ناهد نصر

خدعة "عيد الأم"

السبت، 21 مارس 2009 06:38 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عيد الأم هو كذبة كبيرة، محلية الصنع للضحك على الأمهات. وليس من الغريب أن يخترعها رجل، وأن تصمد الكذبة أمام كل الدعاوى التى تنادى بجعله عيداً للأسرة، أو على الأقل عيداً للأب والأم معاً. لأن توسيع دائرة الاحتفال يعنى توريط الأب ثم الأسرة فى المسئولية التى يراد لها أن تنزل كاملة حتى ولو معنوياً على عاتق المرأة التى أنجبت طفلاً. وهى عقدة تخلصت منها العديد من دول العالم، والأهم أنها اعترفت بذلك، بينما نحن لا. فالأم لدينا "مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق".

مثلاً فى الكثير من دول أوروبا يمنح الآباء إجازات رعاية طفل مثلهم مثل الأمهات تماماً بحكم أنها مسئولية مشتركة باعتراف الدولة. بينما تقلص القوانين لدينا تدريجياً من إجازات الوضع، وإجازات رعاية الطفل. وفى دول العالم المتقدم ينشئون دور لرعاية الأطفال فى مواقع العمل، وفى الأحياء تخفيفاً على الأسرة من مشقة الانشطار بين الأطفال والعمل بحكم أن رعاية الطفل مسئولية مشتركة بين الأسرة والدولة، بينما تتحايل المؤسسات لدينا على القوانين التى تقر مثل هذه البنود، كما لا تتوافر فى دور الرعاية ما يجعل الأسرة مستريحة البال قريرة العين على أطفالها. وفى دول العالم المتقدم أيضاً يعرفون أن الطبيعى للمرأة الأم أن يكون لها عمل دون أن تحتاج لتبرير سبب ذلك، هل لإرضاء طموحها الشخصى، أم لتحقيق ذاتها، أم لمساعدة زوجها، أم ببساطة ليكون لديها مورد مالى مستقل، بحكم أن المرأة كائن حى له حقوق سواء كانت بطفل أو بدون، لكن لدينا لا يزال البعض يفتى بأن عمل المرأة حلال للضرورة القصوى، وبشروط لأن موقعها الطبيعى هو البيت ورعاية الطفل.

الإلقاء بمسئولية الأطفال على الأم فى ثقافتنا يريح الجميع من أعبائهم، وبالتالى فلا أقل من أن تحاط هذه الخدعة بالكثير من الكلام المعسول المذاب فى كؤوس من النكد الخالص، حتى يتسرب إلى روح المسكينة شعوراً دائماً بتأنيب الضمير لذنب ارتكبته أم لم ترتكبه، فقط لأنها أم. راجع مثلاً سيمفونية النكد التى تعزف خلف فايزة أحمد فى "ست الحبايب يا حبيبة"، وهى نفسها التى انبثقت منها شقيقتها "سيد الحبايب يا ضنايا إنت" لشادية. ثم كورسات النكد المصفى التى أدتها أمينة رزق على الشاشة لما يقرب من نصف قرن، والتى لا توازيها سوى ملامح السذاجة فى أدوار كريمة مختار. أضف إلى كل ذلك المطولات التى تكتب عن تفانى وتضحيات الأم فى كل وسائل الإعلام، والتى خاض لواءها لسنوات الراحل عبد الوهاب مطاوع بعباراته الروحانية عن الأم. جيش كامل مهمته التاريخية هو "الزن" على آذان الأم، فيما إذا تفانى رجل فى رعاية أبنائه على طريقة الأمهات، يضرب به المثل كونه أدى بعضا من دور الأم والذى ليس من صميم اختصاصه.

والكثير من الأمهات فى زمننا هذا تعشن بذنب هذه الصورة الذهنية المتعسفة، لأن الحياة تغيرت والظروف تبدلت ولم تعد الأمهات مثل أيام أمينة رزق، وكريمة مختار. وبدلاً من الاعتراف بأن المسئولية التى يصرون على نسبها للأم هى مسئولية مشتركة بين الأسرة "الأم والأب" والدولة يفضل الجميع مواصلة عزف اللحن ذاته، لأن إشعار الأمهات بالذنب أسهل من التقدم خطوة للأمام من أجل أفراد أسوياء ومسئولين على قدم المساواة.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة