قبل أيام أصدر مجلس علماء المسلمين فى الصومال فتوى تطالب بمغادرة القوات الدولية الأراضى الصومالية فى غضون أربعة أشهر، وهى الفتوى التى استندت إليها الحكومة الصومالية للمطالبة برحيل هذه القوات، فوفقاً لوزير الإعلام الصومالى فإن "الحكومة السابقة عملت على جلب المزيد من قوات حفظ السلام، ولكن من جانبنا فلا نريد أن نسلك نفس الطريق".
على الجانب الآخر، أصدرت هيئة علماء السودان فتوى تؤكد "عدم جواز" توجه الرئيس السودانى عمر البشير إلى الدوحة لحضور القمة العربية نهاية الشهر الجارى، خوفاً من "كيد الأعداء" و"لتفويت الفرصة عليهم"، وذلك فى ظل مذكرة التوقيف التى أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق البشير، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وهى الفتوى التى أكدت مصادر سودانية عديدة أنها ستكون المخرج أمام حكومة الخرطوم من مأزق المشاركة فى القمة التى سبق وأن أكد البشير أنه سيشارك فيها مهما حصل.
الحاصل الآن أن عددا من الأنظمة العربية أصبحت تقحم الدين فى السياسة، وتحاول استغلال العاطفة الدينية المتأصلة لدى الشارع العربى فى تمرير بعض السياسات والقرارات التى لا يستطيعون مواجهة المجتمع الدولى بها.
فكل من الصومال والسودان الآن أمام مأزقين، فالأولى تريد أن تطور علاقاتها مع المجتمع الدولى بعد انتخاب شيخ شريف شيخ أحمد رئيساً للصومال ، ولكنها فى المقابل ترفض فكرة الوجود العسكرى الدولى على أراضيها، ولكنها لا تستطيع المجاهرة بهذا الرفض، فلجأت لعلماء الدين الإسلامى لاستصدار فتوى تستخدم ككارت فى التفاوض مع المجتمع الدولى.
السودان من جانبه أوقعت نفسه فى مأزق، فالرئيس البشير أصبح الآن مطارداً من 109 دول مصدقة على النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية، وفى المقابل أراد أن يظهر للعالم تحديه للقرار الدولى بإعلان مشاركته فى القمة العربية بالدوحة، لكن يبدو أن الشقيقة قطر لم تستطع توفير الحماية للبشير، فعلى أرضها توجد أكبر قاعدة عسكرية أمريكية، فما كان من نظام الخرطوم إلا أن لجأ لعلماء السودان لإصدار فتوى تنقذه من مأزق النكوص عن وعده.
طبعاً من حق كل دولة أن تستخدم ما تراه من وسائل وطرق لتبرير سياساتها وقراراتها، لكن ليس من حق هذه الدول أن تصنع سوابق فى التعامل الدولى، لن تأتى إلا بالسلبيات أكثر من الإيجابيات. وإذا كنا قد اعترضنا على إقحام الدين فى السياسات الداخلية، فمن باب أولى أن نبدى ولو بعض التحفظ على إدخاله ضمن منظومة العلاقات الدولية.
الدين كما هو معروف لدى الجميع هو علاقة بين الإنسان وربه، وهو ينظم عددا من العلاقات الشخصية، وبه بالفعل إطار للتعامل بين الأمم بعضها البعض، لكن هذا من وجهة نظرنا، أما من وجهة نظر الغربيين فلا وجود للدين سواء كان إسلاميا أو مسيحيا أو يهوديا مكان فى المعادلة الدولية، التى تقوم على عدد من الوسائل والأساليب المشروعة وغير المشروعة التى لا نرضى نحن كمسلمين أن ندخل ديننا فيها، فإذا كانت التعاملات الدولية قد تقوم فى أحد عناصرها على الخداع، فهل نرضى أن ندخل الدين فى هذا الخداع؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة