نشرت سلطات الاحتلال الإسرائيلى يوم السبت الماضى قوات كبيرة بمدينة القدس المحتلة لمنع احتفاليات «القدس عاصمة للثقافة العربية 2009» بحجة مخالفتها للقانون الإسرائيلى، الذى يحظر على السلطة الوطنية ممارسة أى نشاط رسمى فى القدس، وذلك بعد إطلاق «أبومازن» فعاليات الاحتفالية فى المدينة العريقة وغزة وبيت لحم والناصرة ومخيم مار إلياس فى لبنان، إيمانا منه بمشاركة كل أبناء الشعب الفلسطينى فى مراسم الافتتاح الرسمى.
واختيار القدس عاصمة للثقافة العربية اختيار مربك، وأظنه فخا للثقافة العربية، وأخشى أن يستفيد منه المحتل، الاحتفالية ستستمر طوال العام، وحشد القوات فى اليوم الأول سيعطى انطباعًا لدى قطاع عريض أن أشقاءنا الفلسطينيين فى حاجة لوجودنا معهم، وهذا ما يريده الإسرائيليون بالضبط، يريدون أن يذهب المثقفون والأدباء العرب عبر مطار بن جوريون، ويتشرف «ختم العبور» بتلويث هويات السفر العربية، هم يريدون هذا بإلحاح وصفاقة لكى يحدثوا شرخا فى جدار رفض التطبيع المنيع، ولكى تبدو إسرائيل متسامحة ومحبة للثقافة، وليست مع أصحاب «النبرة الأزلية» الذين يؤكدون دائما على أنه ينبغى أن نذهب إلى هناك ومعرفة مجتمعهم عن قرب ومواجهتهم على أرضهم، وأصحاب هذا الرأى لا يعرفون خطورة «فركشة» الإجماع، والذين ذهبوا وعادوا لم يقولوا لنا شيئا غير الذى نعرفه، ولم يقدموا دعما للفلسطينيين ولم يمنعوا إسرائيل من القصف، ولم يجعلوا القدس عاصمة لفلسطين، خذ مثلا الروائى العراقى «المقيم بهولندا» نجم والى الذى ذهب أسبوعين وكتب كتابا عبيطا اسمه «رحلة إلى قلب العدو» «ترجم إلى العبرية مؤخرا» عبارة عن غزل فى العدو، استفز الشاعر والسياسى الإسرائيلى يوسى ساريد الذى كتب مقالا فى «هاآرتس» وترجمه نائل الطوخى فى أخبار الأدب، قال فيه «لقد أحب نجم والى إسرائيل وأحبنا، نحن الإسرائيليين، وهذا جيد ومشجع، كل من التقاه فى زيارته، بلا استثناء، من سائقى التاكسى وحتى الأكاديميين، هم أناس على ذوقه، مستنيرون ولطفاء، حتى نحن لم نكن نعرف أننا على هذه الشاكلة، كم هو جيد ولطيف أن نعرف هذا؟»، والى فى كتابه يحتقر إدوارد سعيد ويعتبره يبيع فى الغرب حبه للسلام كبضاعة، وحصد جوائز كثيرة ولكنه لم يسمع به أحد فى البلاد العربية.
ساريد قال إن «عرب إسرائيل سوف يجدون صعوبة فى التعرف على وطنهم وعلى بيوت آبائهم، كما يلوحون فى عين والى الذى يقول فى كتابه: الفلسطينيون الذين نجحوا فى البقاء هناك، يتمتعون بحقوقهم كمواطنين، يعبرون بشكل حر عن آرائهم وأوامر دينهم بدون الخوف من السجن، ينتخبون ممثليهم فى السلطات المحلية والبرلمان، يقيمون أحزابا تخصهم، ويعقب ساريد «الصورة التى يرسمها والى صائبة، ولكنها ليست كل الصورة، إنها نصف صورة فحسب، وهذا أسوأ من التشويه»، وأضاف: يا ليت يحدث ما يصفه، من فمه لأذن يهوه والله، وعدد له تصرفات العناصر القومية المتطرفة ضد العرب، وقال فى نهاية مقاله: والى لم يعرف إسرائيل فعلا فى الأسابيع القليلة التى قضاها بيننا. وإذا لم تعرف نفسك فلن تعرف الآخر.
الضيف العابر لا يرى أى عيب على كل حال، وسيظل ضيفا مقبولا ومرغوبا فى أرضنا، والتى سوف تكشف له عن نفسها بكامل تعقيدها، فى زياراته القادمة.
على الجانب الآخر، فاجأ موراكامى اليابانى الذى انتقدوه لأنه سافر إلى تل أبيب بمقال ضد إسرائيل وحربها على غزة - نشرت أخبار الأدب أيضا مقتطفات منه- واعتبرها «دولة قومية متعصبة، عسكرية، عدوانية» وحكى مشاهداته الموجعة، منها إخراج جندى إسرائيلى شاب عائلة كاملة من سيارتها «عربية بالطبع» وضرب الأب أمام أطفاله.
وحكى أيضا أنه سأل سائق التاكسى عن جدوى الجدار الأمنى الممتد على طول الطريق السريع فأجابه «لمنع الحيوانات من عبور الحدود».
القدس عاصمة للثقافة العربية، عنوان عريض لا يجب أن يخدعنا، علينا أن نحتفل بالقدس على طريقتنا وفى بلادنا، حبا فى فلسطين والفلسطينيين، وأتمنى أن تتبنى وزارة الثقافة المصرية، واتحاد الكتاب وأتيليه القاهرة ونقابة الصحفيين، الاحتفال بهذه المناسبة فى القاهرة والأقاليم، وأن يفعل هذا أيضا السعوديون والسوريون والمغاربة والليبيون واليمنيون، ولا ينساق أحد وراء دعاوى الذهاب لتحسين صورة المحتل، ولكى يتحقق الحلم بتحرير فلسطين.. وعاصمتها القدس.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة