أكرم القصاص - علا الشافعي

خالد صلاح

هل تعذب الداخلية الإرهابيين الأجانب لصالح بريطانيا؟

الأربعاء، 25 مارس 2009 02:15 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صباح الإثنين الماضى الموافق السادس عشر من مارس استيقظ البريطانيون على فضيحة أمنية جديدة تتصدر عناوين الصفحة الأولى لصحيفة (الجارديان) المرموقة واسعة الانتشار، الفضيحة تتلخص فى تقرير إخبارى موسع كتبه الصحفى (إيان كوبين) حول ما أسماه (التواطؤ المصرى البريطانى فى تعذيب السجناء على أرض مصر)، ويحكى التقرير قصة شاب عمره 26 عاما يدعى أزهر خان يحمل الجنسية البريطانية اعتقلته الأجهزة الأمنية المصرية لدى وصوله إلى مطار القاهرة، وخضع لتحقيق مكثف فى مكان قريب من مبنى المطار حسبما ورد فى التقرير، ويزعم أزهر خان أنه تعرض للتعذيب لخمسة أيام متواصلة على أيدى محققين مصريين لصالح أجهزة الأمن البريطانية.

أزهر خان روى للجارديان ما تعرض له فى مصر، وحكى وقائع التعذيب وأصوات الصراخ ووسائل القمع، حسب خبراته خلال الأيام الخمسة، وربما ليس فى كل ما رواه للصحيفة البريطانية شىء لا نعرفه أنت وأنا عن ممارسات التعذيب أو التعليق أو الضرب أو القمع الذى يمارس أحيانا أو غالبا فى بعض التحقيقات الأمنية، هذه بلادنا ونحن نعرفها جيدا، لكن الأهم والأخطر والأكثر استفزازا هو أن يكون هذا التعذيب لصالح جهة أمنية أخرى هى المخابرات البريطانية، أو أجهزة مكافحة الإرهاب فى لندن حسب مزاعم أزهر خان للجارديان، وحسب روايات ومعلومات جمعها الصحفى إيان كوبين، محرر هذا التقرير، والذى بدا أنه على اقتناع كامل بأن مصر تقوم بهذا الدور لصالح السلطات البريطانية ولصالح جهات أخرى خارجية.

نحن نسمع ونقرأ هذه المعلومات فى الصحف البريطانية والأمريكية منذ بدأت الحرب الأمريكية على الإرهاب فى أعقاب تفجيرات الحادى عشر من سبتمبر، نسمع عن دور للقاهرة فى تحقيقات جرت تحت ظروف لا تتحملها القوانين والتشريعات فى أوروبا والولايات المتحدة، إلا أن قانون الطوارئ فى مصر يجيزها علنا، وبلا حساب وبلا رقابة من مجلس الشعب المصرى، ومن ثم استفادت بعض الأجهزة الأمنية العالمية من علاقاتها مع السلطات المصرية فى التمتع بمميزات قانون الطوارئ، وجرى إخضاع بعض المشتبه بهم للتحقيق هنا على أراضينا وفق معايير السجون وأجهزة التحقيق المصرية (فائقة الجودة وواسعة التأثير)، نسمع ونقرأ دون أن يتحرك أحد هنا فى مصر ليقول الحقيقة، أو يرد على صحيفة أمريكية أو بريطانية أو ألمانية من تلك الصحف التى نشرت تحقيقات موسعة حول الدور الذى تلعبه القاهرة فى هذا السياق، لم يتكلم وزير الداخلية، ولم تنف السلطات الأمنية تلك المعلومات من قريب أو بعيد رغم أنها صارت حقائق راسخة بالنسبة للرأى العام فى أوروبا والولايات المتحدة، الأمر الذى يثير الريبة ويضاعف من الشكوك، فضلا عن كونه يفجر الحسرة على هذا الصمت المخيف، ويفجر الأسى إن كانت هذه المعلومات واقعا حقيقيا فى السجون المصرية.

صحيح أنه لا أحد يتعاطف مع الإرهاب القائم على أسس أيديولوجية أو على فهم خاطئ لصحيح الإسلام، لكن صحيح أيضا أنه لا أحد يرتضى على الإطلاق أن تتحول بلادنا إلى (جوانتانامو عالمى) يمارس فيه البريطانيون والأمريكيون تحقيقاتهم بعيدا عن أعين القانون والمعايير الدولية الخاصة بحقوق السجناء أو المشتبه بهم فى أى نوع من القضايا، سواء كانت التهمة هى الإرهاب أو غيره من الجرائم الدولية.

قبل سنوات كانت قصة أبوعمر المصرى مدوية حين اعتقلته المخابرات الأمريكية من ميلانو، وجرى نقله إلى مصر عبر بلد أوروبى خارج سياق جميع القوانين والمعايير الدولية والأخلاقية التى تحكم هذا النوع من الاعتقالات، وبعدها اكتفت مصر أيضا بالصمت، ولم تعلق السلطات الأمنية ووزارة الداخلية إلا عبر وسطاء أو فى بيانات مقتضبة لا تنفى نفيا جامعا مانعا لما يتردد حولنا فى الصحف الغربية، ولا تقطع الشك باليقين فى هذا الدور الخفى المنسوب إلينا علنا فى الخارج.

والآن يأتى المدعو أزهر خان ليقدم واقعة جديدة صارت حديث الرأى العام فى بريطانيا، إلى الحد الذى دفع ديفيد كاميرون زعيم حزب المحافظين فى بريطانيا، إلى الدعوة لإجراء تحقيق شامل لاستكشاف هذا النوع من الجرائم، والبحث عن الأشخاص المتورطين فى بريطانيا فى هذه الاتفاقات التى وصفها بحسم بأنها منافية (للسلطة الأخلاقية للحكومة)، وانضم إلى كاميرون أحد أبرز أعضاء البرلمان البريطانى (أندرو ديسمور) وهو نائب مدافع عن قضايا الحريات ويترأس اللجنة المشتركة لحقوق الإنسان، النائب ديسمور دعا إلى إجراء تحقيق مستقل لمعرفة دور جهاز المخابرات الخارجية البريطانى فى توجيه أجهزة أمنية (أجنبية) لتعذيب مواطنين بريطانيين، ويكافح ديسمور حاليا للتحقيق مع كل من وزير الخارجية ديفيد ميليباند، ووزير الداخلية جاك سميث عبر لجنة حقوق الإنسان للإجابة عن أسئلته فى هذا الشأن.

الأمر إذن تحول إلى فضيحة بريطانية وعالمية متكاملة الأركان فى الوقت الذى نلتزم نحن الصمت هنا بلا تعليق أو توضيح، ودون أن يخرج علينا الجهاز الإعلامى فى وزارة الداخلية لينفى ما جاء فى الجارديان، رغم أننا بادرنا إلى نشر النص الكامل لتقرير الجارديان على موقع الصحيفة الإلكترونى اليومى لجريدة اليوم السابع على شبكة الإنترنت، ورغم أن النص الكامل لهذه الادعاءات جرى نشره بالكامل أيضا على الموقع الالكترونى اليومى لصحيفة الجارديان.

الصمت الذى تتعامل به وزارة الداخلية المصرية يوحى بأن شيئا ما صحيح فى هذه المعلومات التى رواها أزهر خان ونشرتها الجارديان، ويوحى أيضا بأننا قد نتعرض إلى فضيحة أكبر حال نجح النائب البريطانى أندرو ديسمور فى التحقيق مع وزيرى الخارجية والداخلية فى بريطانيا، لا قدر الله، وإن صدقت هذه المزاعم فإننا نكون بذلك قد أضفنا إلى رصيدنا فى مجال حقوق الإنسان خطيئة أخرى تضاعف من تراجع سجلنا الحقوقى بشكل عام، كما تضاعف أيضاً من حسرتنا على هذه السمعة العالمية حول قدرات التعذيب، فائقة القدر والقابلة للتصدير، التى ننعم بها فى مصر. هل يجوز أن تلتزم وزارة الداخلية الصمت بعد كل هذا؟ وهل يحق للسيد الوزير حبيب العادلى أن يترك سيل المعلومات ترد إلينا من الصحف العالمية دون رد حاسم هنا فى الداخل؟ أم أن هناك ما نتعمد نحن إخفاءه فى هذا الملف؟.

إذا بدأ تحقيق فى بريطانيا فلن نتمكن من حجب المعلومات، وإذا أقام أزهر خان أو غيره من الذين تعرضوا لهذا النوع من التحقيقات، إن صحت، دعاوى قضائية للتعويض أمام المحاكم الأوروبية فسيحصلون على حكم مؤكد بالتعويض قد نتعرض نحن لسداده من الخزانة العامة، فهل نحن على استعداد لمزيد من الصمت، وهل نحن جاهزون لسداد هذه التعويضات إن صدرت أحكام أمام أجهزة قضائية دولية؟!.

هل يمكن أن ينفى أو يؤكد السيد حبيب العادلى هذه المعلومات؟ وهل يمكن أن تتعامل الداخلية مع ما تنشره الصحافة العالمية بمزيد من الجدية قبل أن نتحمل تبعات أكبر وأخطر، ليس من سمعتنا العالمية فقط، بل ومن أقواتنا وأموالنا أيضا؟









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة