لا تزال الصحف العالمية تواصل اهتمامها بتسليط الضوء على السلام فى الشرق الأوسط فى الذكرى الثلاثين لتوقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. إيان بلاك، مراسل صحيفة الجارديان البريطانية المخضرم، تطرق إلى هذا الشأن، أمس، الأربعاء، تحت عنوان "وعد الماضى"، وقارن بين ظروف السلام قبل ثلاثين عاماً والآن. وخلص إلى وجود ثلاثة أمور هامة ينبغى الاستفادة منها لإنهاء الصراع العربى الإسرائيلى بشكل تام.
يبدأ بلاك مقاله بالقول: "الأهرامات فى عينية والسلام فى سيجارة"، كانت هذه كلمات أغنية شعبية إسرائيلية تم تأليفها بعد قيام الرئيس أنور السادات بالسفر إلى القدس عام 1977. وقد أدت معاهدة السلام التى تم توقيعها قبل ثلاثين عاماً كنتيجة لهذه الزيارة إلى إثارة الكثير من العواصف. لكن من غير المحتمل على الإطلاق أن تتكرر الظروف التى أدت إلى الوصول إلى هذه المعاهدة.
فمصر، التى لا تتمتع فيها الاتفاقية بأى شعبية على الإطلاق، على الرغم من أن نتائجها كانت استعادة الأراضى التى احتلتها إسرائيل عام 1967، لن تحتفل بذكرى الاتفاقية، خاصة بعد الهجوم الإسرائيلى على غزة فى يناير الماضى. أما إسرائيل سيعود حنينها بقوة إلى زمن الوعود الفريدة فى علاقاتها مع العالم العربى.
ورغم ذلك، فإن صمود المعاهدة القوى فى وجه اثنين من الحروب التى شهدتها لبنان (1982، 2006) وأمام انتفاضتين فلسطينتين وحربين فى الخليج، وحدودها الواضحة، تعطى دروساً هامة تتعلق بكيفية تحقيق السلام الشامل فى الشرق الأوسط.
اتهم السادات بالخيانة وتعرض للاغتيال من قبل الجهاديين الذين شكلوا فيما بعد تنظيم القاعدة. وكانت جريمة "الفرعون" أنه جعل مصر فى المقام الأول. وكانت دعوته للفلسطينيين للتفاوض مع إسرائيل على الحكم الذاتى لقطاع غزة والضفة الغربية قد قوبلت بالرفض من قبل رئيس منظمة التحرير الفلسطينية حينئذ ياسر عرفات، وكان سببه فى ذلك الحديث عن المصالح الفلسطينية. وتعرضت مصر التى كانت تحمل لواء القومية العربية الذى تبناه جمال عبد الناصر، للطرد المهين من جامعة الدول العربية.
وطالما رفض الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر الاعتراف بأنه قال إن السادات "لم يهتم أبداً بالضفة الغربية"، لكن المؤكد هو أن المعاهدة جعلت المساعدة السنوية الأمريكية لمصر ثانى أكبر مساعدة تقدمها الولايات المتحدة لدولة بعد إسرائيل، ودعمت حكم مبارك السلطوى حتى هذا اليوم.
القضية بالنسبة للمسار الفلسطينى تظل قائمة على الجدل القائل إنه فى نهاية التسعينيات كان النشاط الاستيطانى أقل قوة، ومن الظلم أن تقول إسرائيل إن الفلسطينيين أضاعوا الكثير من الفرص.
مناحم بيجين رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق المنتمى إلى حزب الليكود لم يتعامل أبداً مع منظمة التحرير الفلسطينية ولم يقبل بالحد الأدنى من مطالب الفلسطينيين. فبعد أن أزال كتل الاستيطان من سيناء، أنشأ كتلاً أخرى جديدة على قمم تلال الضفة الغربية. والانقسامات العربية كانت شديدة حينها مثلما هى الآن.
فأسباب الحرب على غزة تكمن فى الانقسام الكارثى بين منظمة التحرير فى الضفة الغربية وبين حماس فى غزة. سوريا والسعودية تحاولان تشكيل جبهة موحدة فى القمة العربية المقرر فى بداية الأسبوع القادم فى قطر، لكن ستكون هناك معجزة إذا تمكنت الرياض ودمشق من سد الفجوة بين المعسكرين الفلسطينيين.
وعلى الجانب الآخر من التل، فإن المشهد قاتم للغاية، فحزب الليكود بزعامة بنيامين نيتانياهو المناهض صراحة لفكرة إنشاء دولة فلسطينية، يشكل ائتلافا حكوميا سيضم المتشدد افيجدور ليبرمان كوزير للخارجية، الذى أساء لرئيس مصر واقترح قبل عام أن تضرب إسرائيل السد العالى.
سيؤكد المجتمعون فى قمة قطر مجدداً على التزامهم بمبادرة السلام العربية، والتى تطرح نفس الفكرة التى قاطع العرب السادات بسببها، وهى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية جميعها مقابل العودة إلى حدود ما قبل حرب يونيو. لكن استمرار طرح هذه المبادرة لفترة طويلة أمر صعب. والرئيس السورى بشار الأسد أوضح أنه إذا استعاد مرتفعات الجولان، فإنه سيوقع معاهدة سلام مع إسرائيل، لكنه سيكون سلاماً بارداً، كما هو الحال مع مصر، ما لم يرض الفلسطينيين.
ويبقى العديد من الدروس المستفادة، أولها أن مقايضة الأرض مقابل السلام فكرة ناجحة. وثانيها، أن الاتفاقيات الثنائية بين إسرائيل والدول العربية منفردة ليست كافية، وإن كانت أفضل من عدمها. وهذا ما ثبت صحته فيما يتعلق بالسلام بين إسرائيل والأردن عامم 1994 عندما كانت محادثات أوسلو مع الفلسطينيين تتمتع ببعض المصداقية حينها. وبالنسبة لباراك أوباما، الذى لن يتحقق بدونه شيئاً هاماً فى الشرق الأوسط، فإن الهدف يجب أن يكون اتفاقا شاملا ينهى الصراع العربى الإسرائيلى فى كل جوانبه وعلى كل الجبهات.
والدرس الثالث والأكثر أهمية هو أنه بدون حل للقضية الفلسطينية، فإن أى سلام سيظل جزئياً وبارداً وهشاً بدرجة خطيرة. وكان هذا صحيحاً عام 1979، وصحيحاً اليوم أيضا.
الجارديان: ظروف معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل لن تتكرر
الخميس، 26 مارس 2009 03:14 م