ما كاد حوار الفصائل الفلسطينية الدائر فى القاهرة أن يصل إلى نقطة اتفاق حول تشكيل حكومة توافق، حتى فجر النبأ العاصف باغتيال اللواء كمال مدحت بلبنان اليوم، الاثنين، التوقعات بعودة التوتر مرة أخرى بين الفصائل، فالشخصية التى تم اغتيالها هى إحدى قيادات فتح، ويمثل نائب الحركة فى لبنان، أما المكان الذى شهد الواقعة فبيروت، والتى ما تكاد تلتقط أنفاسها من جريمة سياسية حتى تدخل فى أخرى، خاصة وأن الأسابيع الأخيرة شهدت تقدماً فى مسار التحقيقات فى اغتيال الحريرى.
مقتل مدحت فى هذا التوقيت قد يكون له أكثر من دافع، يحمل أكثر من مغزى، إلا أن تأثيره على حوار الفصائل الفلسطينية قد يكون أقوى الخسائر فى الوقت الراهن، حيث المشهد السياسى الفلسطينى يمر بواحدة من أكثر اللحظات حساسية، فإلى أى مدى يمكن أن تصمد المصالحة الفلسطينية أمام أولى الاختبارات، وهل سيمر اغتيال قيادى فتح مرور الكرام دون أن يعصف بجهود القاهرة، أم أن تلك الجهود فى حد ذاتها تتعرض للاستهداف؟، خاصة وأن حادث التفجير لم تعلن أى جهة عن مسئوليتها عنه حتى اللحظة.
الدكتور سمير غطاس، مدير مركز "مقدس للدراسات الفلسطينية"، يرى أن الرؤية لم تتضح بعد حول المسئول عن العملية، فالجماعات والفصائل الفلسطينية داخل المخيمات فى "عين الحلوة" و"نهر البارد" ترتبط بشبكات واسعة مع العديد من الجهات والأجهزة، ومن بينها أجهزة المخابرات السورية، غير أن غطاس لا يستبعد أن يعيد الحادث التوتر بين الفصائل داخل لبنان وخارجه، خاصة مع رجل بحجم اللواء كمال مدحت الموجود فى لبنان منذ ما قبل عام 1982، وتنبأ غطاس بأن تكون النتيجة الأولى لاغتيال مدحت، هى تعقيد الجولات المرتقبة للحوار الفلسطينى التى لا ينقصها التعقيد، بسبب ما يرى أنه تصلب موقف حماس ورهانها على الحوار الأمريكى الإيرانى، وموقف بريطانيا من حزب الله للحصول على مكاسب سياسية أكثر.
ويقول غطاس، إن الأمر الأكثر خطورة، هو أن يعكس حادث اليوم عودة غير مرحب بها لظاهرة الاغتيالات، يصاحبها عودة التصعيد بين الفصائل الفلسطينية المتمثل فى استخدام لغة التراشق بالألفاظ والتخوين والخروج على مسودة ميثاق الشرف، التى تنص على وقف التحريض بين الفصائل.
البعض لم يستبعد أن تكون أطراف خارجية وراء الحادث، وبالتحديد إسرائيل ارتكازاً على فرضية أن يكون لها مصلحة فى تعميق الشقاق فى الداخل اللبنانى والفلسطينى أيضاً، اللواء نبيل فؤاد، الخبير الإستراتيجى، يميل إلى الاعتقاد بأن المخابرات الإسرائيلية دبرت حادث الاغتيال، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات فى لبنان، ومحاولة لصرف أنظار الفلسطينيين عن الصراع الداخلى الإسرائيلى بعد قدوم حكومة اليمين المتطرف إلى السلطة، واستبعد فؤاد تورط منظمات فلسطينية، لأنها على حد قوله "تعرف بعضها جيداً وكانت ستكشف فوراً عن اسم الفصيل والشخص الذى قام بتصفية مسئول فتح".
إلا أن ضلوع أطراف فلسطينية، فرضية غير مستبعدة أيضاً لدى اللواء مدحت مسلم، الخبير الإستراتيجى، الذى يرى أن خيوط اللعبة السياسية ليست كلها فى يد قيادات الفصائل التى تدير الحوار، وأن هناك صراعات داخل الفصائل نفسها حول ملف الانتخابات والحكومة الجديدة، وقال "قد يكون فصيل ما وراء العملية بغرض تحميلها على فصيل آخر، وبالتالى التسويف فى مطالب كل أطراف الحوار الفلسطينى".
وسيتبعد مسلم وجود علاقة بين الاغتيال، وبين حوار الفصائل، مشيراً إلى أن التوتر بين الفصائل داخل المخيمات يمتد تاريخه إلى الخمسينات، يؤججها الصراع على الولاء لجهات خارجية وداخلية فى لبنان.
فيما يركز الدكتور حسن وجيه، أستاذ التفاوض الدولى بجامعة الأزهر، على تأثيرات حادث الاغتيال على الداخل اللبنانى وعودة الاغتيالات داخل المخيمات، ولكنه يضع فى الاعتبار أيضاً التطورات فى المشهد السياسى الإسرائيلى، وما سماه بأجواء وصول اليمين المتطرف للسلطة، ومخططات ليبرمان المعروفة، ومشروع اليمين المتطرف المناهض لأى مصالحة وطنية عربية أو فلسطينية، وبكلمة واحدة يلخص وجيه رؤيته لاغتيال قيادى فتح بقوله "الاغتيالات قد تكون بأيدى تابعين لإسرائيل داخل لبنان، بهدف تدمير جهود المصالحة".
هل يفسد اغتيال قيادى فتح "ببيروت" ما أصلحه حوار الفصائل "بالقاهرة"
الإثنين، 23 مارس 2009 08:19 م
هل يصمد حوار الفصائل أمام أولى الاختبارات
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة