أعتقد أن أكثر الأشياء التى يمكن أن نجمع عليها، هى أن أحوالنا ليست على مايرام، وأن الأغلبية الساحقة منا غير راضية عن أوضاعنا؛ وترى أن هذه الأوضاع وصلت إلى درجة كبيرة من التردى وتحتاج إلى عملية إصلاح كبرى وشاملة وعميقة. وفى سياق الإجماع على عدم الرضى، توجد حالة نقد حادة ومستمرة لكل تفاصيل ومجريات حياتنا، لكن المشكلة هى أن النسبة الغالبة من هذا النقد توجه لأحد أطراف المعادلة، بينما يبقى الطرف الثانى معفى من النقد، فى حين أن المسئولية من الناحية الواقعية تبدو متعادلة إلى حد يفوق ما نتصور.
الطرفان المقصودان هنا هما الراعى والرعية؛ الحاكم والمحكوم؛ المسئول والمواطن، هذان الطرفان تصدق عليهما مقولة الناس على دين ملوكهم، كما تصدق عليهما مقولة كما تكونون يولى عليكم. بمعنى أنه كما يمكن أن يصلح أمر الجماعة بصلاح قادتها، وهى الفكرة التى يستند إليها توجيه النقد فى مجمله للحاكم والمسئول وإعفاء المواطن بشكل أو آخر من المسئولية أو من جزء كبير منها، فإن حال القادة يصلح أيضا بصلاح رعيتها، وهى الفكرة التى تستوجب توجيه قسط كبير من اللوم والنقد لعموم الناس.
المعادلة البسيطة هنا هى أن كل عملية ظلم لها طرفان، ظالم ومظلوم، وكل فعل استبداد له طرفان، مستبد ومستبد به، وكل جناية لها طرفان، جانى ومجنى عليه. وإذا كانت مسئولية الطرف الأول واضحة ولا تحتاج إلى تفصيل، فإن ما ينقصنا هو إدراك مسئولية الطرف الثانى، مسئولية المظلوم أو المستبد بحقه أو المجنى عليه.
وبخلاف الجناية أو الجريمة الفردية التى يغلب وفق سياقها وظروفها حصر المسئولية فى ارتكابها على الجانى أو المجرم، فإن الجناية أو الجريمة على مستوى سياسة المجتمع وتصريف شئونه لها ملابسات شديدة الاختلاف، تجعل المجتمع والمواطن شريك متضامن بمسئولية كاملة عن كل مخالفة تقع من مسئول، ويكون هو ضحيتها أو نطاق أثرها المباشر أو غير المباشر. فعلى سبيل المثال إذا تحركت الحكومة فى اتجاه فرض واقع إجراء مخالف للدستور والقانون ولحدود التفويض الممنوح لها، فإن مسئولية المواطنين هنا مباشرة وواضحة فى حال نجاح هذا العمل وتكريسه من قبل السلطة.
وحتى على أبسط المستويات وفى قضية من البؤر المزمنة فى مجتمعنا، وهى إذا قامت السلطات باعتقال مواطن بدون توجيه اتهام واضح له وبدون تقديمه للمحاكمة أمام قاضيه الطبيعى، فإن ذويه وجيرانه وأصدقائه وكل من يعلم بحاله ولا يتحرك، هو مسئول مسئولية كبيرة عن تكريس هذه الممارسة فى المجتمع وتحويلها من مخالفة للدستور والقانون وحقوق المواطنين إلى حق مكتسب للسلطة.
غاية القول هنا هى أنه يتوجب علينا فى كل عملية نقد لوضع أو ممارسة مختلة فى بلدنا أن نوجه النقد بالتوازى للطرفين فى ذات الوقت، للمسئول وللمواطن، وذلك حتى ينتشر ويرسخ مبدأ الشراكة لدى الناس، وتبزغ فى وعيهم فكرة أنهم مسئولون عن تغيير أحوالهم التى يطالبون ليل نهار بتغييرها دون أن يقدموا شيئا من أجل ذلك.
وإذا كان المسئول يمكن السلطة والقوة التنفيذية، فإن المواطنين يملكون قوة القبول والرفض والتعاضد، فما يتيسر إنفاذه على واحد أو عشرة يعصب فرضه على مائة أو مائتين، ويستحيل إقراره على عدة آلاف إلا أن يكونوا فى الحقيقة فرادى وسلبيين.
