميع المنشآت التى بنيت قبل إصدار كود الحرائق المصرى تعانى من مشاكل فى احتياطات الأمان ضد الحريق، وأكد أن ذلك هو السبب الرئيسى لأغلب حرائق مبانى وسط القاهرة "القاهرة الخديوية"، ويؤكد د.رأفت شميس الخبير بالمركز القومى لبحوث الإسكان، أن كوداً خاصاً بالحريق صدر به قانون منذ التسعينيات لتطبيقه على كل المنشآت الجديدة أو التى يتم تجديدها، إلا أن المبانى التى طبقت الكود فى مصر لا تتعدى 1% على أقصى تقدير.

ورغم أن كود الحرائق هو التشريع الوحيد الذى يحدد مواصفات واشتراطات أمن الحرائق، إلا أنه لا يوجد تشريع ملزم بتطبيقه، ولا توجد جهة حكومية مختصة بذلك، بحسب تأكيد اللواء دكتور عبد الحميد عمران، استشارى نظم الإنذار والإطفاء، الذى أضاف أن علاقة المنشآت بالتأمين ضد الحرائق تتوقف عند ترخصيها للمرة الأولى، دون أن يكون هناك متابعة حقيقية فيما بعد، ويتفق معه فى الرأى اللواء نادر نعمان، ويضيف أن القانون المصرى يعطى لإدارة السلامة والصحة المهنية بوزارة القوى العاملة سلطة تفتيش المنشآت الإدارية والتجارية، بينما تختص الأحياء والمحليات بمنح تراخيص المنشآت السكنية، لكن هذا القانون لا يعطى لتلك الجهات سلطة متابعة نظم الأمن واحتياطاته بعد الترخيص، للوقوف على أى إهمال من الممكن أن يتسبب فى الحرائق بعد ذلك.

إهمال اشتراطات الوقاية من الحريق
قال اللواء نادر نعمان، إن معظم المنشآت تهمل اشتراطات الوقاية من الحريق بمجرد حصولها على الترخيص، فتزيل سلالم الهروب، أو تزيل طلمبات المياه الموصلة للأدوار العلوية، وأشار إلى حريق "الحرية مول" الذى تضاعفت خسائره بسبب الإهمال، بعد أن استخدمت إدارته سلالم الهروب فى تخزين البضائع، مما أعاق عمليات الإطفاء والإنقاذ، وضاعف من الخسائر، وأكد نعمان أن ذلك راجع إلى ضعف وعى الأخطار لدى الشعب المصرى، وعلق على ذلك بقوله "لو مكانش فيه إلزام بوجود طفاية الحريق فى العربية، محدش هيجيبها، فما بالك بنظام إطفاء واشتراطات أمان لا تصاحبه تشريعات وقوانين رادعة؟!".

تفسير انتشار الحرائق على خلفية إهمال اشتراطات الأمان قد يبدو مبالغاً فيه للبعض، لكن المقارنة بين المبانى الإدارية الخاصة أو الحكومية، وتلك الخاصة بالسفارات أو البنوك الأجنبية تشير بوضوح إلى أهمية تلك الاشتراطات فى الحفاظ على المنشآت من مخاطر الحريق، ففى مقابل عشرات الحرائق التى أصابت مبانٍ حكومية وخاصة، لم يصب أى مبنى تابع لبنك أجنبى، أو لسفارة أجنبية بحريق يصعب السيطرة عليه، نتيجة لأن الجهات الأجنبية تدرك تمام أهمية أمن الحرائق، دون أن يكون ذلك مرتبطاً بتشريع أو قانون، لأنه فى النهاية تأمين لها.

أهمية اشتراطات الأمان ومكافحة الحريق ليست المعيار الوحيد لتأمين المنشآت من الحريق، لكنها عنصر من عناصر معادلة، يجب أن تتكامل لتحقق الغرض الأساسى منها، بحسب تأكيد اللواء عبد الحميد عمران، فوجود نظام إنذار يعمل بكفاءة فى المبنى أو المنشأة ليس كافياً وحده لتأمين المبنى من الحرائق، بل يجب أن تقابله كوادر مدربة على التعامل مع نظام الإنذار لتتحرك بمجرد انطلاق الإنذار، وتبدأ فى مواجهة الحريق بالطريقة المناسبة للحد من انتشاره، وتقليل آثاره وخسائره، قبل قدوم الدفاع المدنى وسيارات الإطفاء. وأكد عمران أن وجود العناصر المدربة على التعامل مع الحرائق فى المبنى يساعد بدرجة كبيرة فى احتواء الحريق وتقليل الخسائر.

تكامل اشتراطات الأمان
المهندس خليل أمين عبد الكريم، استشارى الحرائق وعضو الجمعية المصرية لمكافحة الحريق، اتفق مع عمران فى تأكيده على ضرورة تكامل اشتراطات الأمان، مع وجود نظم إنذار وإطفاء فعالة، وكوادر بشرية مدربة وقادرة على التعامل مع تلك النظم، ومع الحرائق على اختلاف أنواعها، وأكد أن أكبر دليل على ذلك ما حدث فى حريق عمارة رمسيس بوسط القاهرة، والذى كان السبب الرئيسى فيه عدم التزام ملاك المبنى بالغرض الذى صمم من أجله، فعمارة رمسيس منشأة سكنية من البداية، وحصلت على ترخيص الدفاع المدنى الخاص بها على هذا الأساس، لكن الملاك عمدوا فى الفترة الأخيرة إلى تعديله إلى مبنى إدارى، مما تسبب فى زيادة الأحمال على وصلاته الكهربية، مما تسبب فى حدوث الماس الذى أطلق شرارة الحريق الأولى، قبل أن يتسبب غياب نظم الإنذار والإطفاء، والكوادر المدربة فى انتشار الحريق بشكل كبير، أدى فى النهاية لفشل الدفاع المدنى فى السيطرة عليه بعد ذلك.

المثال السابق، فضلاً عن أنه يؤكد على أهمية تكامل عناصر الأمان التى أكد عليها الخبراء، يكشف كذلك على أهم أسباب انتشار الحرائق فى المبانى التاريخية والقديمة بوسط القاهرة، وهو تغيير نشاط تلك المبانى من السكنى إلى التجارى، مما يحمل وصلاتها الكهربية بأكبر من حملها الطبيعى، فتحترق وصلاتها الكهربية، وتطلق شرراً أو ما يحلو لرجال البحث الجنائى تسميته بـ "الماس الكهربى"، ليتسبب فى الحريق الذى يجد الجو ملائماً لينتشر ويتمدد فى المبنى، دون أن يردعه رادع، ولذلك السبب تحديداً أكد المهندس خليل عبد الكريم على وجود كارثة محققة بمنطقة وسط القاهرة، التى تعج بالمنشآت القديمة التى تحولت من منشآت سكنية إلى تجارية وإدارية، بشكل يضاعف أحمالها مرات عديدة، وشدد على ضرورة إصدار تشريع يقضى بإلزام المنشآت القديمة بالغرض الذى استصدرت ترخيصها لأجله، وطالب بضرورة قيام الجهات المختصة بحملات واسعة على منشآت وسط القاهرة القديمة، للوقوف على المخالفات والتجاوزات المتعلقة بتغيير النشاط المعلن فى الترخيص، ومراقبة اشتراطات الأمان فيها، وفرض ما يحتاجه المبنى أو المنشأة لاستكمال منظومة الأمان الأساسية للسيطرة على أى حريق قبل أن ينتشر وتضاعف خسائره.

وشدد عبد الكريم فى تحذيره من خطر مبانى وسط القاهرة، مؤكداً أن خسائر حرائقها أضعاف خسائر حرائق المبانى الأحدث، لأسباب عديدة أهمها نسبة الأخشاب الكبيرة التى تدخل فى تكوين تلك المبانى، وتقارب المبانى من بعضها مع زحام منطقة وسط القاهرة الشديد، بشكل يصعب من مهمة سيارات الإطفاء، ويهدد بانتشار الحريق فى المبانى المجاورة، ووقتها يمكن دون مبالغة، بحسب تأكيد عبد الكريم، أن يتسبب انتشار الحريق بين المبانى فى تكرار حريق القاهرة الشهير فى الألفية الثالثة.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة