التقى مراسل صحيفة لوموند فى مصر بعدد من شباب المدونين المصريين الذين اكتسبوا شهرتهم مؤخرا، من خلال الموضوعات التى يتعرضون لها فى مدوناتهم، التى باتت نافذة مهمة لهؤلاء الشباب يعبرون فيها عن تمردهم على أوضاع عديدة فى بيئة لا تسمح لهم بحرية التعبير عن وجهات نظرهم، فكان التحقيق التالى المنشور فى لوموند الفرنسية.
أشار تقرير أمنستى إنترناشيونال حول حقوق الإنسان الصادر فى 2008، أن التعذيب وسوء المعاملة واستخدام الصدمات الكهربائية والضرب المبرح والاغتصاب والاستغلال الجنسى والتهديد بالقتل، جميعها أمور تم الاستمرار فى ممارستها بصورة منتظمة فى مصر، وهو أيضا ما أكده من جانبه التقرير السنوى الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان نهاية شهر فبراير.
على الرغم من أن واقعة التعذيب وهتك العرض التى تعرض لها عماد الكبير أثناء استجوابه، قد تكون حادث عادى فى أقسام الشرطة فى مصر، إلا أن ملايين المصريين قد تمكنوا من مشاهدة شريط تعذيبه المصور على الموبايل بعد أن تداوله المدونون على شبكة الإنترنت.
أما عن الشخص الذى كشف عن هذه الواقعة وبث الفيديو على شبكة الإنترنت، وساهم بذلك فى إدانة اثنين ممن شاركوا فى عملية التعذيب فهو المدون وائل عباس، والذى تقول عنه المدونة الشابة الجميلة شاهيناز عبد السلام، مهندسة الاتصالات التى انطلقت فى المعارضة على شبكة الإنترنت بعد قضية عماد الكبير، بأنه "أفضل وأشجع مدون".
ويؤكد "أفضل" متمرد على شبكة الإنترنت لمراسل صحيفة لوموند قائلا: يمكنك الكتابة، فأنت لن تفشى سرا، إذ أن الشرطة على علم بكل شىء تقريبا عنا، أين نقيم، وأين نلتقى.. كل شىء". تعكس تلك الكلمات الجو الردىء الذى يحيط بهذا الشباب المثقف مثل شباب باريس والشغف بالحرية.
المدونات.. منفذ لحرية التعبير
ترى صحيفة لوموند أن مصر ليست العراق.. فلا يتعرض فيها المعارضون للقتل ولا يلقى فيها القبض على من ينتقد أو يواجه سلميا (وهم كثيرون) حكم الرئيس مبارك، وتسيطر على الشارع المصرى، قوات الأمن المنتشرة فى كل مكان والتى يصل قوامها إلى ما يقرب من مليون فرد. فهى من تكمم أفواه المعارضين، سواء أكانوا علمانيين أو إسلاميين، ومن تمنع الإضرابات والمظاهرات والتنظيمات السياسية وحرية التعبير.
يصل عدد السجناء "الإداريين"، أى المعتقلين من دون محاكمة، حسب الصحيفة، إلى 18 ألف شخص داخل السجون المصرية، من بينهم من يقبع فى تلك السجون منذ أكثر من عقد من الزمن، خاصة الإسلاميين الذين قد يمثلون 10% من إجمالى هذا العدد.
وتضيف فى الوقت الذى تتحلى فيه وسائل الإعلام، ومن ضمنها الصحف المستقلة التى لا يتعدى عددها ثلاث أو أربع صحف، بحذر شديد، بل إنها تلتزم الصمت التام أمام الفساد المنتشر والتلاعب بالانتخابات وجميع أشكال الاستغلال، وذلك داخل دولة تمنع فيها المادة 179 من قانون العقوبات أى نوع من أنواع النقد المباشر للرئيس.
فى مثل ذلك السياق، الذى كان لابد من ذكره لتقدير شجاعة المدونين، انصرف وائل عباس وأصدقاؤه الثائرون إلى نشاطاتهم الخطرة، كل وفقا للحافز الخاص به.
يشرح وائل عباس، نجم المدونات فى مصر، أن ميلاد حركة التدوين جاءت نتيجة الشعور بالخيبة والكبت، وهى حركة لم تخضع لقائد ما أو بنية ما، وهنا تكمن كل قوتها.
ومن جانبها تشير شاهيناز عبد السلام إلى أن هؤلاء الشباب قد فاض بهم الكيل من طاعة أهلهم ومدرسيهم والشرطة والدولة، دون أن يتمكنوا مطلقا من التعبيرعن ذاتهم بحرية، ومن ثم يكون الحل فى إنشاء مدونة فى البداية كوسيلة لإسماع صوتهم.
فى مصر التى يصل عدد سكانها إلى 80 مليون مواطن، نصفهم تقريبا من الأميين، يدخل ما يقرب من 12 مليون شخص بشكل منتظم على شبكة الإنترنت، سواء على جهاز الكمبيوتر الخاص بهم أو من مقاهى الإنترنت. وقد أنشأ حوالى 200 ألف شخص من بينهم مدوناتهم الخاصة، حيث يعد حوالى 5% منهم (أى 10 آلاف تقريبا) مدونات سياسية. تعتبر هذه النسبة ضئيلة وكبيرة فى آن واحد. وذلك لأن أشهر تلك المدونات، مثل مدونات وائل وشاهيناز ومحمد خالد وأحمد، المفكر الشاب الذى يبلغ من العمر 33 عاما ويعد واحدا من أساتذة التدوين المصريين، يصل متوسط عدد قرائها المنتظمين إلى 30 ألف قارئ. وهو ما يعادل، بل ما يزيد حتى على عدد قراء بعض الصحف الحكومية، أو حتى صحف المعارضة.
أشهر وجوه التدوين فى مصر
اكتسب المدون مصطفى النجار (طبيب أسنان يبلغ 29 عاما) شهرته من مآخذه ضد "بدائية" الإخوان المسلمين. سعى هذا العضو النشط داخل جماعة الإخوان المسلمين بجهد على صفحات مدونته من أجل بروز نهضة إسلامية معتدلة ومنفتحة على الآخرين وبعيدة بقدر الإمكان عن القيم الوهابية المتشددة.
وقد نجح مصطفى النجار، بمساعدة بعض "الإخوان" الآخرين المشهورين على شبكة الإنترنت، مثل عبد المنعم محمود - أول من تجرأ وأنشأ مدونة فى 2004 باسم "أنا إخوان"ـ فى طرح نقاش داخلى حول وضع المرأة فى الإسلام، والدعوة لمساواة وضعها بوضع بالرجل، وكذلك فصل الدولة عن الدين فصلا تاما، بالإضافة إلى ضرورة إقامة ديمقراطية حقيقية.
وهكذا تزعزعت القيادة المحافظة للحركة. وقام النجار فى 2007 بدعوة عدد من الإخوان المتمردين لمناقشة تلك القضايا، ولكنهم لم ينجحوا فى الإقناع. وعلى الرغم من أن شيئا لم يتغير فى جوهر الأمور، إلا أن أمل النجار لم ينقطع فى أن يتمكن الإصلاحيون يوما ما فى تولى قيادة هذه الحركة. ومازال الجدل مستمرا.
وهو الحال ذاته الذى يعيشه المعسكر العلمانى، أو بالأحرى اليسارى، الذى ينتمى إليه غالبية المدونون المعارضون، حيث يشعر وائل عباس بنوع من الإحباط فى الآونة الأخيرة، نتيجة تراجع نشاط المدونين وشعور الصحف المتزايد بالخوف (ومن ضمنها حتى الصحف المستقلة قليلة العدد) من نشر ما يعرضونه فى مدوناتهم. فهناك نوع من الفتور وخيبة الأمل والتخوف الذى يسود بلا شك.
وحيث يشير المدون جمال عيد إلى أن أكثر من 500 مدون وصحفى قد تم استدعاؤهم من قبل الشرطة فى 2008. جمال عيد هو محامى متخصص فى حقوق الإنسان ومدافع معتمد عن إخوانه على شبكة الإنترنت ومدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، المكونة من 8 محامين متخصصين، تدعمهم ماليا عدد من المنظمات غير الحكومية الأمريكية والأوروبية.
يذكر جمال عيد أنه قد ألقى القبض عليه أربع مرات، لعدة أسابيع فى كل مرة، تعرض خلالها للتعذيب، دون الخضوع لأية محاكمة.
مع اقتراب الذكرى الأولى لأحداث 6 أبريل (أول وأهم دعوة لإضراب من نوعه ضد الحكومة ينظمها المدونون ويتناقلها أكثر من 70 ألف عضو على موقع الفيس بوك)، يعبر جمال عيد عن قلقه تجاه الضغوط التى تمارسها الشرطة والتى باتت غير محتملة، مشيرا إلى أن الشبكة التى حاكتها قوات أمن الدولة على المجتمع قد اتسع نطاقها بشكل كبير. فقد أصبحت الوحدة الخاصة التى كونت فى 2002 من 18 ضابطا لمراقبة الإنترنت، تضم "المئات" منهم اليوم.
يعتقد جمال عيد أنهم يقرأون تقريبا 15% مما يكتبه المدونون. وأحيانا يكتشفون "ماكر صغير"، يتخطى الحدود من وجهة نظرهم، فيتم القبض عليه ومصادرة جهاز الكمبيوتر الخاص به، واستجوابه بالقوة، ونادرا ما يطبق القانون الخاص بإخطار عائلته خلال 24 ساعة.
على سبيل المثال لم تعترف السلطات بالقبض، فى 30 نوفمبر 2008، على المدون الشاب محمد عادل إلا بعد 110 أيام من احتجازه، عندما أشار أصدقاؤه للخطر، فتم بعدها إخلاء سبيله فى 8 مارس.
عادل أو ضياء الدين جاد، الذى ألقى القبض عليه فى 6 فبراير واحتجز من يومها فى مكان مجهول أو أيضا فيليب رزق الذى أطلق سراحه بعد أربعة أيام من استجوابه، لأنه كان محظوظا بحمله جنسية مزدوجة مصرية ألمانية، ولأن عائلته قد أثارت ضجة، جميعها أسماء انتقدت سياسة مبارك "المتساهلة للغاية" تجاه إسرائيل.
أما عن أول مدون يخضع للمحاكمة فهو عبد الكريم نبيل سليمان الذى أدين فى 2007 بالسجن أربع سنوات، ثلاث سنوات بتهمة ازدراء الأديان، وسنة أخرى بتهمة إهانة الرئيس...
