"جى أند بى" قصة قصيرة لشريف عبد المجيد

الجمعة، 20 مارس 2009 01:18 م
"جى أند بى" قصة قصيرة لشريف عبد المجيد القاص المبدع شريف عبد المجيد
شريف عبد المجيد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ستعطينى قبلتها الأولى ونحن عائدان من دار النشر التى تطبع كتبى، سأعطيها القبلة الثانية أمام باب سبعه فى التلفزيون، وستقول لى ساعتها يا مجنون، ستخبرنى بأنها بصدد إخراج فيلمها الروائى الأول وستطلعنى على السيناريو، سأهديها كتبى وسأطلعها على قصصى التى لم تنشر بعد، ستهدينى (دى فى دى) مسجل عليه أعمالها السابقة.

سأشترى لها كتاب "كيف تحكى حكاية" لماركيز، وستترك لى ولاعتها التى تحبها لأتذكرها كلما أشعلت سيجارة، سأهديها صورة من معرضى الجديد ستضعها فوق الكمبيوتر الخاص بها لتكون أول شئ تراه عندما تصحو من نومها، سأعطيها أفلام أضواء المدينة والعصور الحديثة لشارلى شابلن، وسأخبرها بأنى أحبه جدا كمفكر بالصورة لا يفتعل فى فنه ولا يدعى العبقرية ولا يضاهيه عندي (ودى آلن) الذى تعشقه جدا، وستفرح، وعندما تقرأ مذكرات شارلى شابلن وتكتشف أن أمه كانت مجنونة، وأن تشرده هذا لم يكن تصنعا، وأن كل ما فعله فى أفلامه هو جزء قليل من الذى عاناه فى حياته، سنفرح لأننا لدينا تصور ما عن الحياة والفن ستقف فجأة فى وسط الشارع وتقول لى إيه رأيك فى الخاتم الجديد؟

سأبحث عنه فى يديها ولكنى سأكتشف أنه فى أصبع قدمها البنسر وستخبرنى بعدما تلبس حذائها مرة أخرى معلش أصل أنا جوزاء، وسأخبرها ساعتها بأنى أيضا جوزاء، ستحكى لى أحلامها الغريبة المضحكة والتى تثير مخاوفها التى لا تنتهى، وسأحاول ألا أضحك أبدا مهما بدت تلك الأحلام سخيفة وبلا معنى، وستصدمنى بخوفها المرضى بأن تعود لبيتها فتجد أمها ممدة على الكنبة وقد فارقت الدنيا، هاعمل إيه ساعتها ياشريف؟

ولن أتحمل نحيبها فى تلك اللحظة، وأدرك كم هى وحيدة وحزينة مثلى ولكنى سأحاول أن أبدو متماسكا، وأدعى القوة، وسأقول لها متخافيش طول ما أحنا مع بعض، وسأشعر بمدى تقليدية تلك الجملة، وسأحتضنها طويلا فى المسافة الفاصلة بين مقهى الحرية ومقهى الندوة الثقافية، سنشرب سويا ذلك المشروب الذى سيلازمنا طوال علاقتنا شاى بحليب منه فيه، وعندما ندلف إلى المقهى وقبل أن نجلس، سيطلب القهوجى اتنين شاى بحليب منه فيه، وستخبرنى أن كلمه منه فيه، صارت تشبهنا قليلا، ستحكى لى بحماسها الذى اعتدت أن تفقده سريعا عن فيلم تسجيلى تكتبه الآن عن حل البنات لمشاكلهن الجنسية بأن يستخدمن المؤخرات كبديل عن الجنس الطبيعى، وبذلك يحافظن على غشاء البكارة وأمن المجتمع، وبأن كلمة "بيريحوا بعض" تعبير شعبى عن السحاق الذى ربما تستخدمه البنات أيضا كحل لمشكلة ارتفاع سن الزواج، لأن المجتمع لا يشك أبدا فى علاقة فتاتين مهما كانت قوية.

سأخبرها بأنى أكتب الآن فيلما روائيا طويلا يحوى قصصى القصيرة وسيكون اسمه هزائم صغيرة، ويجمع بين كل القصص راوى واحد وستضحك لأن ذلك الأسلوب انتهى مع أفلام فاتن حمامة، وسأذكرها ساعتها بفلمى مواطن ومخبر وحرامى، وبلب فيكشن لتورنتينو. ستقول لى أنا عارفه إنك عصبى ومجنون وهتطلع عينى بس بحبك، سأضحك ساعتها وسأقول لها اسم الله عليكى عاقلة قوى، ستسألنى فى حفل توقيع كتاب لأحد أصدقائى، هى البيرة ولا الحشيش اللى بيخلوا الواحد يكتب أحسن؟ وسنضحك بصوت عال وسنخرج مسرعين حتى لا يطردونا سويا، ستعطينى فلاشة مسجل عليها كل أغانى سيد درويش، وسأعطيها فيلم نوت بوك الذى أحبه جدا وكيل بيل وسن سيتى، وسأخبرها عن أن ترتنينو هو مخرجى المفضل.

ستقول لى أنها بتحب اسم يوسف جدا، وأنها عندما ستنجب ستختاره اسما لولدها الأول، وسأخبرها بأنى أحب اسم يحيى جدا، لأنى متيم بحيى الطاهر عبد الله، وستقول لى فى البنات بحب اسم مريم، وسأخبرها بأنى أحب نفس الاسم، ستخبرنى أنها تحب محمود المليجى وأحمد زكى، كأفضل ممثلين فى تاريخ السينما المصرية، وبأنها تكره عادل إمام وفريد شوقى، وسأخبرها بأنى أحب يوسف إدريس أكثر من نجيب محفوظ، وأننى أكره تابوه جيل الستينات الذى لا يمس، وستقول لى إنها تشعر بأن يوسف شاهين كان مدرسيا وميلودراميا فى فيلم الأرض، وبالذات فى مشهد النهاية، وكذلك فى فيلم جميلة بوحريد، وأنها لا تحب أفلام صلاح أبو سيف برموزها المباشرة خاصة فى فيلم القاهرة ثلاثين، وسأخبرها بأننى أتوجس من الكاتب الصحفى الذى يكتب البرامج ويؤلف الروايات والسيناريو وأحيانا بيانات الأحزاب ويكتب الأدب الساخر، وأشعر عندما أقابل أحدهم بأنه التنين الذى إذا لم يخرج نارا من فمه ربما أكلك فى لحظه شعوره بالجوع، وسنعدد ساعتها تلك الأسماء ونضحك كثيرا.

ستشعر بالسعادة عندما أعطيها كتاب المواقف والمخاطبات للنفرى وسيعجبها موقف القرب الذى يقول فيه القرب الذى تعرفه مسافة والبعد الذى تعرفه مسافة وأنا القريب البعيد بلا مسافة، ستبكى فجأة ونحن جالسين فى المقهى وستقول لى أنا حزينة قوى يا شريف، وسأخبرها بأنى أكتب سيناريو عن قصه محبوب الشمس ليحيى الطاهر عبد الله، وستسألنى لماذا أحبه هكذا وسأرد عليها بمقطع من قصته الجميلة حصار طروادة (الحزن مرض عصرى يعرفه المثقف عندما يصطدم وعيه بشروط التاريخ فيقول هذا سجن هذه محكمة مولاى الشيخ سيدى القس إننى أعتذر لكم جميعا عما بدر منى فالمسئول عما أنا فيه هو الطريقة التى أفكر بها) ستعطينى فى اليوم التالى كتاب التجربة الأنثوية ترجمه صنع الله إبراهيم، وسأعطيها كتاب النحت فى الزمن لتاركوفسكى، ستخبرنى بأنها ستموت منتحرة أو مجنونة كفرونيكا بطله باولو كويلهو، وسنتشرى آيس كريم فانيلا وشيوكلاته من عند العبد حتى يتغير مودها، وسنذهب سويا إلى رمسيس هيلتون لشراء جاكت جلد أعجبها جدا، وحتى أكون أول من يراه عليها سأعطيها، قلم يونى بول أسود أتفاءل به كثيرا، سنتقاسم علب السى ديهات وثمن المشروبات سنتشاجر كثيرا ونتصالح دائما سندخل قاعات السينما ونذهب لأفتر إيت والبستان والتكعيبة، سأشعر بأن العالم كله لن يستوعب سعادتنا معا، ولكننى لن أحصل أبدا على القبلة الثالثة، وعندما نتقابل بعد مرور سنة كاملة سنتصنع أننا لا نعرف بعضنا.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة