الإخوان المسلمين والقضاة ورجال الأعمال قوى ليبرالية غير ديمقراطية..

مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية: قوى المعارضة بمصر عاجزة عن إحداث التغيير

الإثنين، 16 مارس 2009 09:50 م
مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية: قوى المعارضة بمصر عاجزة عن إحداث التغيير
إعداد ريم عبد الحميد عن مجلة "فورين أفيرز"

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية مقالاً للباحث ستيفن كوك، المتخصص فى شئون الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية، تحدث فيه عن حدود المعارضة فى مصر، وعرض كوك فى المقال الذى جاء تحت عنوان "بلا هدى على ضفاف النيل، حدود المعارضة فى مصر" لأحد أهم الكتب الأمريكية التى صدرت مؤخراً، وتتحدث عن أهم قوى المعارضة فى مصر، وهو كتاب "مصر بعد مبارك: الليبرالية والإسلام والديمقراطية فى العالم العربى" للباحث بروس روثرفورد، ويتناول كوك بالنقد والتحليل الأفكار التى طرحها روثرفورد، والتى يرى فيها أن الإخوان المسلمين والقضاة ورجال الأعمال هم القوى الليبرالية الموجودة فى مصر حالياً، وإن كانت غير ديمقراطية.

ويبدأ كوك مقاله قائلاً، من الصعب أن نصدق اليوم أن العالم العربى يبدو على حافة تغيير جذرى، وإن كان هذا ممكناً قبل أربعة أعوام، فخلال ما يسمى بالربيع العربى فى أوائل عام 2005، ذهب العراقيون إلى صناديق الاقتراع لأول مرة منذ الإطاحة بصدام حسين، وانسحبت سوريا من لبنان بعد أن تظاهر ضدها ما يقرب من مليون شخص فى وسط بيروت، وشهدت السعودية انتخابات تعددية، وفى مصر، تنامى لدى نشطاء من مختلف ألوان الطيف السياسى شعوراً بالثقة، مما أجبر نظام الرئيس حسنى مبارك على أن يتجه نحو الإصلاح، الأمر الذى أطلق عنان المعارضة، وكانت افتتاحيات الصحف الغربية تتساءل بزهو عما إذا كان الشرق الأوسط قد وصل فى نهاية المطاف إلى نقطة التحول الأسطورية.

وكانت هناك حالة من عدم الارتياح داخل إدارة الرئيس جورج بوش، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتطورات التى حدثت فى مصر، حيث كان المسئولون الأمريكيون يشعرون بالقلق إزاء كيفية الرد على ما يجرى، ليس بسبب أنهم تشككوا فى استراتيجية الرئيس جورج بوش المتقدمة للحرية، ولكن بسبب أن التحول السياسى فى مصر كان يمثل لغزاً سياسياً لا يوجد له حل بسيط، ففى الوقت الذى كان الرئيس مبارك ورجاله يفتقرون للشعبية كانت المعارضة ضعيفة بين الديمقراطيين والليبراليين، وقوية بين اليساريين والناصريين والإسلاميين، والذين يعارضون جميعهم الولايات المتحدة، المهم أن المعارضة منقسمة على طول خطوط الصدع التى كانت عقبة أمام السياسات المصرية لمدة ستين عاماً، وكان من الصعب الاعتقاد أن بإمكان هذه الجماعات الإطاحة بمبارك، سواء عملت وحدها أو تحالفت مع بعضها البعض.

ومنذ الانقلاب الذى قام به جمال عبد الناصر فى يوليو عام 1952، والذى أطاح فيه مع الضباط الأحرار بالملك فاروق الأول، كان السؤال الأساسى الذى واجه مصر هو: ما هى الإيدولوجية الأساسية التى ينبغى على الدولة أن تتبناها؟. للوهلة الأولى، بدت الإجابة واضحة، فبمجرد استيلائهم على السلطة، تخلى الضباط الأحرار عن خططهم لإصلاح النظام السياسى فى مصر لصالح نظام جديد يقوم على أساس تبنى القومية وبديل اشتراكى غير محدد، وسرعان ما أسس الضباط الأحرار لسلطة لا مثيل لها لا يزال أحفادهم يمارسونها حتى اليوم، واضطر القادة المصريون مراراً وتكراراً إلى تجنب البدائل الجذابة للنظام الذى أسسه الضباط الأحرار، ومع استعداد المصريين لانتقال حتمى، فإن المنافسة تشتد (الرئيس مبارك سيحتفل هذا العام بعيد ميلاده الحادى والثمانين ومرور 28 عاماً على توليه الحكم)، والمنافس الرئيسى، كما كان دائماً، هو الحركة الإسلامية.

وعلى الرغم من أن مخاطر حدوث تغيير فى القيادة المصرية يثير اهتمام المصريين أكثر من المحللين وصناع السياسة فى الولايات المتحدة، إلا أن هذا الجانب قد أثار مناقشات حيوية فى واشنطن، ومن أبرز من تطرق إلى هذه المسألة بروس روثرفورد الذى نشر كتاباً بعنوان "مصر بعد مبارك: الليبرالية والإسلام والديمقراطية فى العالم العربى"، ومن يقرأ هذا الكتاب ويبحث عمن يمكن أن يخلف مبارك سيصاب بخيبة أمل.

فى هذا الكتاب، يوضح مؤلفه كيف يمكن للاعبين سياسيين ذوى أهمية مثل الإخوان المسلمين القضاة والقطاع الخاص أن يعملوا بالتوازى، ما لم يستطيعوا العمل معاً، للتأثير على مسار البلاد على مر الزمن. وهذا نهج جديد لتحليل السياسات المصرية، فوجهة النظر التقليدية تقول، إنه على الرغم من التحديات السياسية والاقتصادية التى لا حصر لها، والتى يواجهها القادة المصريون، فإن الدولة نادراً ما تكون مقيدة، بل إنها لديها الكثير من "النيران" تحت تصرفها.

الإخوان المسلمين
والهدف المتكرر لهذه النيران، وفى بعض الأحيان الهدف الوحيد، هو الإخوان المسلمين، وكانت مهمة الإخوان إعادة أسلمة مصر عن طريق الوعظ والتعليم والأعمال الخيرية، وحتى عن طريق العنف فى الأربعينيات والستينيات، وكانت الجماعة تأمل فى أن تعزز لدى الجماهير المصرية المطالب بنظام قائم على الإسلام يعمل به قادة مصر أو يبتعدون عن الحكم، لكن عندما بدأت حركة الضباط الأحرار تتبلور فى نهاية الأربعينيات، وجدت حلفاء لها بين الإخوان، ولم يكن كل أعضاء الحركة يشاركون الإخوان رغبتهم فى بناء مجتمع يلتزم بالشريعة الإسلامية، لكنهم أيدوا معارضتهم لمشروع الاستعمار الغربى فى مصر والشرق الأوسط الكبير، وكان الضباط الأحرار والإسلاميون يتبنون نفس المشروع القومى.

وهناك الكثير من الكتابات التى رصدت خلال الستين عاماً الماضية علاقة الإخوان المسلمين بالنظام السياسى فى مصر، وفى هذه الأيام يميل المراقبون الغربيون إلى الانقسام فى تحليلهم للجماعة، فكتبت صحيفة وول سترتست جورنال فى افتتاحيتها فى ربيع 2005 تقول إن جماعة الإخوان المسلمين تمثل حركة سياسية حقيقية إذا تجاهلتها واشنطن، فإنها بذلك تقوض فرصتها فى تعزيز الديمقراطية فى الشرق الأوسط، وهناك متشككون يرون أن الإخوان المسلمين متشددون. ويخلط البعض بين حزب الله وحماس وتنظيم القاعدة من ناحية، وجماعة الإخوان المسلمين من ناحية أخرى، حيث قال حاكم ولاية ماسوشتس السابق ميت رونى، إن هذه الأطراف تعبر عن "الجهود الجهادية العالمية التى تحاول وتسبب انهيار كل الحكومات الإسلامية المعتدلة وإقامة نظام الخلافة بدلاً منها"، وبين هاتين المجموعتين، يوجد مجموعة من العلماء لديهم رؤية أكثر دقة، حيث يقولون إن قادة جماعة الإخوان من الشبان يلتزمون بالشفافية والمساءلة والتسامح وسيادة القانون كجزء من مشروعهم لمصر، وآخرون، رغم اعترافهم بحدوث تغييرات مؤخراً داخل الإخوان المسلمين، يبدون أقل تفاؤلاً إزاء الجماعة.

وبعد كل هذا، فإن الإخوان المسلمين لم ينكروا هدفهم التاريخى المتمثل فى إقامة دولة إسلامية تستند على الشريعة "المناهضة للديمقراطية".

وفى تناوله للإخوان المسلمين، درس روثرفورد أربعة مفكرين إسلاميين، وهم محمد سليم العوا وطارق البشرى وأحمد كمال أبو المجد ويوسف القرضاوى، الذين قال عنهم إنهم أثروا فى تفكير الإخوان المسلمين، ويعرف الغربيون يوسف القرضاوى، الذى يستضيفه البرنامج الأسبوعى على قناة الجزيرة الفضائية "الشريعة والحياة". ويدعو القرضاوى إلى التعامل مع كل الإسرائيليين باعتبارهم أهدافاً شرعية للهجمات الانتحارية، ورغم ذلك فلديه آراء تقدمية حول قوانين الأسرة وأوضاع المرأة والإصلاح السياسى، ويرى روثرفورد أن الأساس الفكرى للمنظرين الأربعة مرن فيما يتعلق بتفسير الشريعة، وعلى العكس من طالبان فى أفغانستان والوهابية فى السعودية، فإن الإخوان المسلمين، كما يقول روثرفورد مهتمون بتأسيس دولة لا تقوم على قراءة صارمة للشريعة، وإنما على المبادئ الشاملة المستوحاة منها والمتناغمة مع الحياة المعاصرة.

ورغم أن التفسير المرن للشريعة الإسلامية الذى يقدمه القرضاوى وآخرون يعد "مغرياً"، خاصة للجماهير الغربية، إلا أن هذه المرونة، الخطيرة بدرجة كبيرة، هى بالتأكيد تصنع سياسات جيدة فى التعامل مع القضايا المثيرة للجدل، وهو ما يضمن توفير حيز للمناورة السياسية، ويبدو أن روثر فورد لا يعى أن المفاهيم المتلونة التى يتبناها هؤلاء المنظرين يمكن أن تخدم السياسات السلطوية والليبرالية فى نفس الوقت، فقادة النظام المصرى على، سبيل المثال، يتحدثون بصراحة عن الإصلاح والتحول إلى الديمقراطية، إلا أنهم يفعلون ذلك بغموض دون تخلٍ عن أولوياتهم غير الديمقراطية.

ربما يكون إيمان الإخوان المسلمين بالمبادئ الليبرالية أكثر بكثير من الرئيس مبارك ورجاله، ورغم أن نواب الإخوان فى البرلمان فتحوا النار على تعامل الحكومة مع عدد من القضايا الداخلية والخارجية، إلا أن السؤال الذى يدور حول ما إذا كان الإخوان ليبراليين يبقى محيراً للمحللين الغربيين وغير قادرين على الإجابة عليه حتى يتولى الإخوان الحكم.

فى السنوات الأخيرة استخدمت بعض الدراسات مثل الخاصة ببروس روثرفورد لإقناع الولايات المتحدة بالحوار مع الإخوان المسلمين، باعتبارهم قوى تقدمية تسعى إلى التغيير السياسى، ومع ذلك، يبقى التزام الإسلاميين ظاهرياً بالليبرالية تأكيداً أكثر من كونه حقيقة.

القضاة
وعلى الرغم من أن الإسلاميين نالوا الجزء الأكبر من اهتمام واضعى السياسات والصحفيين والباحثين فى السنوات الأخيرة، إلا أن السلطة القضائية فى البلاد كان لها دور حاسم فى دفع النقاش حول السلطة وشرعية النظام السياسى فى مصر، غير أن قوة القضاة فى مصر لها حدود أيضا، فخلال ربيع 2006، تم قمع مؤيدى القضاة الذين تظاهروا فى شوارع وسط القاهرة من جانب قوات أمنية وعسكرية، وكان السبب المباشر لهذا الصدام هو مصير اثنين من القضاه المحترمين، وهما هشام بسطويسى ومحمود مكى اللذان اتهما الحكومة بالتزوير فى الانتخابات البرلمانية التى جرت عام 2005، غير أن جذور هذا الصراع تعود إلى المحاولات المتكررة من جانب الحكومة لتسييس السلطة القضائية، وجهود القضاة لتحقيق استقلال السلطة القضائية وسيادة القانون، وقد أثبت القضاة أنهم بمثابة ضمير الشعب المصرى وكثير منهم يريد مستقبل أكثر انفتاحاً وديمقراطية، ومن الممكن أن يساعد القضاة على تشكيل المستقبل السياسى فى مصر.

القطاع الخاص ورجال الأعمال
وفى الجزء الأخير من دراسته لقوى المعارضة فى مصر، يتطرق روثرفورد إلى مجتمع رجال الأعمال. فالنظرة التقليدية تشير إلى أن رجال الأعمال يحافظون على مصالحهم بالجمع بين العمل فى السياسة والاقتصاد، ولا يعد رجال الأعمال عملاء للنظام بقدر كونهم جزءاً منه، فما يسمى بفريق الحلم الاقتصادى الذى يقوده رئيس الوزراء أحمد نظيف ويضم كلاً من رشيد محمد رشد وزير التجارة، ووزير الاستثمار محمود محيى الدين، ووزير المالية يوسف بطرس غالى، والذين يتولون قيادة السياسات الاقتصادية لمصر منذ عام 2004 على صلة قريبة بجمال مبارك. وأصبح الحزب الوطنى حزب كبار رجال الأعمال، بحيث يضم بين أعضائه رجال النخبة الاقتصادية مثل أحمد عز وطاهر حلمى رئيس الغرفة التجارية الأمريكية فى مصر، وهذه الصلة الكبيرة بين الحزب الوطنى وكبار رجال الأعمال، ما هى إلا النتيجة المنطقية لعملية الانفتاح التى بدأها الرئيس السابق أنور السادات قبل أكثر من 30 عاماً.

وينظر روثرفورد إلى الأعمال "البيزنس" فى مصر بشكل مختلف، باعتباره الجزء الأساسى من النظام الذى تقل أهميته عن اللوبى المتنامى الذى يدافع عن الإصلاحات الليبرالية.

وكدليل على ذلك، يقول روثرفورد، إن القطاع الخاص فى مصر شهد نمواً كبيراً منذ بدء سياسة الانفتاح. وأصبحت الدولة ملائمة للاستثمار واتجهت إلى سياسة الخصخصة فى السنوات الأخيرة، إلا أن هذا غير مقنع، حيث أغفل روثرفورد دور صندوق النقد الدولى الذى ساعد مصر فى الإصلاحات الليبرالية الاقتصادية التى شهدتها فى أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات، وساهم صندوق النقد الدولى أكثر من أى جهة داخل مصر فى صنع الساسات الاقتصادية لمصر.

فى الختام يقول ستيفن كوك، إن المحللين الغربيين يتشككون فى نوايا رجال الأعمال فى مصر، لأن هؤلاء المحللين غير قادرين على التفكير فى الليبرالية والديمقراطية باعتبارها مفاهيم منفصلة، وإذا تم الفصل بين الديمقراطية والليبرالية، فإن روثرفورد سيقول إن الإخوان المسلمين والقضاة ورجال الأعمال لاعبين ليبراليين فى مصر.

كتاب مصر بعد مبارك يوضح تماماً أن أياً من هذه الجماعات لا يهتم بالديمقراطية، لكنه، أى الكتاب، يشير إلى أن جهودهم المنفصلة للحد من سياسات النهب التى تتبعها الدولة، ينبثق منها نوع من الليبرالية الجماعية، وإذا استمرت هذه القوى فى القيام بهذا، فإنها ستصبح يوماً ما عاملاً فى تحول النظام السلطوى فى مصر إلى نظام آخر ليبرالى وإن لم يكن ديمقراطياً.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة