قالت صحيفة الإيكونومست البريطانية، إن الدول العربية يقع عليها عبأ تسوية نزاعاتها فى ضوء التغييرات التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط. ورأت الصحيفة فى عددها الأخير، أن القمة العربية التى ستنعقد فى قطر خلال الأسابيع المقبلة ربما تشهد خطوات إيجابية فى حال تم تشكيل حكومة وحدة فلسطينية، خاصة بعد بوادر التغيير التى طرأت على الموقف السورى، وقالت الصحيفة إنه على العرب أن يتجنبوا الإحراج مرة أخرى إذا فشلوا فى حل قضاياهم.
وأشارت الإيكونومست إلى أن الدول العربية تمثل الجزء الأكبر من الشرق الأوسط، وأن ميل هذه الدول إلى الخلاف فيما بينهم يتيح الفرصة لآخرين للاستيلاء على زمام الأمور. وهو ما جعل العرب يراقبون أمريكا وهى تقوم بغزو العراق، وإسرائيل وهى تضرب لبنان وغزة، ومنافستهم القديمة إيران تنشر تأثيرها فى المنطقة بمهارة، طبقاً للصحيفة.
وأضافت أن هناك تحديات جديدة، وتوقعات بحدوث تغيير فى الدبلوماسية الأمريكية، تدفع الدول العربية إلى بذل جهود جديدة لتسوية نزاعاتها. ووصفت الصحيفة تلك التحديات بالرهيبة، وبأنها تشمل احتمال أن تمكن الحكومة الإسرائيلية القادمة أحزاب اليمين المتشدد التى لديها الكثير من الحساسية تجاه تحقيق السلام، كما تتضمن أيضاً احتمال تحول إيران إلى دولة نووية أو إثارة الاضطرابات بيت الأقليات الشيعية فى العالم العربى، واحتمال أن يؤدى الاقتتال الداخلى بين الفلسطينيين على المدى القصير إلى المماطلة فى تقديم المساعدات لسكان قطاع غزة البائسين، ومن ثم تدمير فرصة إنشاء دولة فلسطينية موحدة على المدى الطويل. وهناك مخاوف من أن هذه التطورات قد تدفع المنطقة المضطربة إلى نوبة جديدة ومريرة من الفوضى.
وتشير الصحيفة إلى أنه يلوح فى الأفق احتمال تعرض الدول العربية لمزيد من الإحراج عندما يجتمع رؤساء وقادة هذه الدول نهاية الشهر الجارى لعقد قمتهم السنوية فى قطر،لأن آخر ما تحتاجه هذه الدول هو حدوث تمزق عام آخر بينها، خاصة أن العرب يحاولون إقناع الرئيس الأمريكى باراك أوباما التعامل مع مخاوفهم بتعاطف أكثر مما كان سابقه الرئيس بوش يفعل فى كثير من الأحيان.
وأشارت الصحيفة إلى أنه هذا الأسبوع استضاف العاهل السعودى الملك عبد الله بن عبد العزيز فى العاصمة السعودية الرياض والبالغ من العمر 84 عاما، زعيما مصر والكويت المواليين لأمريكا، وهما من نفس عمره، إلى جانب الرئيس السورى بشار الأسد، الذى وصفته الصحيفة "بالطفل المراهق بالنسبة لهم" والذى يصنف نفسه على أساس أنه معارض لأمريكا. وقد كانت مصر وسوريا والسعودية من الدول الداعمة للقومية العربية إلا أن سوريا جنحت إلى مدار أكثر تشدداً من أى وقت مضى يدور حول إيران، تلك الدولة التى تعتبرها الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة متطفل أجنبى فى شئونهم. كما أن نظراء الرئيس السورى من كبار السن غاضبون من رعايته لحزب الله فى لبنان وحركة حماس الفلسطينية.
وتقول الصحيفة، إنه مثل أمريكا نفسها، فإن أصدقاءها العرب لا يريدون شيئاً أكثر من إنهاء سوريا لتحالفها مع إيران. وهذا هو سبب زيادة عدة المبادرات الغربية التى تمد يدها إلى الأسد بما فى ذلك الزيارة التى قام بها اثنان من كبار المبعوثين الأمريكيين إلى سوريا لأول مرة منذ أن قام الرئيس الأمريكى السابق بسحب السفير فى 2004. كما أن قرار بريطانيا الأخير لبدء حوار مع حزب الله اللبنانى هو جزء من اتجاه مشابه.
وحتى الآن تقول سوريا، إنها ليس لديها أية نية فى إبعاد نفسها عن إيران على أساس أن العلاقات القوية التى تجمع البلدين، والتى يعود تاريخها إلى الثمانينيات، خدمتها جيداً وساعدت على تقوية ضعفها فى مواجهة إسرائيل التى تحتل جزءاً من الأراضى السورية، مرتفعات الجولان منذ عام 1967. لكن عودة العلاقات السورية بشكل مفاجئ مع كل من مصر والسعودية، اللتين أصبحت لهجتهما ضد إيران أكثر حدة فى الآونة الأخيرة، يشير إلى إمكانية أن تعيد سوريا النظر فى علاقتها مع إيران على المدى البعيد. ويرى أحد الدبلوماسين المصريين أن التواصل بين طهران ودمشق تكتيكى وليس استراتيجى، مشيراً إلى تباعد أيدولوجى بين نظام الأسد العلمانى فى سوريا والنظام الإسلامى القائم على العنف فى إيران.
وقد يكون المال وسيلة للضغط فالتدهور الحاد فى أسعار النفط، إلى جانب تراجع الإنتاج السورى فى بعض الجوانب يجعل الأسد يقترب بسرعة من أزمة اقتصادية. ولا تستطيع إيران الغارقة فى حالة من العجز أن تقدم له يد المساعدة مقارنة بالممالك العربية النفطية. وإضافة إلى ذلك، وفى ظل الترحيب الحذر من جانب إيران نفسها بتحسين العلاقات مع أمريكا، فإن الأذكياء السوريين يشعرون بالقلق من إنتهاء الأمر بشكل تصبح فيه سوريا هى الدولة الوحيدة المتبقية من محور الشر فى المنطقة.
وقد تكشفت بالفعل التحولات التى حدثت فى السياسة السورية. فالزعيم السورى أعلن بهدوء عن غضبه من إيران بتأييده لموقف الإمارات فى صراعها الممتد منذ زمن طويل مع الجمهورية الإسلامية على الجزر الثلاث. ومن الواضح أيضا أنه سيرحب بإجراء محادثات سلام مباشرة مع إسرائيل، بشرط أن توافق الولايات المتحدة على رعاية هذه المحادثات، وأن تتفهم إسرائيل أنه يبحث عن سلام شامل، وليس اتفاق منفصل لا يجد حلاً للفلسطينيين.
وبدرجة لا تقل أهمية، يبدو الأسد متجهاً بعيداً عن تصريحاته السابقة التى تدعم بشكل شامل حركة حماس، والتى يتخذ عدد من قادتها العاصمة السورية دمشق مقراً لهم. حيث شدد الأسد مؤخراً على أنه يعتزم الحفاظ على مسافة متساوية من جميع الفصائل الفلسطينية وتشجيعها على تحقيق المصالحة بينهما، من أجل تعزيز موقفهم على الصعيد الدولى.
وبالتأكيد ستسعد مصر للموقف السورى الجديد، خاصة أن المهمة المتعبة التى قامت بها فى هذا الإطار بدأت تؤتى ثمارها. وقد التقى ممثلون من حركتى فتح وحماس وفصائل فلسطينية أخرى فى القاهرة الأسبوع الماضى فى المحادثات التى يصفها المسئولون المصريون بأنها مصيرية فى تشكيل حكومة انتقالية قبل الانتخابات البرلمانية المقررة فى يناير المقبل. وإذا تمكن المصريون من دفع الفلسطينيين إلى التوصل لحكومة وحدة وطنية، فإن القادة العرب المجتمعين فى قطر نهاية الشهر الجارى ستكون ابتسامتهم حقيقية هذه المرة.
تغيرات فى الموقف السورى تجاه إيران وحماس وإسرائيل
الإيكونومست: سوريا تبتعد تدريجياً عن "محور الشر"
السبت، 14 مارس 2009 03:20 م
العرب يواجهون تحديات جديدة فى المرحلة المقبلة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة