تحدثت صحيفة التايمز البريطانية فى افتتاحيتها، اليوم الثلاثاء، عما أسمته الابتزاز الذى يمارسه الرئيس السودانى عمر البشير. ودعت الصحيفة إلى ضرورة قيام الأمم المتحدة بالرد عن طريق فرض عقوبات على السودان كخطوة أولى.
وتقول الصحيفة إنه خلال السنوات الستة الماضية، قُتل ما يقرب من 300 ألف شخص، وأصبح 2.7 مليون آخرين بلا مأوى، بسبب عصابات السلب والنهب وقتال القوات الحكومية السودانية مع المتمردين الأفارقة فى دارفور. وتعرض مئات الآلاف من القرويين للاغتصاب والعنف والحرق المنهجى لمنازلهم ومحاصيلهم الزراعية، حتى اضطروا إلى اللجوء إلى معسكرات داخل السودان وعلى طول حدودها مع تشاد.
ويعود الفضل لبقاء هؤلاء اللاجئين على قيد الحياة إلى المجهود الضخم الذى بذلته منظمات الإغاثة الدولية والمنظمات غير الحكومية التى قدمت الغذاء والمأوى والمياه النظيفة والأدوية. وقد حكم على كثير من هؤلاء اللاجئين الآن بالموت، حيث أمر الرئيس السودانى عمر البشير العاملين لمنظمات الإغاثة الأجنبية بترك السودان خلال عام. والتأكيد على أن السودانيين سيتولون مهمة العمليات الإنسانية هو أمر مضحك. فحكومة الخرطوم تواطأت مع ميليشيات الجنجويد فى الأعمال الوحشية التى ارتكبتها، وصدر أمر لتوقيف الرئيس البشير من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية.
فالقول بأن المنظمات السودانية الرسمية ستأوى وتطعم الدارفورين الذين تدفعهم حكومتهم إلى الموت يثير السخرية بشكل كبير. كيف يمكن أن يكون رد فعل منظمات الإغاثة؟ الكثير منها حاول تجنب المواجهة على الرغم من الاتهامات الرسمية لهم من قبل الحكومة السودانية بأنهم كانوا يتجسسون ويمدون المحكمة الجنائية الدولية بشهادات كاذبة. وكان الأسبوع الماضى قد شهد اختطاف ثلاثة من العاملين فى منظمة أطباء بلا حدود من جانب إحدى الجماعات بسبب قرار الحكمة الدولية. ورغم أنه تم الإفراج عنهم فى وقت لاحق، إلا أن مخاطر تكرار هذا الأمر لعاملين آخرين تظل قائمة، بل وستزداد إذا استغل الرئيس البشير ما يعتبره تعدياً على السيادة السودانية، وصب غضبه على ما يسميه الإذلال الغربى. وبالفعل، تم طرد 13 من جماعات المساعدة الأجنبية العاملة فى دارفور.
وتقول الأمم المتحدة إن هذا سيؤثر على أكثر من مليون شخص، وستكون حياة المزيد فى خطر، إذا اضطرت 70 من المنظمات الدولية غير الحكومية لترك البلاد. وينبغى أن يكون رد فعل العالم على هذا أكثر صرامة. فتهديد عمال الإغاثة الذين يحاولون الحفاظ على الأرواح، واستخدام اللاجئين اليائسين كرهائن هو ابتزاز صارخ. فالرئيس السودانى يأمل أن يؤدى وصفه للمحكمة الدولية كأداة لأمريكا (على الرغم من إدارة الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش رفضت دوماً دعم المحكمة الدولية) إلى حشده التأييد عبر الشرق الأوسط. إلا أنه لم يحقق حتى الآن سوى قدر قليل من النجاح. وقد احتشدت الحكومات العربية لدعم البشير بما فى ذلك المملكة العربية السعودية التى لا تريد أن ترى تنامى النفوذ الإيرانى فى السودان بعد أن تولت طهران قيادة العداء للغرب.
وهناك دافعان وراء تأييد الحكومات العربية للبشير، الأول هو الخوف من أن تؤدى سابقة توقيف البشير من قبل المحكمة الجنائية الدولية إلى جعل الكثر منهم معرضين لنفس الوضع فى ظل سجلات حقوق الإنسان المزرية فى بلادهم. والدافع الثانى هو الغضب الشعبى لما يعتبرونه سياسة الكيل بمكيالين، بمعنى استعداد الغرب لاتخاذ إجراء فى دارفور مقابل رفض معاقبة إسرائيل لحربها فى غزة.
هذا الموقف لا يمكن الدفاع عنه. فما حدث فى غزة لا ينبغى أن يجيز التغاضى عما يحدث فى دارفور. فحتى الاتحاد الأفريقى اعترف بحدوث فظائع، وأنه من الضرورى أن تقوم قوات الاتحاد بمنع مزيد من القتال. وأقرت الأمم المتحدة بأن على الدول أن تقوم بواجب حماية مواطنيها. ولذلك ينبغى أن تصر المنظمة الدولية على أن يبقى عمال الإغاثة طالما يوجد ملايين من السودانيين فى خطر.
ويجب على الأمم المتحدة أن تقنع الصين، حليفة السودان القوية، بالتوقف عن دعم مجرم حرب والانضمام إلى أعضاء مجلس الدولى الآخرين لمواجهة تهديداته بطرد منظمات الإغاثة. والعقوبات هى مجرد خطوة أولى.
التايمز: العقوبات أول خطوة للرد على ابتزاز البشير
الثلاثاء، 17 مارس 2009 04:02 م