الشاعر جمال فتحى أحد الأصوات الشعرية القليلة فى شعر العامية التى استطاعت لفت الأنظار إليها فى الفترة الأخيرة، صدر له مؤخراً ديوانان هما "جلد ميت" عن دار مزيد للنشر و"عنيا بتشوف كويس" عن سلسة إبداعات بهيئة قصور الثقافة، كان لليوم السابع معه هذا الحوار..
لم يكن اسم ديوانك الأول "فى السنة أيام زيادة" عنواناً لأى قصيدة فى الديوان، وكذلك جاءت تسميتك للديوانين الأخيرين، فلماذا تفضل دائماً أن يكون العنوان عاماً؟
أحيانا يكون الأكثر صعوبة من العمل نفسه هو اختيار عنوان يستطيع التعبير الكامل عن هذا العمل، على اعتبار أن العنوان هو بداية الاشتباك الحقيقى مع القارئ، وأنا أرى أن انتقاء اسم إحدى قصائد الديوان ليكون اسماً للديوان بأكمله يعتبر حصراً لدلالة العنوان فى هذه القصيدة فقط، وحكراً على ما تفجره من دلالات، وحجباً لخيال القارئ عن التجول داخل عالم القصائد بحثاً عن تفسير العنوان وفض مغاليقه، لذلك أميل دائماً لجعل العنوان نصاً مستقلاً، يمهد للدخول إلى عالم القصائد، وهو ما يجعل دلالة العنوان مفتوحة دائماً، وهذا موجود فى دواوينى منذ الديوان الأول "فى السنة أيام زيادة " وحتى "عنيا بتشوف كويس".
صدر ديوانك الثانى بعنوان "جلد ميت" فلماذا هذا العنوان القاسى؟
كما قلت كان الاختيار محيراً، وقد فاضلت بين ستة أو خمسة عناوين، ولكن شعرت أن "جلد ميت" هو الأقرب لمضمون القصائد والأكثر تعبيراً عن الحالة النفسية والفنية المطروحة داخل الديوان، وبما أن الجلد هو وسيلة الاستشعار الأولى للإنسان وإذا مات فقد الكثير من اتصاله بالعالم، فهو عنوان صالح جداً للتعبير عن حالة الفرد/الإنسان، فى عصر أصبحت فيه العواطف والمشاعر الإنسانية تقاس بالثوانى والدقائق، وتحولت الحياة إلى رقم يعلو ويهبط.
استخدمت فى "جلد ميت" لغة سهلة تقترب من الفصحى ومن النثر فى الوقت ذاته وتهتم بالتفاصيل الصغيرة، والحالة الإنسانية، لماذا هذه اللغة؟
اللغة أداة متاحة لكافة الشعراء تكون طيعة فى قصائد بعضهم وعصية فى قصائد البعض الآخر، وأنا عن نفسى لا أصارع اللغة ولكنى أترك لها نفسى لتحملنى إلى شواطئ المعنى، مؤمناً أن العامية ليست تعنى بالضرورة الابتذال والتدنى، كما أن دراستى للفصحى جعلتنى أميل دائماً إلى أرقى درجات العامية، وهو ما اتسمت به أشعار العملاق الكبير "جاهين" مع حفظ الفارق الكبير بالطبع، كما أننى أحاول دائماً أن تحمل قصائدى رؤى جديدة أو على الأقل مختلفة، وهو ما أتمنى أن أكون قد نجحت فيه.
ما هو السر الذى دفعك إلى الإفراط فى النثرية فى ديوانك "جلد ميت" وهو ما لم يكن موجوداً فى ديوانك الأول؟
أنا أؤمن بأن الهلاك فى صحراء الشعر الواسعة بحثاً عن نبع جديد خير من البقاء بجانب النبع الذى جف، والبحث عن شعرية جديدة ومختلفة هو همى الأول والأخير، وليس معنى كلامى أن الشعر أو الشاعرية تكمن فى الشكل الذى أحاول تغييره، دعنا من الأشكال والقوالب، فالشعر عالم فسيح يتسع للجميع، وعلى المغامرين من المبدعين أن يكتشفوا الأبواب التى ستكتب حتماً بأسمائهم، أما الكسالى من الشعراء الذين يفضلون البقاء فى دائرة الاجترار والتكرار، فتأكد أنهم أصحاب مواهب عليلة وسقيمة، فالمغامرة روح الفن والإبداع، ومن لا يثق فى قدرته على الإضافة يظل بجانب النبع القديم.
"عنيا بتشوف كويس" هو عنوان ديوانك الأخير، فما هى الرؤية التى تقصدها فى العنوان؟
أنا عن نفسى أعيش لأرى، وأشعر أن الرؤية هى متعتى الأولى والأخيرة، فالعالم أمامى على اتساعه يبدو كمزار كبير، والعمر رحلة متعتها المشاهدة، أما الكتابة فهى "فرض كفاية" أقوم به نيابة عن الآخرين، وما أراه هو نفسه ما يراه الآخرون كل لحظة، ولكن أزعم فى كتابتى أن ما أراه لا يراه أحد.
دائما ما نسمع من النقاد وغيرهم أن شعراء العامية لم يقدموا قفزات تنقل فن الشعر بشكل إلى الأمام كما حدث مع الفصحى، فما رأيك فى ذلك؟
هذا الكلام باطل، فعلى مدار تاريخها سارت قصيدة شعر العامية جنباً إلى جنب بمحاذاة الفصحى، وحملت هم التعبير عن الهم العام والخاص، كذلك تأثرت بما تأثر به شعر الفصحى من تيارات الحداثة وغيرها، وظهر ذلك جلياً بعد بيرم على يد المشروع الشعرى الكبير لفؤاد حداد والظاهرة "صلاح جاهين"، ثم من بعدهم حجاب وقاعود والأبنودى الذى حفر لنفسه مجرى شعرياً خاصاً، وابتكر ألواناً جديدة مثل الرواية الشعرية "أحمد سماعين" وغيرها، كذلك قدم ماجد يوسف وكشيك وغيرهم من شعراء الثمانينيات تجارب مختلفة نقلوا فيها العامية المصرية إلى أراضٍ شعرية جديدة، ثم أتى المرحوم الشاعر مجدى الجابرى ومسعود شومان وآخرون كثيرون ليكملوا المسيرة، فليس من الإنصاف أن نقول ذلك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة