لا يختلف اثنان على أن مصر ظلت قائدة للدول العربية لفترات طويلة حتى بدء هذا الدور المصرى فى النقصان رويدا رويدا، وأصبحت القومية العربية - التى كانت تعتبر أحد ملامح الشخصية المصرية - غائبة عن شخصية مصر وأصبحت العلاقة بين مصر والقومية أو الوحدة العربية هى علاقة جامدة لا يحركها سوى انتساب مصر للأمة العربية، أى أن مصر أصبحت غير مهتمة بشئون الدول العربية وتتبنى سياسات ليس لها علاقة بالأمة العربية أو حتى بمفهوم القومية العربية، واتضح ذلك بشكل كبير خلال الاعتداء الأمريكى على العراق أو من خلال الحرب الإسرائيلية- اللبنانية تموز 2006، أو من خلال الاعتداء الإسرائيلى الأخير على غزة أو إذا أصح التعبير الحرب على غزة، وتبنت السياسة الخارجية المصرية مواقف حيادية تجاه تلك القضايا، بل أحيانا مواقف سلبية مثلما حدث أثناء الحرب الإسرائيلية اللبنانية.
هذا بالإضافة إلى المجازر سواء فى لبنان أو فلسطين أو العراق، وأصبح السؤال المرير المقلق الذى يطرح بإلحاح. أمام ما تعانيه مصر وما يتخبط فيه وطننا العربى الكبير من مشكلات متجددة تتراكم يوما بعا يوم. وقبل الإجابة يجب التعرف على ملامح الشخصية المصرية التى صنعت من مصر قائدة للدول العربية، وكيف أن القومية كانت من أهم ملامح الشخصية المصرية.
أولا: التجانس والوحدة، فمصر متجانسة طبيعيا فهى مجتمع موحد فى وادى النيل، ومتجانسة بشريا بعدما انصهر المصريون قبل الإسلام فى مجتمع موحد لا يشكل فيه الأقباط أقلية، وذلك نتيجة التقارب الروحى الشديد مع المسلمين.
ثانيا: الوطنية المصرية، حيث أخذت فى الظهور مع حملة نابليون مرورا بالإمام محمد عبده وجمال الدين الأفغانى وثورة عرابى ثم سعد زغلول ومصطفى كامل ومحمد فريد إلى الحقبة الناصرية والساداتية وحرب أكتوبر، ولكن ضعف الشعور الوطنى خلال العقدين الأخريين نتيجة السياسة المصرية المتشددة.
ثالثا: القومية المصرية، فبرغم محاولات الدول الكبرى فى القرن 19 ، 20 لإضعاف الروابط العربية وعزل مصر عن النضال التحررى فى المشرق العربى ومحاولات التأكيد على القومية المصرية بدل من القومية العربية والتأكيد على أن مصر للمصريين وليس للعرب.
رابعا: التقدم نحو القومية العربية، بدأ الاتجاه المصرى نحو العروبة فى الظهور مع قضية فلسطين وقضايا التحرر من الاستعمار، وكان للقضية الفلسطينية دور مهم فى الاتجاه العروبى والتقدم نحو القومية العربية، وكانت المشكلة الفلسطينة هى العامل الحاسم فى مرحلة الثلاثينيات.
فأخذ المصريون يعبرون عن تلك القضية بأشكال مختلفة وتأييدهم لعروبة فلسطين ومواجهة الخطر الصهيونى، سواء عبر الجمعيات والهيئات التى شكلوها عبر عدد من الشخصيات والمفكريين والمثقفيين.
وتعد النقطة الثالثة والرابعة هى محور الإجابة على السؤال السابق، حيث نجد إن السياسة المصرية أخذت فى فترات تبنى الاتجاه العروبى، وخاصة فى الحقبة الناصرية وأحيانا تبنت القومية المصرية ومصر للمصريين.
و بالتالى نلاحظ أن التجانس بين الشخصية المصرية والقومية العربية هو وليد الأحداث السياسية والمراحل المختلفة فى السياسة المصرية، فلقد بقيت مصر متفاعلة مع محيطها العربى منذ أقدم العصور بل تحولت إلى قيادة العمل العربى منذ أن أصبحت القاهرة عاصمة الدول العربية الفاطمية عام 969م، ومكنها موقعها الاستراتيجى من تبوء مركز القيادة العربية، فقامت بمهمة الدفاع عن الأمن العربى المتصل مع الأمن بالأمن المصرى، وزاد من دورها القيادى تجانسها الوطنى الداخلى إذا بقيت بعيدة عن الصراعات الطائفية يتضح من السابق مدى تأثير ملامح الشخصية المصرية مع القومية العربية، وتعد من أهم الفترات التى زاد فيها الانتماء العروبى فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وأصبح هذا الدور يتناقص مع الحقبة الساداتية حتى أنه اقترب من العد فى فترة الحكم الحالية.
وأخيرا فإن خيار القومية العربية لمصر ليس خيارا لفرد أو لفئة بقدر ما هو انسجام مع تاريح مصر ودورها ومستقبلها أيضا فى الابتعاد عن القضايا العربية والاندماج فى سياسات مصرية، خاصة لم ينجيا مصر من مشكلات التخلف السياسى والتبعية والتخلف الاقتصادى والاجتماعى.
وعلى الجانب الآخر فإن اعتماد السياسات القطرية عند الأقطار العربية التى لا تساعد مصر على استعادة دورها القومى، هو بالتأكيد تخلى عن المصالح القومية العربية المشتركة وستظل مصر هى الوحيدة القادرة على لعب الدور القيادى فى العالم العربى، حيث لا تحرر ولا تقدم سياسى واجتماعى واقتصادى دون مصر. وليس أدل على ذلك أفضل مما قاله مكرم عبيد "نحن عرب، ويجب أن نذكر فى هذا العصر دائما أننا عرب قد وحدت بيننا اللآلآم والآمال".
محمد سمير يكتب:
الشخصية المصرية والقومية العربية .. هل من تجانس؟
الجمعة، 13 مارس 2009 12:29 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة