د. محمد مورو

ديربان (2)

السبت، 28 مارس 2009 10:25 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إذا كان مؤتمر ديربان (1) الذى انعقد فى جنوب أفريقيا عام 2001 قد أظهر بصورة واضحة مدى ازدواج المعايير الغربية والأمريكية، ومدى استمرار القوى الغربية فى الظلم وعدم رغبتها فى الإقلاع عنه، فإن مؤتمر ديربان (2) والمقرر عقده ـ إن عقد أصلا ـ فى جنيف فى الفترة من 20 – 24 أبريل 2009 جاء ليكرس هذه الحقائق.

المؤتمر "هو مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة العنصرية"، وقد طالب المجتمع الدولى فى ديربان (1) باعتبار إسرائيل كياناً عنصرياً ومناهضة هذه العنصرية الإسرائيلية، إلا أن ذلك لم يرق ساعتها للولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية فانسحبت من المؤتمر، أكثر من هذا أن المؤتمر طالب بدفع تعويضات للسود عن مراحل العنصرية ضدهم وأشكال الظلم التى تعرضوا لها، وأن يتم اعتذار الدول الأوروبية والولايات المتحدة عن هذه الممارسات، ولكن ذلك أيضاً لم يحظ بقبول تلك الدول وراوغت شمالاً ويميناً حتى أفلتت من هذا الاستحقاق، وبعيداً عن مدى الظلم الذى يترتب على ذلك، إلا أن المعنى الأخطر هو أن الأجيال الأوروبية التى مارست اضطهاد واسترقاق وظلم السود لم تكن حالة أوروبية شاذة أو عابرة، بل هى تعبير عن وجدان عنصرى حقيقى فى العقل الأوروبى، وفى البنيان الأساسى للحضارة الغربية، وإلا لماذا يصر الجيل الحالى من الأوروبيين على عدم الاعتذار ودفع التعويضات الملائمة..

وبديهى أن إفراغ القارة من سواعدها الشابة لعدة قرون بسبب الاسترقاق (حوالى 100 مليون أسود أفريقى من الشباب القادر على العمل تم استرقاقهم، أى حوالى 30 ضعف عدد سكان إنجلترا فى ذلك الوقت، حيث كان يبلغ عدد بريطانيا فى تلك الفترة 3 ملايين نسمة فقط)، هذا العمل أثر بالضرورة على التطور الاقتصادى والاجتماعى فى أفريقيا، وهو أحد أسباب معاناتها حتى الآن، هذا بالإضافة طبعاً إلى موت عدد كبير من الأرقاء فى رحلة العذاب من أفريقيا إلى أوروبا وأمريكا عبر البحار، سواء بالغرق أو الأوبئة أو سوء الأحوال المعيشية التى أودت بحياة العديد منهم "بالملايين"، وهذا ابتلعه الضمير الأوروبى المطاط.

ولا يزال الظلم وازدواج المعايير والضمير الغربى المطاط هو ذاته ما يحدث الآن بشأن مؤتمر ديربان "2" المزمع عقده فى جنيف، فهناك تحريض غربى سافر للعديد من الدول على مقاطعة المؤتمر، بهدف منع عقده، وهناك بالفعل عدد من الدول أعلنت أنها لن تحضر المؤتمر أصلاً، لأن هناك اتجاها داخل المؤتمر لوصف الصهيونية بالعنصرية، وهل هناك وصف آخر للصهيونية إلا العنصرية، ما معنى تفريغ بلد من سكانه الأصليين المولودين على أرضه وإعطاء الجنسية لكل يهودى تطرق قدماه أرض فلسطين، أليست هذه هى أسوأ أنواع العنصرية، ثم بماذا يمكن أن نصف الحرب الإسرائيلية على غزة، أليست هذه إبادة جماعية لم تجف دماؤها حتى الآن وشاهدها العالم كله بالصوت والصورة، ناهيك عن الجدار العازل وتصريحات وممارسات قادة اليمين الإسرائيلى الذين أفرزتهم انتخابات 2009 فى إسرائيل.

الدول التى انسحبت هى الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وإنجلترا وهولندا، وقد أطلق قادة الغرب حملة مسعورة لإدانة المؤتمر مسبقاً، بدءاً من إطلاق اسم ديربان "2" عليه والمفروض أن يكون مؤتمر جنيف للأمم المتحدة لمناهضة العنصرية 2009، ولكننا نقبل ونرحب بإطلاق ديربان "2" على المؤتمر تذكيراً بديربان "1" لأن مناهضة الصهيونية واعتبارها عنصرية أمر أخلاقى يتمسك به كل الشرفاء فى العالم. وعلق وزير خارجية هولندا على المؤتمر بقوله "إن المؤتمر سوف يشكل سيركاً دعائياً لتشويه سمعة إسرائيل"

الحقيقة العارية المترتبة على هذا السلوك الغربى الأوروبى الأمريكى هو أن الصهيونية ليست وحدها هى العنصرية، بل الحضارة الغربية بكاملها فى جوهرها عنصرية، مع بعض الاستثناءات طبعاً التى تؤكد القاعدة.

ولعل من المفارقات أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما والذى كان انتخابه محاولة أمريكية لمحو السمة العنصرية عنها، هو نفسه الذى أعلن مقاطعة المؤتمر، مما يجعلنا نشك فى أن أوباما ذاته هو اختراق أمريكى ومحاولة للتجميل لا تصل إلى جوهر العنصرية الأمريكية، التى لا تزال عنصرية حتى النخاع حتى لو ارتدت قناعاً أسود يسمى حسين باراك أوباما.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة