أفادت مراسلة صحيفة لوموند فى واشنطن، أن هناك جدلاً واسعاً يشهده الوسط السياسى فى الولايات المتحدة الأمريكية حول السياسة الواجب اتباعها خلال الفترة القادمة فى أفغانستان.
فقبيل أيام من إعلان باراك أوباما لخطوط إستراتيجيته الموضوعة لحرب أفغانستان، أعرب الأمريكان عن شعورهم المتزايد بالقلق حيال السياسة الأمريكية تجاهها، فوفقا لاستطلاع الرأى الذى أجرته مؤسسة جالوب بالتعاون مع صحيفة يو إس إيه توداى، فإن 42% من الشعب الأمريكى يعتقد اليوم أن الولايات المتحدة الأمريكية قد "ارتكبت خطأ" عند إرسال قواتها إلى أفغانستان فى 2001.
وكان أوباما قد أشار خلال حملته الانتخابية إلى الحرب فى أفغانستان باعتبارها "الحرب السليمة" على عكس الحرب فى العراق، بيد أن تلك اللهجة قد تغيرت، ولم يعد الرئيس الأمريكى يتحدث عن "الانتصار" إنما عن "الاستقرار"، وقد صرح الجنرال مايكل مابلس، رئيس وكالة الاستخبارات فى وزارة الدفاع، أمام الكونجرس الأمريكى، فى العاشر من مارس الماضى، أن معدل العنف الذى يمارسه "العدو الأفغانى" قد ارتفع بنسبة 55% فى 2008، حيث اقترب عدد القتلى الأمريكان فى أفغانستان (15 قتيلاً فى فبراير) من عددهم فى العراق (16 قتيلاً).
ويبدو أن فكرة التصاعد العسكرى الذى كان من المفترض أن تلجأ إليه واشنطن قد تلاشت، إذ قرر الرئيس الأمريكى إرسال قوات تعزيز مكونة من 17 ألف جندى فقط، وليس 30 ألفاً، كما كان يطالب العسكريون.
وتضيف الصحيفة، أنه مع اقتراب إعلان إستراتيجية أوباما حيال أفغانستان، شهدت الولايات المتحدة جدلاً قوياً عكسته الصحافة الأمريكية، ففى حين يدعو المحافظون الجدد الرئيس أوباما إلى عدم التقيد بهدف محاربة الإرهاب، يتبنى كل من السيناتور جون ماكين وجو ليبرمان اقتراح سياسة شاملة، مدنية وعسكرية، لمحاربة التمرد، يصاحبها التزام سياسى واضح الملامح على المدى البعيد، مؤكدين على إمكانية كسب تلك الحرب.
وفى المقابل دعا ليزلى جيلب، من مجلس العلاقات الخارجية، إلى حل دولته من هذا الالتزام العسكرى، مشيراً إلى استحالة تصفية حركة طالبان، كما ذكر فى نيويورك تايمز قائلاً "علينا التركيز على ما نستطيع القيام به، وهو الصد والردع، وليس على ما لا نقدر عمله، وهو بناء الأمم من خلال الدخول فى حروب لا تنتهى".
أما المرشح القديم للرئاسة جون كيرى، فقد استحضر شبح حرب فيتنام، مذكراً بأن هدف الولايات المتحدة فى الأساس كان القضاء على منظمة القاعدة، وليس إقامة "الولاية الواحد والخمسين للولايات المتحدة الأمريكية"، ومن جانبه، ينضم وزير الدفاع الأمريكى روبرت جيتس إلى معسكر المتشككين، ذاهباً إلى أن أحداً لا يملك الوقت أو الصبر أو المال ليصنع من أفغانستان "مرفأ للسكينة".
وهناك معسكر ثالث يدعو إلى حلول أكثر ذكاءً، حيث تطرق نائب الرئيس الأمريكى جو بيدن، بداية فبراير فى ميونخ، إلى الحديث عن الانقسامات داخل المعسكر الطالبانى وإمكانية استغلال ذلك الأمر عن طريق سبل عديدة، منها عرض المال على بعض الفصائل أو إدماجها فى القوات النظامية أو تقسيم السلطة.
أما المعسكر المناهض للحرب، والذى كان يركز اهتمامه على العراق، فقد عبر عن رفضه لتلك الحرب، حيث طالبت المسيرة نحو البنتاجون التى شهدتها أمريكا، فى 21 مارس، هذا العام بالانسحاب من أفغانستان.
كاى إيد يؤيد الحوار
وفى حوار أجرته صحيفة لوموند مع الديبلوماسى النرويجى كاى إيد، ممثل الأمم المتحدة فى كابول، أيد هذا الأخير رغبة حكومة أوباما فى إجراء حوار مع عناصر طالبان المعتدلين، مشيراً إلى ضرورة أن يتم ذلك بقيادة الأفغان أنفسهم وبدعم من المجتمع الدولى، وأعرب عن استعداده للقيام بالدور، الذى سيعهد به الأفغان إليه.
وعما إذا كان هناك بعض المحاذير التى ستحيط بهذا الحوار، قال كاى إيد أن هناك خطوطاً حمراء شارك أيضا الرئيس الأفغانى كرازاى فى صياغتها، وهى ابتعادهم عن منظمة القاعدة، واحترام الدستور، خاصة حق المرأة فى التعليم، والتخلى عن القتال المسلح، وذهب إلى أن إرسال الولايات المتحدة قوة تعزيز مكونة من 17 ألف جندى تعد أمراً ضرورياً، خاصة مع تصاعد حركات التمرد، لتدريب الجيش والشرطة الأفغانية.
ورداً على سؤال حول تأييده لجهود واشنطن من أجل إقامة حوار مع إيران حول المسألة الأفغانية، أكد كاى ايد على ضرورة مشاركة الإيرانيين لتلك الجهود، كما أكد على ضرورة الدور الذى يتحتم على الدول المجاورة لأفغانستان القيام به من أجل تنشيط الاقتصاد وإقامة البنية التحتية وغيرها.
وعن ضرورة بقاء الحكومة الأفغانية، فى الفترة الانتقالية بين انتهاء رئاسة كرازاى فى 21 مايو والانتخابات الرئاسية فى 20 أغسطس، على الرغم من فسادها، يتساءل كاى إيد، "ولماذا قد يثق الشعب الأفغانى فى المجتمع الدولى حين لا يصل 50 إلى 60% من الأموال الموجهة لأحد المشروعات إليها؟ نعم من الضرورى محاربة الفساد، الذى يتغاضى عنه أيضا المجتمع الدولى".
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة