د. خميس الهلباوى

أحلام شعب مصر .. الماضى والحاضر والمستقبل

الثلاثاء، 24 مارس 2009 05:33 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حلمنا فى مصر وحلمت شعوب المنطقة المسماة سابقاً وتجاوزاً بـ "العربية" بقيادة جمال عبد الناصر أحلاماً كثيرة لتحقيق أهداف متعددة، وكان أهم تلك الأحلام على الإطلاق هو تحرير القدس المسلمة، باعتبارها القضية المحورية التى تنقل المنطقة كلها نقلة حضارية كبيرة بوصفه الملهم العظيم للعروبة فى ذلك الوقت، وأن مسألة تنمية الاقتصاد المصرى والرقى بمستوى الشعب المصرى أهداف تالية لهدف تحرير القدس والتخلص من الجسم الغريب المزروع فى قلب الدول فى هذه المنطقة، وهو "إسرائيل"، سيحقق وحدة عربية أسطوربة ومستقبلاً عربياً واعداً يعيد أمجاد العرب والمسلمين والمستقبل البراق لشعب مصر، التى توقف نموها الاقتصادى عند تلك اللحظة، وأسلم الشعب قياده للزعيم الملهم "فى ذلك الوقت" جمال عبد الناصر، واثقاً فى قوته ورجاحة عقله وكاريزيميته الغير عادية، لاسيماً بقدراته الخارقة على أخذ مستقبل شعب مصر فى الاعتبار أولاً.

وحلمنا بل أكد لنا الزعيم ووعدنا قبل يونيو سنة 1967 مباشرة، بأن الحلم بات قريباً وأن القائد أعد عدته جيداً، واستوثق من النصر على العدو الإسرائيلى، وأكد ذلك لنا بالاستعراضات العسكرية المصورة لقوة الجيش المصرى الباسل، وارتاحت ضمائرنا، ولم يتطرق الشك إلى قلب أى مصرى بأن تلك الدولة الكابوس سوف تتلاشى فى ساعات أو على الأقل سوف نحرر القدس من أيدى الصهاينة المعتدين، ولكننا استيقظنا من أحلامنا واكتشفنا أننا أصبحنا نعانى كابوساً يمثل كارثة أكبر من تصوراتنا واكتشفنا الوهم الذى زرعه فى ضمائر جيلنا، والوهم الذى حلم هو به بأن يكون زعيماً للوهم الذى اخترعه وسماه "القومية العربية"، بعد أن كان العرب مجرد دول حاولت تتجمع تحت راية ما يسمى بجامعة الدول العربية سنة 1947، وليس تحت راية القومية العربية.

كانت فكرة زعامة جمال عبد الناصر للعالم العربى، وبالتالى زعامة مصر لهذا الوهم الكبير، ليست إلا أكذوبة كبيرة أفاقتنا على حقيقة مؤلمة تتمثل فى هزيمة مفجعة لمصر وقائدها الذى انهار بعد أن نصب نفسه زعيماً على وهم أقنعنا بوجوده يسمى الأمة العربية، ولم يكن يدفعه إلى ذلك إلا الرغبة الجامحة فى زعامة فانية كلفت مصر كرامتها وثرواتها وأخلاق شعبها ولو مؤقتاً، وأصبحت مصر أفقر دول المنطقة وأصبح جيرانها من عرب وصهاينة أفضل منها مادياً، وأصبحت دولة مستجدية لاسترداد كرامتها والحصول على قوت شعبها، يعايرها بالفقر والهزيمة والعار من حاربت من أجلهم، منذ ثورة 1952 وحتى وقوع تلك الهزيمة المفجعة، واستذل شعب مصر من الشعوب المجاورة وانقلب الهرم وأصبح أسياد المنطقة أقل شأناً مادياً من عبيدها فى الفترة من يونيو 1967 إلى السادس من أكتوبر سنة 1973، ويكفى للتدليل على ذلك أن الكثير من العرب من مختلف البلاد العربية الذين كانوا لا يستطيعون أن يصادقوا ولو فرداً مصرياً ويفخر من يجد صديقاً مصرياً بين أقرانه بأنه يعرف إنساناً مصرياً، وكانوا محرومين من زيارة مصر لعظمتها، وفروق الحضارة الشاسعة بينها وبين بلادهم، أصبحوا يزورونها كأسياد يملكون المال، ويحصلون على ما يريدون بأقل القليل ويعيثون فيها الفساد فى ذلك الوقت، أى بعد الهزيمة.

فقد كانت مصر بشعبها وحضارتها وقوتها سيدة المنطقة على مر العصور منذ أن كان لا يوجد ما يسمى بالمنطقة العربية عبر تاريخها القديم، وحتى قدوم الإسلام بقيادة عمر بن العاص إلى مصر، بناء على رغبة شعبها وحكامها، وتفاعلت الأديان الثلاثة فى مصر مع بعضها وتعايشت، وأصبح التمييز العرقى مختزلاً فى شعب يسمى "شعب مصر" بعناصره المصرية القديمة والأوروبية والآسيوية والإسلامية العربية وغير العربية، نظراً لوجود مسلمين ليسوا بالضرورة عرباً فى جميع أنحاء العالم. فحضارة مصر ليست حضارة إسلامية فقط، ولكنها مزيج وخليط من الحضارات العالمية الكثيرة التى تكونت منها حضارة راقية لا تتوفر فى معظم دول العالم، وتشكل عظمة حضارة مصر العظيمة.

ولذلك فالحضارة الإسلامية أحد تلك الحضارات وليست بالضرورة رائدتها، وأصبحت مصر دولة مسلمة بحكم دستورها، قبل الصراعات العرقية التى يثيرها بعض من ينتمون إلى الدين الإسلامى ويطمعون فى حكم مصر وتغيير نظم حكمها التى قبل بها الإسلام حتى بعد قدوم الإسلام إليها.

ولكن بسبب الطمع فى الزعامة الشخصية وحكم المنطقة والتحكم فيها هيئ لبعضهم إمكان السيطرة عليها وزعامتها بمجرد الشعارات الجوفاء مثل شعار "القومية العربية"، مضحياً بثروات مصر وحرية وكرامة شعبها دون التحسب لوقوع أخطاء قد تعيد مصر إلى مستوى أقل من جيرانها.

وحدث ما أحاق بمصر وأحاط بثرواتها اقتصادياً، ولكنه حتى الآن لم يتمكن من السيطرة على شعبها، أخلاقياً ولا اجتماعياً ولا ثقافياً ولا حضارياً، فستظل مصر متفردة بحضارتها وثقافتها وأخلاقها، بصرف النظر عن ثرواتها التى تستطيع تجديدها وتنميتها مرة أخرى إذا أراد الله ذلك وهدى الله بعض من يعوقون تقدمها ويعيشون على أرضها ولا يدينون بالولاء لها ولترابها ومنهم:

1- فئة تدعى الإسلام وتدعى ولاءها لدول أخرى مسلمة مجاورة وتستورد أفكاراً مظلمة لترويجها حتى تكون مرجعية لوجودها وممارساتها المريضة الحاقدة ضد مصر، مع أن جميع أعضائها يتمتعون بوجودهم بها واستفادتهم من أرضها وشعبها، ولكنها العمالة والخيانة الممولة من دولة مجاورة تنفق أكثر من 2 مليار دولار أمريكى سنوياً على نشر أفكار مظلمة ينسبونها ظلماً للإسلام والإسلام منها براء، لا تطبقها حتى فى دولتها على شعبها، ولكنها تعتنق مبدأ إذلال مصر وإخضاعها لظروف لا تسمح لها بالنمو المطلق والتقدم حتى تظل محتاجة إلى مساعداتهم لتسخير شعب مصر، للعمل عندهم بالرغم من أن شعب مصر كان دائماً صاحب الفضل عليهم.

ولكن هذه الفئة تحاول تعلم المسكيافيللية فى شعب مصر، فتتبع أى وسيلة ولو كانت غير مشروعة للوصول إلى أهدافها المريضة، بينما الغالبية العظمى من الشعب المصرى مازالت وستظل وفية لمصر، محافظة على أمنها وثقافتها وأخلاقها.

2- وفئة أخرى من أبناء مصر استمرأت الحصول على ثروات الشعب المصرى بهتاناً، واستطاعت خداع النظام الحاكم باسم مصلحة الوطن، وجعلت هذا النظام وسيلة دعم لها، للاستقواء بها، مقابل الاستقواء به وتسهيل الاستيلاء على ثروات مصر الطبيعية التى منحها الله لشعب مصر، مثل الأراضى الشاسعة بأسعار رمزية حتى تقوم بتصقيعها وبيعها بأسعار خيالية، لتتمكن من سداد ما سبق أن استولت عليه من أموال الشعب المودعة بالبنوك، وهربتها لدول أخرى مدعية كذباً إقامة مشروعات اقتصادية هناك، ومازالت بعض رموز السلطة تكرس لوجود هذه الفئة التى تقوم بدورها بالتكريس لوجود تلك الرموز، ويتحكم الاثنان فى الشعب المصرى وثرواته، تاركين الغالبية العظمى تغرق فى بحور الجهل والفقر والمرض، غير عابئين بمستقبل مصر وتعويض ما فقده هذا الشعب فى حروب لا ناقة له فيها ولا جمل.

ومما سبق تتضح الصورة المظلمة لمستقبل الشعب المصرى، وعزاؤنا فى هذه الصورة وأملنا يتركز فى وجود رئيس مخلص لمصر يحاول أقصى جهده لتطبيق أفضل الحلول التى يراها فى صالح هذا الشعب، وفقاً للمعلومات المتاحة التى يقدمها له المساعدون والمسئولون والوزراء، وأملنا أن يوفقه الله لإنقاذ مصر وشعب مصر ليكمل المسيرة السابقة قبل سنة 1952، ويزيل الآثار السيئة للممارسات العشوائية التى بدأت من 1952 وحتى 1973 لتعود مصر إلى سابق قوتها الاقتصادية والحضارية وتكون سيدة المنطقة بدون زعامة سياسية لها، ولكن بقوة عزيمة شعبها وحضارتها وثقافتها رغم أنف مليارات البترول الزائلة.

وكان من بين العوامل التى أدت إلى تلك الكارثة وذلك الكابوس الذى كلف مصر أكثر من 100 عام من تقدمها ورقيها وتطورها.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة